لماذا ينجح في لبنان؟

روزانا رمّال

إذا كانت الأسئلة الكبيرة هي تلك التي تحيط بالحراك في لبنان، لماذا إذاً لا تتم الاجابة عليها واحداً تلو الآخر لمعرفة الى أيّ مدى ممكن أن تكون نابعة من مجرد محاولة توقع لمستقبل قد لا يحمل نفس الأجوبة في حالات مشابهة اذا كان هناك من شبيه للحياة السياسية في لبنان في المنطقة او حتى العالم؟

أساس المشكلة في لبنان اليوم على الحراك الحاصل في ساحاته نابعة من وجهتي نظر مختلفتين تماماً، لكنهما ملتقيتان على اعتراف واحد، وهو الانطلاق من انّ شيئاً ما جديداً قد طرح على واقع الحياة السياسية اللبنانية، وهو نزول فئة محدّدة من الشعب اللبناني غير حزبية او طائفية تجتمع على مطالب معيشية وليست تحركات من أجل زعيم او حزب او اصطفافات مذهبية.

وجهة النظر الأولى النابعة من الأوساط المؤيدة للحراك، والتي تمثل جزءاً متواضعاً من الشعب، تعتبر انّ ما يجري في لبنان هو مطالب محقة ستنجح في قلب النظام، لأنها فرصة لن تتكرّر، وهي اللحظة التي اعتبر اللبنانيون انه لن يتسنّى لهم مثلها لمشاهدة هكذا حدث جامع، وبالتالي فإنّ التفريط بها هو خطيئة لا تغتفر لأنها مؤسّسة للأجيال المقبلة من أبناء وأحفاد بعدما طفح الكيل من سياسة الأسلاف والأجداد.

وجهة النظر الثانية تعتبر انّ الذي يجري في لبنان هو واحد من مشاريع المنطقة التي رصدت لأجلها ملايين الدولارات بين حشد إعلامي وفكري من أجل تعميم فكرة «الربيع العربي»، وتغيير الواقع السياسي في لبنان، كما تم التغيير في أنظمة عربية عدة بغضّ النظر عن النتائج، وبالتالي فإنّ النظر الى الحراك في لبنان من دون الأخد بعين الاعتبار انه جزء من «كل» في منطقة حساسة، فإنّ القراءة ستكون ناقصة ورومانسية أكثر مما ينبغي في بلد تشوبه الحساسيات ولا يحتاج الى مزيد من العقد التي قد تتفاقم وتتحوّل في هذه الحال تحديداً الى باب لإراقة دماء بريئة غير قادرة على التغيير فعلاً كما تريد او تبتغي، لأنّ حراكها بلا شك سيتمّ استغلاله من كلّ القوى والأجهزة الأمنية والاستخبارية إقليمياً ودولياً، وهي نفسها الجهات الطامحة بنفوذ أعلى في لبنان.

وبناء على هاتين النظرتين في لبنان فإنّ السؤال الكبير اليوم حول مقاربة كلّ المعطيات التي تتناول الحراك، وطالما هو أمر واقع بدأ يأخذ حيزاً أساسياً من حياة اللبنانيين هو «لماذا ينجح في لبنان؟» أو لماذا ينجح الحراك في لبنان؟

أولاً: إذا كان الحراك في باقي الدول العربية مثل مصر وسورية وليبيا وتونس قد فشل فشلاً ذريعاً بالمحافظة على سيادة الدول لمذكورة وعدم إدخال الأجنبي في صلب الحياة السياسية فيها والمطلبية والإعلامية لماذا يقدر النجاح للحراك في لبنان؟

ثانياً: إذا أخذت الحالة المصرية كمرجع للمقارنة الأكثر قدرة على التأثير في المشهد العربي لأسباب تتعلق بأهمية موقع مصر حصراً تاريخاً ومؤسسات وأجهزة أمنية وجيش، هل يمكن اعتبار انّ الحشود التي نزلت الى ساحات بيروت أكثر قدرة على التأثير والتغيير والتمسك بالمحافظة على استقلالية الحراك، من ملايين مصر التي نزلت وملأت الساحات ولم تستطع في الثورتين إبعاد التدخل الخارجي والاستغلال عنهما؟ فكان التدخل التركي – القطري واضحاً في الثورة الأولى ضدّ حسني مبارك، والسعودي على الثورة الثانية ضدّ محمد مرسي، فلماذا إذاً تنجح التحركات في لبنان؟

ثانياً: إذا كان مجمل رصيد الحراك العربي فشلاً ذريعاً بتقويم الوضع السياسي كتحصيل حاصل، والمنتج الوحيد الملموس او الحسّي تنظيمات إرهابية هي الأخطر على العالم كتنظيمي «داعش» و»النصرة» في بلاد أكثر تماسكاً وأمناً بأضعاف من لبنان بعضها عرف بالأنظمة الحديدية، لماذا يكون الحراك في لبنان برداً وسلاماً؟

ثالثاً: إذا كانت قنوات قطرية وسعودية مثل «الجزيرة» و»العربية» أنفقت أموالاً طائلة وفتحت الهواء مباشرة لتغطية مجمل التحركات في البلدان التي تعني الحكومتين السعودية والقطرية كمصالح عليا، لماذا تكون التغطية الإعلامية في لبنان لقناتي «ال بي س «و»الجديد» تغطية بريئة وبعيدة عن التسييس والمشاريع الكبرى؟

رابعاً: إذا كان الحراك في مجمل الدول العربية لم يتكلل الا بتغيير من سيّئ الى أسوأ في ما يتعلق بالتبعية للأميركيين، وإذا كان لم يستطع توجيه الشعوب العربية بأهمية عدم إضاعة البوصلة عن الحقوق العربية الرئيسية وأولها فلسطين التي يبدو أنها اليوم تمرّ بأخطر الاختبارات نتيجة المتغيّرات العربية وتبعية حماس لمشروع «الإخوان»، وما يُحكى عن دولة مستقلة في غزة، لماذا ينجح الحراك من دون تدخلات في البلد الذي يضمّ المقاومة، التي جلبت أول وأهمّ الانتصارات للعرب، وهزمت «إسرائيل» التي باتت تعتبر أنّ المقاومة هي كابوسها وهاجسها الأول والثاني والثالث والعاشر؟

إنه الحراك والأسئلة الكبرى…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى