أزمة منظمة التحرير الفلسطينية

حميدي العبدالله

منذ ولادة منظمة التحرير بقرار من القمة العربية في عام 1964 وهي تعاني من الأزمات. وبعد مرور أقلّ من أربعة أعوام على تأسيس المنظمة، انطلقت المقاومة المسلحة بمبادرة من عدد من التنظيمات الفلسطينية، بل إنّ بعض هذه التنظيمات سبقتها إلى إعلان الكفاح المسلح، وتمثلت الأزمة الأولى بالصراع بين التنظيمات التي أعلنت الكفاح المسلح وبين منظمة التحرير ككيان فلسطيني رسمي تأسّس بقرار من القمة العربية وبمبادرة من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

بعد سيطرة فتح على مؤسسات منظمة التحرير كانت الأزمة الثانية، وتمثلت بصورة رئيسية بين فتح التي اتهمت بالهيمنة والاستحواذ على المنظمة، وبين المنظمات اليسارية الفلسطينية وعلى رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة المناضل الراحل جورج حبش. وما إنْ سوّيت الأزمة بين المنظمة بزعامة فتح والمنظمات اليسارية بعد خروج المقاومة من الأردن في أعوام 1971-1972 حتى واجهت المنظمة بعد رحيلها عن لبنان أزمة أخرى تمثلت بشكوى منظمات فلسطينية جديدة من استمرار استحواذ فتح على مؤسسات المنظمة التي كان يتوجب عليها أن تكون إطاراً جبهوياً يسع كلّ الحركات التي تقاوم بالسلاح الاحتلال الصهيوني. وكانت حركتا «حماس» و»الجهاد الإسلامي» من أبرز المنظمات التي تشكل الطرف المقابل في الأزمة.

بديهي أنّ الخلافات الدائمة كانت تعكس خلافاً في المواقف والنهج السياسي وليس صراعاً على السلطة أو على مقدرات منظمة التحرير التي تمتعت بامتيازات منذ ولادتها، جاءت هذه الامتيازات من تمويل الحكومات العربية للمنظمة.

تاريخ منظمة التحرير، وهو تاريخ أزمات دائمة، يعكس مجموعة من الحقائق لا بدّ من أخذها في الاعتبار عند النظر في هذه الأزمات وفي جهود تجاوزها المبذولة من هذا الطرف أو ذاك:

أولى هذه الحقائق، دائماً كانت المنظمة الطرف الأكثر ارتباطاً بالسياسات العربية الرسمية والأكثر ابتعاداً عن روح المقاومة المسلحة في مواجهة عدو استيطاني مثل العدو الصهيوني، كان الأمر على هذا النحو عندما كان المرحوم أحمد الشقيري يرأس المنظمة، واستمرّ على النحو ذاته عندما آلت السيطرة إلى حركة فتح.

ثاني هذه الحقائق، لم تكن المنظمة ولا في أي مرحلة من المراحل التي أعقبت إعلان تأسيسها إطاراً وحدودياً جامعاً لكلّ القوى الحية والفاعلة الفلسطينية.

ثالث هذه الحقائق، عكس الصراع على المنظمة دائماً تناقضاً في الرؤى والمصالح والارتباطات، ويبدو أنّ هذا الواقع سمة ملازمة للقضية الفلسطينية يعكس خصوصية هذه القضية.

رابع هذه الحقائق، واستناداً إلى كلّ ما تقدّم فإنّ أيّ جهد إضافي يُبذل لتوحيد فصائل المقاومة في إطار منظمة التحرير، وفي غيرها هو وهم بوهم وحراثة في البحر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى