سلامة: سياستنا النقدية نموذج يُحتذى به
نظمت «مجموعة البنك والمستثمر» في فندق «فور سيزنز»، مؤتمرها السنوي بعنوان «التحديات المصرفية ما بعد الأزمة العالمية»، برعاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وحضور الوزير السابق عدنان القصار ونواب حاكم مصرف لبنان ورؤساء ومديري مصارف وخبراء ومختصين في العمل المصرفي.
بداية تحدثت المديرة التنفيذية لمجموعة البنك والمستثمر نهلا النملي التي رأت أنّ «حالة المشهد والواقع اللبناني لا تسرّ أحداً، فالشغور الرئاسي مستمر منذ أكثر من 470 يوماً ولا تبدو في الأفق القريب ملامح انتخابات رئاسية، مع تمديد ولاية مجلس النواب والتوجه في الأشهر المقبلة إلى تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية، في وقت بلغ فيه الدين العام مستويات خطيرة جداً وهو مستمر في تصاعده بفعل التوسع في الإنفاق الحكومي وتراجع الإيرادات وغياب المعالجات الناجعة ما يجعله معضلة عصية على الحل».
ثم تحدث النائب الأول لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين الذي أكد «التزام مصرف لبنان بانتهاج سياسة نقدية غير تقليدية تقوم على مبادرات وهندسات توازن بين صيانة الاقتصاد وتنمية المجتمع، ومن أهم مظاهر هذه السياسة التي أثبتت نجاعتها وجدواها في مواجهة التحديات حيث أضحت نموذجاً يحتذى به في المصارف المركزية العالمية، المحافظة على الاستقرار النقدي والسيطرة على التضخم ضمن سقف 4 في المئة وتأمين استقرار معدلات الفوائد وتحقيق النمو حتى في أحلك الظروف».
ودعا إلى «بلورة نظرية اقتصادية تجعل من أزمات الكساد العظيم واحدة من الحالات الممكنة التي تسمح لاقتصادنا الرأسمالي أن يجد نفسه»، مؤكداً أنّ «جوهر تكوين السياسة النقدية وعلة وجودها هو استنباط الأساليب المجدية وابتكار المبادرات الخلاقة في مواجهة التحديات التي تنتجها هذه الظواهر، في سبيل تحقيق التلازم بين مصالح قوى السوق والمصالح العليا للمجتمعات».
وتضمن المؤتمر ثلاث جلسات عمل طرح فيها عدد من الأفكار والحلول لأبرز التحديات التي تواجه لبنان.
وأكد نائب حاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري في الجلسة الأولى التي جاءت بعنوان «الاستقرار المالي في القطاع المصرفي»، أنه «في ظلّ التخبط الذي يشهده النظام المالي العالمي وسط تداعيات أزمته العالمية، ووسط ما تعانيه منطقتنا على المستويين السياسي والاقتصادي، تبرز الأهمية الاستراتيجية للدور الحيوي الذي ينبغي للسلطة الاقتصادية والنقدية والقطاع المصرفي والمالي أن يلعباه في صيانة وتفعيل الأمن الاجتماعي والاقتصادي في أبعاده المالية والتنموية».
وقال: «في إطار النظام المصرفي المالي، قام مصرف لبنان بتطوير نظام مصرفي موثوق يتميز بتقيده الصارم بالمعايير والمواصفات الدولية المصرفية والمحاسبية خصوصاً بما يتعلق منها بكفاية رأس المال والإدارة الرشيدة والشفافية والربحية والسيولة ومكافحة تبييض الأموال، بالإضافة إلى تنظيم القطاع المالي عبر اتخاذ كلّ التدابير اللازمة وإصدار التعاميم المطلوبة لمواجهة المخاطر الخارجية، بما يحفظ سمعة لبنان ويمنع الأموال غير الشرعية من الدخول إلى السوق المحلية».
وأكد مستشار الرقابة المصرفية والتنظيم في مجلس محافظي البنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن سركيس يوغوردجيان، بدوره، «وجوب تفادي فكرة النمو لمجرد النمو لأنه يؤدي إلى طمع البنوك التي تسعى دائماً إلى تحقيق عائدات مرتفعة على المدى القصير والمتوسط، مع العلم أنّ المردود العالي يتوفر في الأنشطة عالية المخاطر»، محذراً من «مشاركة المؤسسات المالية في أنشطة التداول في الأوراق المالية على حساب مزاولة الأنشطة التقليدية».
وأكد «ضرورة تطوير ممارسات الحوكمة وعدم السماح لأي مؤسسة مالية بنمو يصل إلى حدّ الفشل لأنّ هذه المؤسسة سوف تخرج عن السيطرة في وقت ما، وخصوصاً أنّ الكثير من الخدمات المالية كان لها تأثيرات اجتماعية سلبية».
أما في الجلسة الثانية التي جاءت بعنوان «بازل 3 ومخاطر السيولة»، فدعا مستشار رئيسي مجموعة بنك لبنان والمهجر أمين عواد، المصارف إلى «التركيز على سيولتها نظرا لكونها جزء لا يتجزأ من الاقتصاد، وعلى اعتبار أنّ أية مشاكل تواجه هذه المصارف فإنّ كلفته ستكون كبيرة جداً على الاقتصاد وستنعكس سلباً على التنمية في البلاد».
وأكد رئيس قسم إدارة المخاطر في بنك البحر المتوسط سمير معوض، من جهته، «حاجة المصارف إلى استثمارات ضخمة لتطوير تكنولوجيا المعلومات للارتقاء بأنظمة عملها، والتفكير بنماذج أعمال جديدة خاصة بها بديلة عن نماذجها الحالية التي لن تقو على الاستمرار في المستقبل، وكذلك إعادة النظر في أماكن انتشارها وتكاليفها للمحافظة على المعادلات التي تفرضها السلطات الناظمة للقطاع».
واعتبر «أنّ المصارف بحاجة إلى إجراء نظرة شاملة وأكثر دقة للتأكد من سيولتها من خلال المراجعة الدورية للتدفق النقدي لديها ومراقبة البيانات والمعلومات اليومية وإجراء اختبارات دورية لتتمكن من تدارك المشاكل ووضع مخططات لتوفير البدائل المناسبة في حال طرأت تحديات أمام سيولتها، وخصوصاً في بلد مثل لبنان حيث غالباً ما تتطور الأحداث بشكل متسارع».
وعقدت الجلسة الثالثة تحت عنوان «النزاهة المالية العالمية» وتحدث فيها الشريك المؤسس في شركة النزاهة المالية في أميركا شيب بونسي، فاعتبر «أنّ عدم الالتزام بقواعد النزاهة يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد الذي يصبح عرضة للفساد»، موضحاً أنه «لا يمكن تطبيق النزاهة المالية بمعزل عن عنصرين أساسين هما الشفافية المالية التي تقتضي معرفة من أين تأتي الأموال وإلى أين تتجه، والمساءلة المالية التي تهدف للتأكد من أن الجميع يحترم قواعد اللعبة».
أما الأمين العام لهيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان عبد الحفيظ منصور، فاعتبر «التزام لبنان بتطبيق برامج خاصة لمراقبة تحرك التدفقات النقدية بين المصارف والفروع لمعرفة مصادرها ووجهتها»، محذرا من المخاطر المرتبطة بالأموال النقدية».
وقال: «إنّ المصارف قطعت شوطاً كبيراً في مستوى الالتزام بالتحقق من مصادر المبالغ النقدية وهو ما ساعدنا في تحقيق نتائج ممتازة على هذا الصعيد حيث تسترعي المبالغ النقدية انتباهنا بشكل دقيق».