جنبلاط وقميص بلعوس
يوسف المصري
التجمّع الدرزي الذي أرسله وليد جنبلاط أمس إلى أمام مبنى دار الطائفة الدرزية في بيروت تحت عنوان التنديد باغتيال الشيخ أبو فهد وحيد بلعوس، لم يكن مفهوماً موقعه داخل الأحداث اللبنانية الجارية، خصوصاً أنّ السويداء مسقط رأس الشيخ بلعوس لها رأي آخر بواقعة الاغتيال غير رأي جنبلاط، وأيضاً اختارت الانحياز إلى اصطفاف آخر داخل مواجهة الفتنة المستهدفة للطائفة الدرزية وكلّ الشعب السوري، معاكس تماماً للخندق الذي يوجد فيه «بيك» المختارة.
لماذا ذهب جنبلاط إلى قضية بلعوس؟
ثلاثة أسباب بحسب عارفين بهذا الملف وبتفكير جنبلاط في هذه المرحلة:
الأول: التأكيد لأنقرة أنه ماض في تبييض صفحة «النصرة»، وهو مشروع لا يزال إقليميون يكابرون من أجل إنجاحه عبر إظهار أن «داعش» شيء و«النصرة» شيء آخر، أقله لجهة أنها أقلّ تطرفاً ويمكن التعايش معها وحتى اعتبارها معارضة شبه معتدلة.
والواقع أنّ رفض جنبلاط لكلّ الوقائع التي تؤكد مسؤولية «النصرة» عن قتل بلعوس بغرض إثارة فتنة، كلّ هدفه هو إعطاء الإقليميّين الواقفين وراء مشروع تبييض صفحة «النصرة» دولياً، سلفة مواقف على الحساب، ولو كانت هذه المرة على حساب دم الدروز في سورية، ولو أيضاً على حساب قناعاتهم… وحتى لو أدّى ذلك إلى اللعب بمستقبلهم.
ثانياً: جنبلاط في هذه اللحظة محتاج إلى قضية درزية بالمعنى المذهبي. يحتاج إلى قميص بلعوس درزي، كي يرفعه ويستغيث به الدروز في لبنان، ويقول لهم إنني أطالب بدمكم، ما زلت أحمل همّكم وعليكم أن تعودوا وتتجمّعوا ورائي تحت يافطة قضايا درزية وليست مطلبية أو حراكية.
ومناسبة حاجة جنبلاط الملحة لهذا النوع من قضايا حمل قميص بلعوس، تبرز بسبب رسائل عميقة وصلت إليه مؤخراً من خلال رفض سكان الجبل اللبنانيين الموحدين لصفقات المطامر وحتى لخطط حاول جنبلاط تغطيتها مناطقياً ولكنه فشل هذه المرة ولأول مرة وذلك في سابقة أكدت حالة تفلت شعبي من حوله.
وعلى هذا يحاول جنبلاط لفت نظر أبناء الجبل إلى قضية جديدة، يظن أنها ستشدّ عصبهم المذهبي، ما يعيد إليه بريق زعامته الدرزية.
وهذا الأمر الآنف يشكل في الواقع جزءاً من خلفيات قراره بحمل قميص بلعوس ورمي التهمة في شأنه على الدولة السورية، وافتعال حالة درزية في لبنان ضدّ الدولة السورية. وفي هذه الجزئية الأخيرة يندرج السبب الثالث، وهو أن جنبلاط يعرف أن هناك احتقاناً درزياً لبنانياً ضدّ «النصرة» و«الجيش الحر» بسبب اعتداءاتهما الإجرامية المتكرّرة منذ ثلاثة أعوام على قرى درزية في منطقة بيت جنّ السورية الحدودية مع لبنان القريبة من شبعا وحاصبيا، فضلاً طبعاً عن مجزرة قلب لوزة التي ارتكبتها «النصرة» ضدّ أبناء طائفة الموحدين في جبل السماق في ريف إدلب.
من جهته يريد جنبلاط تغيير مسار هذا الاحتقان ليجعله ضدّ سورية الشعب والدولة بدل أن يظلّ ضدّ «النصرة» التي يعمل بيك المختارة من أجل تبييض صفحتها وفق أجندة مصمّمة من قوى عربية وإقليمية ودولية معروفة.