هكذا هجّر أردوغان السوريين إلى ألمانيا
ناصر قنديل
– يقول مسؤول أمني أوروبي، لم ينقطع عن زيارة سورية طوال سني الأزمة، إنّ قضية اللاجئين السوريين بقدر ما هي فضيحة أخلاقية خليجية ومسؤولية إنسانية أوروبية، هي قضية سياسية أمنية يخطئ من تضيع عليه البوصلة في فهمها كصندوق بريد لرسائل اختار الرئيس التركي رجب أردوغان استخدامه بقسوة للضغط على ألمانيا، بوصفها القوة الأولى الصانعة للسياسات في أوروبا والشريك التقليدي اقتصادياً وعسكرياً لتركيا، تحسّباً لتحوّلات نوعية في المقاربة الألمانية نحو ما يجري في سورية تغيّر المعادلات وتصيب السياسات التركية في الصميم.
– تبدأ الحكاية مع المسؤول الأمني من الدعوة للنظر في خريطة خط سير القطارات الأوروبية والتمعّن في أن إطلاق سيل اللاجئين السوريين من تركيا سيعني بصورة تلقائية بلوغ النسبة الغالبة منهم إلى ألمانيا، ثم التساؤل، كيف أن لبنان وتركيا مع فوارق الأحجام والإمكانات والفارق في ادّعاء الدور تجاه سورية والسوريين، هما بلدان يقعان على البحر الأبيض المتوسط قبالة أوروبا، ويستوعبان نفس العدد تقريباً من اللاجئين السوريين، وبينما تشكل نسبة محاولات الذهاب بحراً إلى أوروبا من لبنان قياساً بشبيهاتها من تركيا واحد إلى خمسة وعشرين أو أربعة في المئة، فإنّ المنطق يقول بحجم ما تورّطت به تركيا في سورية وحجم تداخلها مع المعارضة السورية وحجمها الجغرافي والاقتصادي، يفترض أن تستوعب تركيا عشرة أضعاف ما يستوعب لبنان على الأقلّ، وأن تكون نسبة المغامرة بحراً نحو أوروبا من لبنان عشرة أضعاف شبيهاتها من تركيا وليس العكس.
– يستدلّ المسؤول الأمني الأوروبي على الدور التركي المباشر في اختلاق أزمة النازحين من خلال، التصعيد الأمني المتواتر في مناطق الكثافة السكانية شمال سورية بما فيها الغارات على «داعش» والحرب على المجموعات الكردية، من دون أن يكون وراء هذا التصعيد أيّ تغيير في التوازنات العسكرية، فاحتلال «جبهة النصرة» لإدلب وجسر الشغور ومعارك مارع بين «النصرة» و«داعش» والقصف الوحشي لأحياء حلب وآخرها الحمدانية أمس، لم تنتج سوى ربع مليون مهجر على الحدود التركية السورية تواكبهم دوريات أمنية حتى الحدود مع اليونان شكلوا الموجات الأساسية للمهاجرين السوريين نحو أوروبا. وبالتزامن مع مشروع تركي عرض على أوروبا وحكوماتها بلغة لم تكن تخلو من التهديد تحت بند شرح المخاطر والأسباب الموجبة، يعرض بلغة مبطنة المقايضة بين دعم تركيا لإقامة المنطقة العازلة والحظر الجوي وبين التهديد برمي سيل اللاجئين في قلب العواصم الأوروبية بصفتها نتائج الفشل في إقامة المنطقة العازلة ومترتباته.
– في مطلع شهر آب عندما أقفلت الطرق في وجه الرئيس التركي لتشكيل حزبه لحكومة جديدة واضطراره للدعوة إلى انتخابات مبكرة، يعرف استحالة الفوز فيها من دون حدوث تغيير جوهري في الخريطة السياسية التركية، تحرك نحو هدفين، الأول تلبية الدعوات الأميركية للانضمام إلى التحالف للحرب على «داعش» مقابل السعي للحصول على ضوء أخضر لسحق الأكراد وحزبهم السياسي وجناحهم العسكري لحرمانهم من اكتساب التمثيل البرلماني الذي أفقد أردوغان وحزبه الغالبية، وكانت ألمانيا التي تشكل أهمّ خزان ديمغرافي كردي في المهجر خارج الشرق الأوسط، القوة المعطلة لهذا المسعى التركي، وكان الهدف الثاني تحقيق إنجاز سياسي خارجي مبهر للداخل التركي ولا مجال للتوقع والرهان في غير سورية، فكانت العودة السريعة إلى نظرية المنطقة العازلة ومنطقة الحظر الجوي، والهدف هو سيطرة تركية على جزء هامّ من الجغرافيا السورية بقوة الدعم الغربي، وبواسطة صواريخ الباتريوت المنصوبة على الحدود التركية مع سورية، والتي تعود لكلّ من أميركا وألمانيا. وفي صلب المشروع الذي شرحه أردوغان ما يتيحه من فرصة لاستيعاب مليون ونصف مليون لاجئ، ستكون وجهتهم ألمانيا إذا لم يتمّ دعم تركيا لإنشاء هذه المنطقة.
– خلال شهر كامل دارت مفاوضات تركية أميركية ألمانية، انتهت بتثبيت الكلمة الفصل لألمانيا، لا للمنطقة العازلة ولا للحظر الجويّ، لأنّ في الأمر مخاطرة بحرب شاملة كما تقول التقارير الألمانية عن كيفية تفاعل إيران وروسيا مع القرار في حال اتخاذه، وفي المقابل لن يكون لهذه المنطقة أيّ مردود أو تأثير لتسريع الحلّ العسكري وزعزعة سيطرة الجيش السوري وبقاء الدولة السورية وهياكلها القوية في مناطق المركز من جهة، ولا تسريعاً للحلّ السياسي يسمح باعتمادها خياراً من جهة مقابلة. وكانت التقارير التركية تتهم ألمانيا بالتمهيد لاعتماد نهج يقوم على الانخراط مع الدولة السورية ورئيسها، كطريق للحلّ السياسي وأنها تتداول بذلك مع شركائها الروس والإيرانيين. ولم ينف الألمان ذلك بل قاموا بشرح أسبابهم الموجبة، ومنها أنّ المداخلة التركية تتحمّل مسؤولية تنامي الإرهاب، ومع هذا الارتفاع في سقوف التخاطب، تحوّلت المفاوضات إلى حلبة مواجهة قرّرت ألمانيا خلالها، الإعلان عن قرارها بسحب صواريخ الباتريوت من تركيا نهاية تشرين الأول المقبل وتبعتها أميركا. والموعد هو عشية الانتخابات التركية في رسالة قاسية لأردوغان، ومشجعة للأكراد الذين تقوم غرفة عملياتهم الانتخابية في ألمانيا.
– يدعو المسؤول الأوروبي إلى متابعة روزنامة فوران بركان اللاجئين، وما رافقه في السياسة، ويتساءل ألسنا أمام طوفان ناتج من انفلات عنفات سد كبير وعملاق ومن حقنا أن نتساءل عن الذي قام بفتح العنفات ليقع هذا الطوفان، ومعلوم وجهة الماء عندما تتدفق بهذه القوة وأين ستستقرّ. ويضيف: أراد أردوغان أن يغرق ألمانيا بسيل من اللاجئين رداً على إفشال المنطقة العازلة وخطة ضرب الأكراد، وقبلت ألمانيا التحدّي بابتسامة وردّت التحية بمثلها تباعاً بقيام دولة كالنمسا قريبة منها في السياسة الخارجية بمشاركة إسبانيا في الإعلان عن الدعوة إلى الحوار مع الرئيس السوري ضماناً لاستقرار سورية وأوروبا معاً. ثم بادرت الخارجية الألمانية إلى الإعلان عن قناعة ألمانيا بأنّ الحلّ السياسي ومرحلته الانتقالية يستدعيان الشراكة مع الرئيس السوري، ويرى المسؤول الأمني الأوروبي أنّ تصاعداً أمنياً ستشهده مناطق الشمال السوري وربما أطراف ريف دمشق حيث للأتراك نفوذ، حتى نهاية تشرين الأول المقبل، لا هدف له سوى قذف عشرات ومئات آلاف اللاجئين إلى أوروبا عموماً وألمانيا خصوصاً.
– المسؤول الأمني الأوروبي الذي يزور بيروت في كلّ زياراته إلى سورية يتحدّث بعين القلق عن مخيمات النازحين السوريين وتجمّعاتهم في لبنان، خشية أن تنشط فيها مافيات التهريب المموّلة من قطر لحساب تركيا، أو أن تشهد أحداثاً لدفع اللاجئين السوريين إلى المغادرة، لأنّ خزان التهجير شمال سورية يكاد ينفذ والخزان اللبناني هو الأشدّ امتلاء وإغراء ليكون في متناول اليد بسرعة.