أسباب سيطرة «داعش» على الموصل

حميدي العبدالله

شكّلت السيطرة السريعة لتنظيم «داعش» على الموصل ومناطق واسعة من كركوك ومحافظة صلاح الدين مفاجأةً لم تكن متوقعة بالنسبة لكثر من متابعي الشأن العراقي.

هذا التحرك الميداني الكبير غير المسبوق في المواجهة بين «داعش» والجيش العراقي، لا يعود فحسب إلى قوة «داعش» الذاتية وما استطاعت حشده من مقاتلين هم بالآلاف لا بالمئات، بل ثمة عوامل أخرى تتصل بالتركيبة السياسية والحزبية السائدة اليوم في العراق، والصراع بين أطراف هذه التركيبة على السلطة، فالصراع كانت له آثار وتداعيات لعبت دوراً كبيراً في خلق مناخ ملائم لـ»داعش» كي تشنّ هجمات واسعة وتحقق مكاسب كبيرة، والأهمّ من ذلك تجنيد ألوف المقاتلين.

أولى هذه التداعيات، أنّ عناصر الجيش والشرطة والحكومات المحلية، ممزقة الصفوف، حائرة الولاء، تفتقر إلى الدافع السياسي أو حتى الفكري والعقيديّ لكي تضحّي بنفسها، على عكس المقاتلين الذين حشدتهم «داعش». وهذا هو ما يفسّر الانهيارات الواسعة للقوات المدافعة عن الموصل ومناطق أخرى في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك، إضافةً إلى سيطرتها على غالبية أنحاء محافظة الأنبار، وفشل الجيش العراقي في استعادة السيطرة على هذه المناطق.

ثاني هذه التداعيات، مصلحة بعض الأطراف السياسية في توجيه رسائل إلى أطراف أخرى على خلفية الصراع على تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الأخيرة. فمن المعروف أنّ رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي هو القائد الأعلى للجيش، وثمة ثلاث فرق من هذا الجيش ترابط في الموصل لكنها لم تقاتل دفاعاً عنها. وثمة اعتقاد بأنّ المالكي لم يصدر الأوامر لهذه الفرق بالتصدي لهجوم «داعش» رغم التحذيرات الاستخباراتية التي أكدت قرب شنّ هذا الهجوم، وكان يريد توجيه رسائل من خلال سيطرة «داعش» على نينوى وكركوك وصلاح الدين إلى ثلاثة أطراف تعارض ترؤسه الحكومة العراقية الجديدة. الطرف الأول، هو أسامة النجيفي رئيس البرلمان الذي يشغل شقيقه أثيل النجيفي منصب محافظ الموصل، فأسامة النجيفي يعارض عودة المالكي إلى رئاسة الحكومة، واستيلاء «داعش» على الموصل وصلاح الدين يبعث برسالة قوية تفيد بأنّ النجيفي لا يملك القوة والقدرة على المعارضة، فهو لا يمثل أحداً، ومعاقل نفوذه لم يستطع الحفاظ عليها بقدراته، وهو مدين بوجوده للحكومة العراقية ولا لتمثيله الشعبي، وهذه محاولة أكيدة لإقناع النجيفي بتغيير موقفه.

الطرف الثاني، الأحزاب الكردية التي تعارض أيضاً عودة المالكي، وتضع شروطاً لابتزازه للموافقة على عودته إلى رئاسة الحكومة، وعدم الدفاع عن كركوك وانسحاب القوات العراقية من مناطق واسعة من هذه المحافظة يهدف إلى إرسال رسالة قوية إلى الأحزاب الكردية، ويضع أمامها تحديات ترغمها على مراجعة سياستها الحالية، واعتراضها على عودة المالكي إلى رئاسة الحكومة، تداركاً لخطر «داعش» وشقيقتها الكردية المتطرفة.

الطرف الثالث مكوّن من حزبي الحكيم والصدر اللذين يعارضان عودة المالكي، والرسالة هي أنهما في مواقفهما الحالية التي تضعف قيام دولة قوية، وتشكيل الحكومة المقبلة على أساس الغالبية السياسية وليس المحاصصة، ويساهمان ليس في عرقلة عودة المالكي إلى رئاسة الحكومة فحسب، بل أيضاً في تعاظم خطر المجموعات التكفيرية وفي مقدّم «داعش»، ما يشكل تهديداً لنفوذ ومصالح هذين الحزبين الكبيرين اللذين من دون تعاونهما تصعب على المالكي العودة إلى رئاسة الحكومة وتنفيذ شعار حملته الانتخابية الداعي إلى تشكيل حكومة أغلبية لبناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات.

تلك هي العوامل التي سهّلت على «داعش» تحقيق هذه المكاسب السريعة في ثلاث محافظات عراقية مهمة، إضافةً إلى سيطرتها شبه الكاملة على محافظة الأنبار التي تشكل ثلث مساحة العراق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى