في أسباب التحوّل الفرنسي الحقيقية
عامر نعيم الياس
تغيّر الموقف الأوروبي من الحرب على تنظيم «داعش» في سورية. فمن سياسة فرنسية تقوم على مقولة «لا لداعش، لا للأسد»، وبريطانية كانت تصبّ في السياق ذاته، إلى انخراط كامل للحكومتين الفرنسية والبريطانية في صراع مع برلمانيي الدولتين لإقرار توسيع التدخل العسكري الأوروبي من الحرب على «داعش» في العراق إلى الحرب على سورية، وإن كان من المتوقّع ألا يواجه القرار معارضةً من الجمعية الوطنية الفرنسية، على عكس مجلس العموم البريطاني.
وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان استفاض في كلمته منذ يومين أمام نواب بلاده في شرح أسباب التراجع الفرنسي الحكومي عن معادلة «لا ـ لا» محاولاً التغطية على التراجع عن خطوطٍ حمراء رسمتها الحكومة الاشتراكية في الملف السوري. فما يجري من تطورات في المنطقة متجلية وفق وزير دفاع هولاند «بتمدّد داعش في مارع» والذي يهدّد «وجود حلفاء الغرب في سورية» وسيطرة «داعش» على مدينة تدمر واقترابه من حمص، وبالتالي وجوده على مقربة أيضاً من «لبنان». فضلاً عن التهديد بعمليات من الجهاديين العائدين إلى فرنسا والذين دُرّبوا على يد «داعش». هذه الأمور دفعت باريس إلى اتخاذ قرارٍ بالانخراط في تحالف أوباما، في وقتٍ يبحث مثقفو السلطة وإعلاميوها في باريس عن استراتيجية تقوم على الجمع بين «محاربة داعش وتنحية الأسد»، وهو ما يبدو نكتة سمجة في ضوء التطورات الأخيرة والأحداث التي تشكّل وحدها الدافع الحقيقي وراء ما يمكن تسميته التقدم الفرنسي من الصفوف الخلفية في اللحظة الأخيرة والتي تتجلى بالتالي:
ـ إمكانية أن يكون «داعش» عدواً مشتركاً بين المحور الأميركي الغربي وكلٍّ من روسيا وإيران، في ضوء المبادرات الدولية المطروحة والتي تدور جميعها حول أولوية الحرب على «داعش».
ـ الاتفاق النووي مع إيران والذي يعترف بالأخيرة قوةً إقليمية لها مصالحها في الإقليم، ومقبولة دولياً في إدارة عاقلة ومشتركة للملفات الساخنة في المنطقة، وفي مقدّمها الحرب على «داعش».
ـ دخول روسيا المباشر على خط الأحداث الميدانية في سورية، ورسم الخطوط العريضة للاستراتيجية الروسية الهجومية في سورية بعد أربع سنوات ونصف السنة من اعتماد موسكو على استراتيجية دفاعية بحتة سياسياً وميدانياً.
ـ اللا فعل الأميركي على الأرض في سورية في ما يخصّ مستقبل تطوير استراتيجية التدخل العسكري المباشر في سورية، لتنتقل من الاعتماد على الوكلاء، إلى التدخل العسكري الغربي المباشر في الأراضي السورية.
ـ الضغط الذي أضحى يشكّله ملف اللاجئين السوريين على الكيان الأوروبي الجامع بدايةً من الاتفاقيات الناظمة للعلاقات بين دول الاتحاد كاتفاقية شنغن، وليس انتهاءً بالأسئلة التي تطرح حول الهوية الأوروبية والأخطار التي تتهدد كيان القارة العجوز، على خلفية التدفق عير المسبوق للاجئين إلى القارة التي تعاني من ركودٍ اقتصادي باستثناء ألمانيا.
حتى اللحظة، ما زالت استراتيجية الإليزيه في الحرب على سورية غير واضحة ولا تملك أهدافاً محددة. والمؤكد أن ذلك مردّه إلى الموقف الأميركي. لكن المحاولات الفرنسية لجهة الإيحاء بوجود أجندة خاصة بفرنسا في سورية، أو لجهة الدفع لخلق استراتيجية تتجاوز الأسد، لا تعدو عن كونها ترّهات للتغطية عن التحوّل الفرنسي المتأخر من الحرب في سورية.
كاتب ومترجم سوري