فارسٌ جَمَحَ ولم يترجّلْ
حسان حماده
يودّع اليوم القوميون الاجتماعيون علماً من أعلام النهضة السورية القومية الاجتماعية وركناً من أركانها وفارساً مقداماً من فرسانها. آمن بزعامة أنطون سعاده فكراً ونهجاً واعتنق مبادئه قولاً وفعلاً، ناذراً وجوده لتحقيق غاياتها. إنه الأمين حسن دندش… إبن البيت الكريم المتحدّر من عشيرة آل دندش، الذي عمل على محاربة المضامين السلبية للعشائرية وتحويل حميّتها الى ما ينتج في المجتمع استقراراً وازدهاراً وفضيلة، فقد شكل مع أخيه المرحوم أبو غسان مشهور ورفقائهما سداً منيعاً في وجه عوامل التخلف والجهل وتفتيت المجتمع والإقطاع السياسي، هو الذي شهد للحق وما تراجع عن مواقفه خائضاً غمار معارك النهضة التي تركت ندوبها على جسده وأرّختْ لسجلّ بطولاته في الشجاعة ووقفات العز، هو الذي هزئ بجراحه وقهر ما خلّفته من إعاقة في قدَمه بنفْس كبيرة ترتفع فوق الإعاقة والجراح لأنها جراح عزيز لا جراح ذليل. فما شعر أحد من حوله بضعف أو وهن اعتراه بل كان نابضاً بالعز والقوة، شاحذاً الهمم مستنهضاً العزائم لتحقيق المطلب الأسمى، هو الذي حمل راية الحرية زوبعةً خفاقة ومشعلاً للحق والخير والجمال، مبشراً بنهوض الأمة، هو الذي تعلّم في مدرسة الحياة فقدّم لنا الأمثولة في كيفية قهر الجهل بنور العلم فراح يناقش أصحاب الشهادات العليا بأدلته الدامغة وحججه البالغة فيشهدون له بصوابية الرؤية ودقتها وقوة المنطق ورجاحة العقل والحكمة في مختلف الميادين الفكرية، الاجتماعية، السياسية والثقافية. هو الذي ما تخلف يوماً عن تلبية نداء الواجب متى دعاه فتحمّل المسؤوليات الجسام في موكب النهضة وفي متحده الاجتماعي مضحياً بالغالي والنفيس. وما زال رفقاؤه والمواطنون يذكرون صولاته وجولاته وجهوده وتضحياته… هو الذي لم تَعْنِ له الرتب والألقاب شيئاً ولم تزد في رصيدة حبة خردل. وأنا أذكر فيما أذكر حين تقدّم أحد الرفقاء باقتراح إعادة رتبة الأمانة له العام 1996 إذْ حمل الرتبة من قبل وكان منفذاً عاماً لمنطقة البقاع الشمالي لدى مناقشة الاقتراح، فإذا به رغم إجماعنا في هيئة المنفذية على تزكيته، يرفض الاقتراح ويطلب من ناموس المنفذية كتابة مطالعة على الاقتراح لإرساله الى مركز الحزب هي أشبه بالطعن. ولدى احتدام النقاش قال لنا إنّ بإمكاننا تسجيل تحفظاتنا بشكل رسمي في المحضر مصرّاً على رفض الاقتراح.
لقد أنشأ الفقيد عائلة قومية بكلّ ما في الكلمة من معنى متخذاً من مبادئ سعاده إيماناً له ولعائلته وشعاراً لبيته عاكفاً على التربية القومية الاجتماعية بالقدوة والقول والفعل والممارسة، فراح أولاده يشتركون في مخيمات الأشبال والطلبة وكانت بناته يتنافسن في ما بينهن من تكون منهن رائداً لدورة الأشبال، هو الذي ترك بصمات لن تمحى في ميادين النهضة والعمل المقاوم، وهذا جانب غير معروف من شخصيته للكثيرين. يعزّ علينا النعي ولا تجد الكلمات المتدافعة من الذاكرة والوجدان سبيلها الى القلم…
الأمين حسن دندش فارسٌ لم يترجّل، بل جمحَ به حصانه نحو آفاق الخلود.