سبل مواجهة ظاهرة العنف والتطرف والحدّ من أخطارها وفعاليتها

المحامي عمر زين

جذور هذه الظاهرة باتت معروفة وكتب فيها الكثير الكثير الذي أضاء على الجذور الفكرية لهذه الظاهرة وعلى العوامل الاجتماعية والسياسية التي ساعدت على استعماله والبنى التنظيمية والمالية التي أمدّت هذه الظاهرة بالفعالية وأطالت وما زالت في وجودها.

وان طريق الخلاص الوطني والقومي وسبل مواجهة الظاهرة كما نراه هو:

أولاً: مستقبل الوطن مرهون ببناء الانسان المتكامل الشخصية على المواطنة ومن البيت والمدرسة، حيث لا تنمية شاملة من دون ذلك، والأمر يتطلب ايضاً تحرير الاقتصاد العربي وإطلاق روح المبادرات الفردية لدى الشباب، وتوفير التمويل اللازم بعيداً من الصناديق الدولية، وكذلك ادراك أهمية التعاون الاقتصادي والبناء الديمقراطي الحقيقي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، فالعنصر البشري في كل المجتمعات يمثل عصب التنمية والنهوض، وصلاح الأمم لا يأتي إلا بالعدل الاقتصادي والاجتماعي والقضاء على كل مظاهر الفساد.

ثانياً: الدولة بمعناها الحديث كما تعلمون هي سلطة للتعبير عن واقع يعيشه شعب ما بصرف النظر عما اذا كان هذا الشعب من عرق واحد او أعراق عدة تتفاوت في ما بينها بالعدد او بالمعتقدات الدينية يسيّرها قانون واحد يوحد بين كل افراد هذا الشعب في الحقوق والواجبات، مع احترامه لحرية المعتقد وحمايتها. وهذا ما سمي بالدولة المدنية تمييزاً لها عن اشكال الدولة التي عرفتها التجربة الانسانية في بعض مراحل التاريخ ولا سيما منها الدولة الدينية.

ونحن مع الدولة المدنية ـ كما وصفناها أعلاه ـ ولسنا مع الدولة الدينية ـ لأن هذه الاخيرة لم تقم عبر التاريخ مطلقاً بل قامت الدول التي تسترت بالدين ولم تحكم بقيمه. وأن التاريخ المظلم لهذه الدول التي اتسمت بالدينية تجاوزاً لا يعود الى الدين الاسلامي وقيمه، ولا الى الدين المسيحي وقيمه، بل الى الحكام الذين اعتمدوا ممارسة الظلم والقهر والاستبداد والدين منهم براء. ذلك أن الأديان السماوية ما دعت الا الى عبادة الله الواحد الاحد في إطار من الحرية في المعتقد وفي الممارسة لا إكراه في الدين ـ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً ـ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين… فالدولة الوطنية المدنية صنعها مسلمون ومسيحيون من كلّ المذاهب وفيها يتساوون وعنها مسؤولون. أما الدولة الدينية فإنها ليست قائمة لا اليوم ولا غداً لأنها احتكارية للايمان وإلغائية للآخر المختلف.

ثالثاً: نقول إنّ القومية العربية او العروبة بتعبير آخر هي الحركة الواعية لوجود الأمة العربية المتميّز والمستقلّ والعاملة على تجسيد هذا الوجود في دولة واحدة ونقول ايضاً إنّ القومية العربية هي الحركة الدائمة لتحرير فلسطين وسائر الأراضي العربية المسلوبة أو المغتصبة وهي الحركة المؤدية الى إقامة مؤسسات الوحدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وذلك بمختلف الأساليب المشروعة طبيعياً وإنسانياً وطنية كانت أم اقليمية أم دولية.

ان هذه الحركة القومية العربية ومجتمعها القومي العربي يتسعان لوجود كل القوى السياسية والأحزاب والتيارات التي تؤمن بهذه الأهداف وبوسائل تحقيقها مجتمعة وتتشارك معها في العمل لتحقيقها.

وعند هذا الحد لا بد أن تتوافر وتتحقق المصالحة القومية او التوافق بين الحركة القومية العربية وبين القوى الدينية في الأمة وذلك لرفاهية ونهضة الأمة بعد تحريرها من كل الثقافات التي وضعت في عهود القرون الوسطى.

ونؤكد ان لا دولة دينية في الاسلام، وأنه لا يكتمل ايمان المسلم من دون الايمان بالمسيحية واليهودية رسالة من عند الله وأن المساواة في المواطنة أرساها رسول الله في عبارته لمسيحيي نجران «لهم ما لنا وعليهم ما علينا».

لكن بسبب ان النخب العربية غائبة بإراداتها او بإرادة خارجية، ولعدم وجود ردود فعل بديهية ضد ما يجري من تطرف وعنف وتكفير، وغياب الحس الانساني العربي، ونمو الغرائز الكامنة في الذات العربية وانتشار الفساد يتطلب منا:

1 ـ العمل على تعزيز ثقافة الحوار بين الاديان والمذاهب.

2 ـ التزام المرجعيات الدينية بدرجة عالية من الإلتزام الإيماني الإنساني والثقافة العميقة للتمييز بين الموقف السياسي والمبدأ والعمل على تعميم ذلك وتوقف المراجع الدينية عن استعمال الدين والانتماء الطائفي كأداة لحشد التأييد لتوجهات السلطة السياسية.

3 ـ توعية الشباب حول أهمية الدولة المدنية التي لا تنبذ الدين ولكن تفصله عن الحكم، من دون المغالاة في تطبيق العلمانية في الدول العربية التي لا تعتبر جاهزة بالقدر الكافي لاستيعابها بالشكل المطلق.

4 ـ مراجعة كل برامج التربية المدرسية والجامعية لجهة نقل التراث القيمي العربي الى الأجيال الجديدة، حيث أن قيم الديمقراطية والتسامح يجب ان تنقل من خلال تعليم الحضارة العربية والتاريخ والأدب والتعليم الديني والتربية الدينية.

5 ـ الاهتمام الدائم بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية، تهم كل العرب والتركيز ان حلها كما دلت كل التجارب لا يكون إلا بالمقاومة.

6 ـ تعزيز المواطنة مفهوماً وممارسة.

7 ـ العمل من أجل توقيع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وجميع الاتفاقات الأخرى غير الموقعة والتي تتعلق بالمرأة.

8 ـ تكريس المساواة الكاملة في الدساتير والعمل على تعديل جميع القوانين المميزة ضد المرأة.

9 ـ العمل على ضرورة القضاء والحد من ظواهر الفساد الموجودة في السلطة القضائية او في الأجهزة التنفيذية، وذلك عبر رسم الاستراتيجيات التي تتم من خلالها مكافحة الفساد في الأجهزة التنفيذية والقضائية المختلفة كافة.

10 ـ إنجاز قانون جديد بكل دولة عربية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني يعزز من دور الجمعيات ومن استقلاليتها ومن حرية التنظيم وحرية الرأي وحرية التعبير.

11 ـ وضع الأسس السليمة لبناء الشراكة بين الحكومات العربية وبنى المجتمع المدني عبر توفير الجو السياسي والتشريعي الذي يسهل على منظمات المجتمع المدني القيام بدورها في ظل احترام الاستقلالية المؤسسية.

12 ـ قيام ميثاق تعاون بين مختلف بنى المجتمع المدني تتوزع فيه الادوار عبر أنماط متعددة من التكامل والعمل على خلق طروحات على المستوى السياسي واعتبار التنمية مسؤولية كل أفراد المجتمع.

13 ـ تشريع قوانين تحقق لكل مواطن حقه بصفته مواطناً منتمياً الى دولة، وبذلك تكون الدولة هي الحامي الوحيد للمواطن وبالتالي مرجعيته، فيخف تعلقه بطائفته كمصدر حماية او قوة له.

14 ـ الابتعاد عن ثقافة العنف والإقصاء والتهميش.

15 ـ العمل على توجيه الإعلام وفق كلّ ما تقدّم أعلاه.

لذلك نحن نحتاج عملياً الى ربيع فكر لا مثل الربيع الذي يتحدثون عنه، ربيع فكر يؤمن بالتنوع والتعدد في الأداء والقناعات ويؤسس لمعركة وجود جديدة ادواتها العلوم والمعرفة والانفتاح الواثق على المستقبل، محصن في ثقافة مقاومة لكل الثقافات التي سادت في العقول والنفوس والأعمال، وعلى كل القوى الليبرالية والوطنية والاشتراكية والعمالية والمهنية واليسارية والإسلامية المعتدلة أن تضافر جهودها وتتحد بوجه هذه الهجمة الشرسة المخالفة لمبادئ الشريعة الاسلامية، وللفكر القومي والوطني. وذلك بوضع الخطط ورص الصفوف وتفعيل الطاقات وبالمعرفة اليقينية بفعالية العلاج في حالات مماثلة سابقة، ومن الربط بين الجهد والنتيجة لتحقيق كل هدف ووعي حقيقة ان كل نجاح نحققه هو نتيجة الجهود التي نبذلها في سبيل ذلك.

ويطرح هنا السؤال التالي:

كيف يمكن العمل على اقناع القائمين على النظام الرسمي العربي بأن كل ما تقدم ذكره وغيره هو لمصلحتهم الشخصية ومصلحة أولادهم ومستقبلهم أولاً، ولمصلحة شعوبهم ثانياً، وأن ظاهرة العنف التكفيري ستحرق كل شيء، هذا يحتاج الى مؤتمرات وورش عمل وتضافر جميع القوى لننتهي من التوصيف والبدء بالعلاج. ومن أجل ذلك لا بد من الإسراع في إعلان حالة طوارئ عربية وإسلامية ومسيحية للتنفيذ وليكن كل واحد من النخبة مهمة لننتقل من التنظير الى الفعل الحقيقي.

رئيس المنظمة العربية لحماية ومساندة الصحافيين وسجناء الرأي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى