السيف الداعشي… والمقبض الأميركي
جمال رابعة
المتابع والمدقق والمواكب لنشأة داعش يستخلص نتيجة في غاية الأهمية هي أنّ مجمل هذه المخرجات والموبقات الداعشية لم تكن من فراغ، وما يحمله الفكر الداعشي من تعصّبٍ وتكفيرٍ وإقصاءٍ وإلغاءٍ للآخر منبعه الأساس الوهابية السعودية.
في نظرة معمّقة إلى الشراكة الاستراتيجية الأميركية – الخليجية فإنّ كلّ ملتبس يستطيع الإجابة على أسئلة كثيرة تغزو خاطر المتسائل والمتتبّع للأحداث التي تدور رحاها في جغرافيا محدّدة دفعت أثماناً باهظة ولا تزال من دماء شعبها وقوتها واستقرارها وأمنها، وتركت وراءها شروخاً اجتماعية وتنموية يطول زمن إصلاحها وترميم بثورها الطافية على السطح، كالجدري الذي يضرب الجسد.
إن استطلع أحد دعوة صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية لتشاركز ويلسون مؤسس تنظيم «القاعدة» لأن يرقد في قبره بسلام، لأنّ من تولى بعده هذه المهمة مايكل فيكرز وهو القائد الفعلي والحقيقي لتنظيم «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى كافة التي تجتاح العالم العربي والإسلامي، يستطيع أن يحلّ كلّ العقد التي تتوارد إلى الذهن في ما يتعلق بحيثيات وجوهر وفكرة تأسيس «القاعدة» ولواحقها التي انبثقت منها، لم تختلف عن الأب الروحي لها سوى بالاسم فقط.
المهمة الرئيسة التي تصدّر لها مايكل فيكرز هذا هي إدارة كل حروب أميركا بالوكالة، وبالطبع لتنفيذ الخطط والاستراتيجيات الأميركية بجميع مراحلها وسيناريواتها وبمختلف روادها وأبطالها من منطقة إلى أخرى بحسب التسمية الشائعة حروب الجيل الرابع ، وكلّ ذلك تطبيقاً لأفكار ونهج بريجنسكي المعلم الأول لفيكرز، التي تتلخص فيها الفكرة الأساسية بتقسيم دور «القاعدة» إلى فصيلين هما «داعش» و«النصرة»، يكون الجامع بينهما العقيدة الوهابية ذاتها، أهمّ استراتيجياتها ولبنتها الأساسية هي القيام بحروب بالإنابة بكلف طفيفة وبأقلّ الأثمان.
تشير الإحصاءات إلى أنّ الجندي الأميركي يكلف 6000 دولار، في حين يكلف الذي يتمّ تجنيده من قطعان التكفير من «النصرة» و«داعش» وغيرها 300 دولار، كما أنه وبحسب «واشنطن بوست»، وتحديداً في29 أيلول من عام 2010 وقبل اندلاع ما سُمّي بـ«الربيع العربي»، فإنّ أوباما عيّن فيكرز مساعداً لوزير الدفاع الأميركي، وهو في الحقيقة بحسب الصحيفة قام بصناعة تلك الشخصية التي أصبحت الشغل الشاغل للعالم ومحط الأضواء ابراهيم البدري السامرائي الملقب بأبي بكر البغدادي، بعد إدخاله السجن ليخرج منه قائداً عاماً لجيش أميركي بديل اسمه «داعش»، وهنا يمكن فهم الانخراط الخليجي كعامل أساسي في تحقيق ما يصبو إليه الأميركي في استراتيجية حروبه بالوكالة في المنطقة، بهذا الاندفاع سارع أمراء ومشيخات النفط لتخريج دفعات كبيرة جداً من الخارجين عن القانون والمجرمين من سجونها وإلحاقهم في صفوف «داعش» لإذكاء العامل البشري في تلك التنظيمات وتالياً تقوية ودعم الإرهاب ومدّه بكلّ مقومات الحياة والتغلغل والبقاء.
أستطيع القول في الختام إنّ «داعش» و«النصرة» والتنظيمات التكفيرية كافة ليست مجموعات متمرّدة أو ثائرة كما أسماها مشغلوها في سورية والعراق والمناطق كافة التي يضربها هذا الوباء، جاءت لنصرة الشعوب أو حتى إعلان ما يُسمّى داعشياً «خلافة إسلامية»، إنما هي في الحقيقة حركة سياسية عابرة للحدود وليست دينية، لكنها تستخدم النهج والفكر واللغة الدينية من أجل جذب واستقطاب الأتباع والمناصرين والمؤيدين وتبرير جميع أعمالهم الشنيعة والغرائزية كفتاوى جهاد النكاح وغيرها من الأمور التي لا تمتّ إلى الدين الحنيف بصلة، بالتوازي مع منظومة إعلامية ضخمة تروّج لفكر هذا الإرهاب وتغزو عقول المتابعين، وحيث تتوفر الحاضنة الشاذة والمريضة التي سرعان ما تتأثر بتلك السموم وتنساق إلى الحشود التكفيرية، وكلّ ذلك وصولاً إلى الأهداف غير المعلنة، ومن المؤكد أنها أهدافٌ سياسية بامتياز تشكل فيها تلك التنظيمات في الواقع مسرحاً سياسياً مصمّماً ومبنياً على أساس الوصول إلى نتيجة سياسية سقف استهدافاتها هو تقطيع أوصال المشروع القومي العربي والمشروع الإسلامي النهضوي بالسيف الداعشي الذي يدير قبضته الشيطان الأميركي للوصول إلى مبتغاه، وأخفض ذلك السقف ترحيل القضية الفلسطينية إلى أجل غير مسمّى، وهذا ما يحدث بحذافيره.
عضو مجلس الشعب السوري