الحراك الشعبي المدني الى أين؟

د. سمير صبّاغ

النظام السياسي في لبنان هو نظام طائفي مذهبي بامتياز، خلف لنا على مدار سنواته الطويلة 72 عاماً تركة ثقيلة تتجلّى بخرق الدستور وبمخالفة القوانين وبفساد معمّم على إداراته وأجهزته الأمنية، وبعض القضاء، وأدخل البلاد في حروب موسمية أكبر مسافة بين الواحدة والأخرى لا تزيد عن عشر سنوات، وشكل قهراً طبقياً وانتفت فيه المواطنة والوطن، وضاعت هويته وحلّت مكانها الطوائف والمذاهب بكلّ رموزها.

في ضوء ذلك يتوجب على كلّ طامح إلى العمل السياسي أكان فرداً أو حزباً أو هيئة في مجتمع ما أن يكون واعياً لهذا الواقع الذي حدّدناه، وأن يكون في نفس الوقت قادراً على التمييز بين من هو فاشل ومن هو غير فاشل، وبين من هو فاسد ومن هو غير فاسد. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنّ معرفة الطليعيّين بهذا العمل المعروفة هويتهم وثقافتهم وعلاقاتهم الداخلية والخارجية هي التي تحدّد التعاون معهم أو رفض التعاون معهم.

واليوم في ظلّ الحراك الشعبي الذي نعيش، وبصرف النظر عن خلفياته ورؤاه، التي تختلف بين مراقب وآخر، فإنّ اختلاف الشعارات وتعدّدها والاختلاف في ترتيب أولوياتها لا يمنعنا من القول بأنّ التصدّي لواقع هذا النظام الطائفي والمذهبي القائم وأزماته المضرّة والمتوالدة بعضها من بعض والتي جعلت اللبناني بمختلف طوائفه ومذاهبه وطبقاته خارج دائرة الشعوب المستقرة، وأوصلت هذا الشعب الى أن يعيش مظاهر حياة الدولة الفاسدة في مخالفته المالية العامة دولة بدون موازنة منذ عام 2005 ، وبطالة زادت على 40 في المئة من شعبه وهجرة متمادية أفقدت البلاد من شبابها، الأمر الذي يدفعنا إلى القول إنّ العودة بلبنان مجتمعاً وشعباً الى الطريق الصحيح باتت صعبة جداً وأصبح ينبغي اللجوء الى أطر وأساليب غير مألوفة.

أضف الى ذلك أنّ نصوص الدستور كانت نتيجة اتفاقية الطائف وهدفها تلميع صورة النظام والانتقال به الى حالة عصرية، ولكن أبى أركان النظام إلا أن يبقى في مستنقع ما قبل الحرب العالمية الثانية، وأهمّ ما ورد في نصوص الدستور التي لم تنفذ حتى الآن:

1 ـ لا شرعية لسلطة تناقض العيش المشترك أو الشراكة بين مكونات النظام.

2 ـ تشكيل هيئة وطنية تمهيداً لإلغاء الطائفية السياسية على مراحل.

3 ـ إصلاح النظام الانتخابي اللبناني وإقامة مجلس شيوخ تتمثل فيه الطوائف بعدد متساو، ويُعنى بالأمور المصيرية التي نص عليها الدستور، ومجلس نيابي خارج القيد الطائفي بعد إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية.

نحن ندين ممارسات النظام على مدى 25 عاماً على الطائف وعلى إمعانه في مخالفة هذه المبادئ وتجاهل المجلس النيابي إرادة الشعب اللبناني والتقيّد بالنصوص، وهو قد أقدم على التمديد لنفسه مرتين تحت ذرائع وحجج واهية وليس لها أيّ أساس أهمّها أنّ الوضع الأمني لا يسمح بإجراء انتخابات بالرغم من أنّ مراجع متعدّدة كانت مختلفة في ما بينها في هذا المجال، حيث كان بعضها يتذرّع بالتمديد للمجلس عدة مرات عام 1978 وانتخاب رئيس للجمهورية مرتين في ظلّ التمديد الحاصل متجاهلة عمداً واقع الحرب اللبنانية والاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي اللبنانية عام 1978 وتطهير أرضه من رجس الاحتلال طيلة عشر سنوات. وفشل فشلاً ذريعاً في حمل العالم على تنفيذ القرارين 425 و 426 والقاضيين بانسحاب «إسرائيل» من لبنان دون قيد أو شرط، ولم يعمل بجدية واهتمام على ما أقدم عليه شعب لبنان من بطولات يقرّها العالم من أعراف وقوانين ومواثيق دستورية وكلها تعترف بحق الشعوب في مقاومة المحتلّ كما فعل شعب لبنان يوم أبدع جبهة المقاومة الوطنية، وأفواج المقاومة اللبنانية، وبعض عمليات المقاومة في التنظيمات اللبنانية، والمقاومة الإسلامية التابعة لحزب الله التي تصدّت للاحتلال «الإسرائيلي» وطردته عام 2000، وصولاً الى كسر هيبة جيش العدو في صمودها الرائع عام 2006. كما اعتمدت أجندة خاصة تتجاهل هذا النصر، وأمعنت في تشويه صورته في لبنان والوطن العربي والى تضليل الرأي العام ونشر الأكاذيب حولها وحول أهدافها وابتداع أعداء جدد غير «إسرائيل» طبعاً ، وتربط لبنان بعجلة أجندات عربية ودولية.

من أجل ذلك وجب إصلاح النظام وتغييره، ولهذا قرّرت شرائح الشعبية أن تأخذ قضيتها بيدها بعدما سدّت المنافذ الدستورية والسياسية فلم يعد أمامها إلا الانتفاض. ظهرت مجموعات مختلفة الانتماء والأهداف المخفية منها والعلنية في صفوف الحراك المدني الشعبي، وتحاول هذه المجموعات إخفاء اختلافاتها واتفاقاتها على الأولويات التي يجب على الحراك المطالبة بها خاصة موضوع النفايات، ورغم أنّ الحراك المدني الشعبي لا يزال في أولى خطواته فإنه أربك أركان النظام الذين نراهم اليوم يحاولون استنهاض بعضهم بعضاً…

وفي سياق البحث في هذا الحراك الشعبي المدني لا بدّ من ملاحظة الخلافات بين أركان النظام وهي تتمحور اليوم حول الدعوة الى انتخابات رئاسية فورية من المجلس النيابي القائم، وبين ما يطرحه التيار الوطني الحرّ وحلفاؤه وبين الاتفاق على قانون انتخابي جديد على قاعدة الأكثرية النسبية والدوائر الموسعة، وإلا فمن الشعب الذي هو مصدر السلطات، انّ هذا الخلاف في صفوف أركان النظام يزيد عملياً من إرباكه.

اننا ندعو مختلف القوى الشبابية التي تقود هذا الحراك الى تبني مطلب وضع قانون انتخابي جديد والاتفاق بين كلّ مكوناته رسمياً عليه، خاصة أنّ مطلب بعض أركان النظام المتحلقين حول الحوار بإجراء انتخابات رئاسية فورية تتقاطع مع أجندة خارجية بدأت ملامحها تظهر بوضوح من تصريح جيفري فيلتمان والدائرة السياسية في مجلس الأمن ومروراً ووصولاً الى خطاب سمير جعجع والروائح المنبعثة من قطر… وأخيراً الى مجموعات في قيادة الحراك الشعبي باتت معروفة من الجميع.

انّ هذه الخطة الخارجية تسعى للوصول في نهايتها الى طرح موضوع المقاومة وسلاحها وانسحابها من القتال في سورية، بهدف إسقاطها وإسقاط سورية، وهو أمر يستدعي من المجموعات الوطنية والتقدمية زيادة أواصر التعاون في ما بينها لكي تقف موحدة في وجه من يريد أخذ هذا الحراك الى مبتغاه والى ما يريد…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى