ذكّر إن تنفع الذكرى – يرحلون والأسد باق

مقالتي في صحيفة تشرين مع الاستفتاء الرئاسي الذي حمل الرئيس بشار الأسد إلى الولاية الثانية، وما أشبه اليوم بالأمس، وكم تدحرجت رؤوس قبلها وبعدها وكم سيتدحرج من رؤوس بعد وهو باق.

حديث الأحد.. رؤوس كثيرة تدحرجت.. وأنت باق..

في 20-5-2007

منذ تسلم الرئيس بشار الأسد مقاليد الحكم قبل سبع سنوات عرف التعامل الأميركي ـ الإسرائيلي السياسي والإعلامي مرحلتين:

ـ الأولى استمرت ثلاثة أعوام وانتهت مع الغزو الأميركي للعراق وقد تركزت على تقديم الرئيس بشار الأسد كشخصية ذات خلفية ثقافية غربية، تريد نقل سورية من موقع الخيارات التي أرساها الرئيس الراحل حافظ الأسد، خصوصاً في ميدان الصراع العربي ـ الإسرائيلي وميدان العلاقة مع المعسكر الغربي، وفي هذا السياق قيل الكثير عن ضرورة التخلص من «الحرس القديم»، الذي سيصبح أبرز رموزه بعد فراره من سورية موضوع الرهان الأميركي والغربي، وفي هذا السياق أيضاً قيل الكثير عن فوارق هائلة في الظروف الدولية والعربية والداخلية والشخصية، بين مرحلتي الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس الشاب بشار الأسد، وقدمت هذه الفوارق كأسباب كافية للاستنتاج أن الرئيس الشاب لو أراد مواصلة السير على الثوابت التي رسمها والده فهو لن يستطيع ذلك، لأن العالم لم يعد هو نفسه مع زوال الاتحاد السوفياتي، والعرب باتوا في الجيب الأميركي، والسوريون يتطلعون إلى أولوية الدخول في جنة العولمة على البقاء في رومانسية القضايا الكبرى، خصوصاً أن الرئيس الشاب ليس والده، الذي اكتسب رصيداً ومكانة كانا تسمحان له بهوامش داخلية وعربية ودولية، لن تكون متاحة أمام الرئيس بشار الأسد.

ـ الثانية: بدأت مع غزو العراق واستمرت ما بعده، وبدأنا نسمع خطاباً غربياً خصوصاً أميركياً ـ إسرائيلياً جديداً محوره، أن الفرصة انتهت، وأن الرئيس بشار الأسد قد اختار الضفة الخطأ من النهر، وحتى قبل أن يظهر الملف النووي الإيراني كعنوان لأحد محاور المواجهة الدائرة في المنطقة، قيل إن احتضان سورية لحزب الله سيكلفها غالياً، وإن العلاقة مع حركة حماس ستجلب الخراب إلى سورية، وإن رفض سورية لقرار الحرب الأميركية على العراق ومواقف رئيسها المنددة بهذا الاحتلال والمؤيدة لحق المقاومة ومشروعيتها، إنما يعني وقوع سورية في عين الإعصار ونقلها إلى حافة الهاوية.

في المرحلتين وقف الرئيس بشار الأسد هازئاً من هذين الخطابين، مؤكداً أن خيارات سورية يجب أن تنطلق من تمسكها بقرارها الوطني، المدافع عن ثوابت السيادة والاستقلال وعودة حقوقها الوطنية والجولان في أولوية هذه الثوابت، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، سورية ملتزمة بموقعها كمؤتمن على المصالح القومية العليا للعرب، حتى لو تخلى عنها الآخرون، وكان يردد كلاماً يبدو للبعض شاعرياً، محوره أن من يراهن على الشعب لا يخسر، وأن مصدر كل حصانة هو الشعب، وأن العزلة يقررها الشعب وليس أي قوة خارجية.

في المرحلتين رددت أبواق عربية صدى الخطاب الغربي، لكنه كان دائماً أميركي المصدر بصورة يعرفها كل من يتابع مدى الاهتمام الأميركي بالحرب النفسية، والرهان الهائل على دور وسائل الإعلام العملاقة في زمن العولمة، وتحول العالم إلى قرية كونية واحدة في ربح الحروب قبل أن تقع.

الصراع مع سورية وعليها في آن واحد بعد أن كان مرة عليها ومرة أخرى معها، هذا ما قالته وثائق المحافظين الجدد، قبل أن يدخلوا البيت الأبيض مع تولي الرئيس الأميركي الحالي شؤون السلطة، وهذا ما ترجمت مضمونه كمية الدراسات التي أعدت حول المنطقة والتي تزيد على ألف وثيقة، أصدرتها أكثر من عشرة من كبريات مراكز البحوث الأميركية، هذا عدا آلاف المقالات التي حفلت بها الصحف الأميركية، كبيرها وصغيرها، وفي كل هذه الوثائق ثلاثة ثوابت، النفط وإسرائيل وسورية، فسورية محور حضانة المقاومة التي تقلق أمن إسرائيل، وسورية ممر إجباري لأمن أسواق النفط، سواء خط أنابيب كركوك ـ حيفا المرتبط بحرب العراق، أو خط مرفأ جيهان التركي الآتي من كازاخستان، والواصل إلى حيفا حتى عسقلان على البحر الأحمر سواء كان براً أو بحراً، وسورية عنصر لا بد منه في رسم الخريطة الجديدة للمنطقة، سواء عبر إلحاق الكيانات الوطنية بحدودها المعروفة بالسياسة الأميركية، أو عبر إعادة رسم الخرائط والذهاب إلى خيار التفتيت واستيلاد الكيانات الطائفية والعرقية، على أنقاض الكيانات القائمة.

دارت رحى حروب كبيرة منذ ذلك التاريخ ووقف الرئيس بشار الأسد وحيداً بين قادة العرب، ووقفت سورية معه، وها هو غبار المعركة ينجلي عن بداية ظاهرة لهزيمة استراتيجية للمشروع الأميركي ـ الإسرائيلي، سواء في العراق أو لبنان أو فلسطين، وبدلاً من أن تكون سورية محاصرة من الجبهات الثلاث، يظهر المشروع الذي استهدف سورية هو المحاصر، وبدلاً من أن يخرج نداء الاستغاثة من دمشق موجهاً نحو واشنطن إذ بنا نسمعه بالوجهة المعاكسة.

من المهم ونحن نعرف كيف حدث هذا؟ وكيف استطاعت سورية أن تكلل رأس رئيسها بغار النصر؟ أن نعرف من هم رموز المشروع الذي خطط وسوق لوضع سورية في عين الإعصار وأطلق العاصفة؟

ـ دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي السابق.

ـ كولن باول وزير الخارجية الأميركي السابق.

ـ ريتشارد بيرل الرئيس السابق للمجلس الأعلى لسياسات الدفاع الأميركية.

ـ دوغلاس فيث النائب الثاني السابق لوزير الدفاع الأميركي.

ـ بول بريمر الحاكم العسكري الأميركي السابق للعراق.

ـ غاي غارنر خليفة بريمر في العراق.

ـ الجورب المثقوب بول وولفوفيتز الرئيس السابق للبنك الدولي.

ـ دان حالوتس رئيس الأركان السابق في الجيش الإسرائيلي .

ـ جاك شيراك الرئيس الفرنسي السابق.

ـ طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق.

اللائحة تطول لتشمل آخرين وستشمل الكثيرين، من الذين كانوا كباراً وصغروا، وكانوا قادة حاليين وأصبحوا سابقين.

المشترك في ما قاله هؤلاء هو ما زلنا نتذكره، سورية تقامر بمستقبلها، آن الأوان لسورية كي تنصاع، أيام سورية باتت معدودة، إن صبرنا على سورية يكاد ينفد، المنطقة تغيرت وعلى سورية أن تفهم خطورة عدم إقرارها بهذا التغيير.

تدحرجت رؤوس هؤلاء، وكثيرون منهم منبوذون في بلادهم وآخرون ينتظرون المحاكمة.

وبقي بشار الأسد شامخاً وبقيت سورية مرفوعة الرأس.

الأحد المقبل سورية تحتفل بنصرها بينما هم يشربون كأس الهزيمة المرة.

هذا هو المعنى الحقيقي للاستفتاء الرئاسي الذي تعيش سورية أجواءه هذه الأيام.

http://tishreen.news.sy/tishreen/public/read/110189

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى