انتخابات أفشلت المؤامرة
نور غازي
سورية اليوم تستعيد حيويّتها، وتخرج من حرب مدمّرة كادت تلغي وجودها على خريطة الأمة، تحت شعارات ولافتات عنوانها «الحرية»، و»الديمقراطية» و»حقوق الإنسان». مؤامرة هدفها تقطيع أوصال سورية وإلغاء دورها الطليعي والطبيعي في مواجهة أشكال المؤامرات كافة، تستعيد دورتها الريادية رغم الدمار الشامل لمعظم مرافق الدولة وبنيتها، ناهيك عن القتل والخطف وتدمير دور العبادة من مساجد وكنائس، وتهجير المواطنين، والتنكيل بأجساد الشهداء الذين قضوا على أيدي الإرهابيين وتأجيج النعرات الطائفية والمذهبية والإثنية، وفرض نوع من الاستعباد على المواطنين، وحرق الأخضر واليابس، وسرقة المصانع وتدميرها وبيعها للدول المتآمرة من دول عربية وإقليمية وأجنبية، وإعلان بعض المناطق التي تسيطر عليها إمارات إسلامية وهي لا تمتّ إلى الإسلام بأيّ صلة، والحديث عن قرب سقوط الدولة، محددة لذلك تواريخ ومواعيد… وهذا كله لإرساء «الحرية» و«الديمقراطية» الزائفتين، واستعادة حقوق الناس المصادرة!
واحسرتاه على هؤلاء الذين لا يعرفون الحرية وما تعني في بلادهم. ففي مسار الحوادث الجارية شكلت الانتخابات الرئاسية في الخارج صدمة إيجابية لسورية وشعبها، رغم منع العديد من الدول منعت السوريين من المشاركة في هذا الاستحقاق المهمّ. انتخابات صدمت الجميع بنسبة المشاركة التي فاقت جميع التوقعات وبنتائج غير متوقعة. وخالوا أنه حال حصول الانتخابات ستكون النسب متدنية ما يلفت نظر الكثيرين في المنطقة والعالم، بخاصة الذين تآمروا على سورية وشعبها المقاوم. إنما ساد جوّ من الاستغراب والدهشة حيال ظهور الشعب السوري في الخارج والداخل في معظمه مع الدولة ومع قائد الدولة، وفشلت جميع الحسابات المبنية على سراب يدور في العقول المريضة، وسرعان ما تبدّدت الأوهام والمشاريع، فالانتخابات في مجملها، في الخارج والداخل، أثبتت بقوة أنّ خيار الشعب هو الدولة ومؤسساتها من دون سواها، وهي وحدها القادرة على تأمين مصالح البلاد والعباد، فكان الاستفتاء نابعاً من قناعة الشعب المؤمن بدور الدولة الحاضنة لجميع أبنائها، وأثبت هذا الشعب العظيم مرة جديدة قدرته على إنجاح الاستحقاق الانتخابي رغم التهديدات والأوضاع الأمنية الصعبة. أكد مجدداً أنه يدرك مصلحة بلده ومصيره، فالشعب يقرّر مصلحته باختياره لقائده الذي سيسر معه إلى النصر الأكيد، ومع القيادة والجيش العقائدي للقضاء على الإرهاب واستئصاله من جذوره وقطع اليد التي تحاول أن تمتدّ لتعتدي على سورية، بل على محور المقاومة والتصدي والصمود كلّه.
تخرج سورية اليوم من بين الركام لتقول للعالم أجمع نحن وحدنا ندرك مصالحنا ولن نسمح لكم بأن تقرّروا مصيرنا، فهذا شأن سوري بحت، وما يحصل اليوم على الأرض السورية من إنجازات، إن على صعيد المصالحات التي أثمرت نتائج إيجابية جداً تتضمّن بقاء الوطن واحداً موحداً ومعافى، ناهيك عن الإنجازات العسكرية التي حققها ويحققها الجيش العربي السوري مستعيداً المناطق التي تعرّضت لاعتداءات الإرهابيين وأعمالهم الإجرامية. ما تتعرّض له سورية هو فعلاً حرب كونية لو تعرّضت لها أي دولة كبرى لكانت وشعبها في خبر كان. مؤامرة عالمية دنيئة الأهداف وذات أبعاد مصلحية وتخريبية، المستفيد الأول والأخير منها الكيان الصهيوني وأعوانه في المنطقة. مؤامرة حاولوا بمختلف الوسائل من دعم لوجستي وسلاح متطوّر وإمكانات مالية ضخمة شاركت في تأمينها للإرهابيين سائر دول الخليج ومعهم تركيا والعالم «المتحضّر» والمغرور بقدراته التخريبية. مع هذا كله لم تستطع هذه القوى الظلامية كافة تحقيق أهدافها التآمرية.
استعادت سورية زمام الأمور وأعلنت النصر المظفّر على قوى الغدر والخيانة وعلى مَن تآمر و«شارك» وسهّل ضربها، ومَن حاول أن يلغي دورها السيادي والنضالي في أمتنا والعالم. صمود أسطوري ستتحدث عنه الأجيال الصاعدة وسيشكل استراتيجية جديدة تفرض على العالم الانحناء أمام عظمة هذا الشعب الجبّار. صمود مليء بوقفات العز المشرّفة. بلى، صمدت سورية وانتصرت، وهي تتصدّر الآن جميع القوى المكافحة والمقاومة الشريفة الكريمة، والمتآمرون إلى مزبلة التاريخ الذي لا يرحم أي خائن أو متآمر على بلده وأبناء شعبه وأمته. بلى انتصرت سورية. هي دولة الصمود والتصدي في زمن قلّ نظيره، ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم كلّه. سورية رفعت رأس المقاومين وجميع الشرفاء، في الساحات كلّها. المقاومون الذين وقفوا معها كانوا صادقين في ما قالوا وتعهّدوا، ولسورية أصدقاء أوفياء لن يتركوها وحيدة في معركة المصير.
كذلك ما كان هذا الصمود ليحصل لولا قيادة حكيمة على رأسها القائد الدكتور بشار حافظ الأسد، الذي أثبتت التجارب، خصوصاً في ظلّ الظروف الراهنة، أهمية قيادة مماثلة وحاجة الأمة إليها في مرحلة تاريخية ومفصلية واجهت فيها سورية حرباً كونية مدمرة.
كان لسورية دور متميّز في تقديم الدعم المطلق لمختلف حركات التحرر والمقاومة في الأمة والعالم العربي، فمن خلال هذا الدعم تحقق أهمّ وأعظم انتصار في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، يوم استطاعت المقاومة الإسلامية والوطنية اللبنانية تحطيم الأسطورة «الإسرائيلية» التي طالما تغنّوا بها وحفظوها عن ظهر قلب، لتصبح عنوان الأعراب حفاظاً على وجودهم واستمرارهم في مواقعهم. كان انتصار تموز المجيد الذي كلّل جبين الشرفاء أجمعين من أمتنا، وكم كنت صادقاً أيها القائد والمقاوم ورأس حربة المقاومة في وجه الأعداء أيها السيد المحترم السيد حسن نصرالله حين قلت «إن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت». صدقت يا سيد النصر الذي تحقق بجهاد الأبطال المقاومين الميامين، وبدعم مطلق ولا محدود من سورية.
سورية تفرض اليوم على العالم بقيادتها وشعبها وجيشها الاعتراف بالهزيمة التي حطمت حلقات المؤامرة وأهدافها، لتبني مع الحلفاء جميعاً استراتيجية متطورة متقدمة قادرة على حماية أمتنا ومحور المقاومة، وهي تشكل محوراً جديداً متجدّداً يقود العالم العربي بلا منازع.
نتيجة ما تحقق من انتصارات وصمود لسورية والمقاومة في لبنان وفلسطين، مطلوب العمل على الحفاظ على الجهوزية نفسها التي نتمتع بها، وعلى تطوير قدراتنا العسكرية والتكنولوجيا الحديثة كي تبقى الدرع الواقية لمواجهة الأخطار التي سنواجهها مستقبلاً. أما السلاح فلن نتركه، فهو شرفنا وعزنا وكرامتنا، ومهما تكن الظروف والمعطيات لن نترك السلاح الذي أثبت فاعليته في طرد المحتلّ عن ديارنا ومواجهة مختلف أنواع التطرف والإرهاب، وسيبقى اتصالنا بالعدو هو اتصال الحديد بالحديد والنار بالنار، وهو الكفيل باسترجاع حقوقنا المسلوبة وإحقاق الحق في وجه الباطل.
ألف تحية للقائد الرئيس بشار الأسد ولشعبه الأبي، ولجيشه المغوار الذي يسطّر أعظم الملاحم البطولية في تاريخ أمتنا، وألف تحية لقائد التحرير السيد حسن نصرالله، وألف تحية لجميع المقاومين الشرفاء على ساحات النضال القومي كافة. وألف تحية للحزب السوري القومي الاجتماعي، فستبقى فلسطين قضيتنا، وسيظلّ هتافنا مدوياً: لتحي سورية وليحي سعاده.