تقرير
نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية مقالاً للكاتبة آنّا بورشكفسكايا جاء فيه: قدّمت موسكو كلّ الدعم للأسد منذ بداية الأزمة السورية في آذار 2011، فزوّدت النظام بالأسلحة والمستشارين، ووفرّت له القروض وأمّنت له التغطية السياسية في مجلس الأمن الدولي، لكن من الواضح أنّ التدخل الروسي في هذه الحرب سيشهد تغييرات كثيرة.
وهنا يطرح السؤال عن السبب نفسه، أمّا الإجابات عليه، فتتراوح بين الاستراتيجية البحرية مروراً بالدبلوماسية الدولية، وصولاً إلى السياسة الداخلية الروسية.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، طرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فكرة إقامة «ائتلاف موسع» لمحاربة تنظيم «داعش»، التي ساهم الاتفاق النووي الإيراني في جعلها ممكنة، وفقاً لما أفاده مسؤولون روسيون رفيعو المستوى.
ورأت المجلة أن بقاء الأسد في سدة الحكم أساسي في خطة بوتين، فمن المتوقع أن يركّز في كلمته أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة، في وقت لاحق من هذا الشهر على ذلك.
وأضافت أنّ نجاح بوتين في إقناع العالم بأن روسيا ضرورية في القتال ضد «داعش»، قد يساعد في وضع حدّ للعزلة الدولية التي تعيشها روسيا منذ أن ألحقت القرم بها من جهة، وعلى إعطاء بوتين شرعية من جهة أخرى وذلك عبر إعادة تسليط انتباه العالم على ما يصفه بأنه معركة مشتركة ضد عدو أكبر، وأهم من الخلافات القائمة مع الغرب في شأن أوكرانيا.
وقد ينجح الرئيس الروسي في تحقيق مراده، إذ أمِل نظيره الفرنسي، فرانسوا هولاند في وقت مبكر من هذا الشهر برفع العقوبات عن روسيا، تزامناً من إعلانه عن استعدادات بلاده القيام بضربات جوية ضدّ تنظيم «داعش» في سورية.
وفي ظل معاناة بعض الدول الغربية من الأعباء الاقتصادية الناتجة عن فرض عقوبات على روسيا، يستعدّ بوتين للاستفادة من هذا الواقع، عبر عرض شراكة مناسبة كمقدّمة لاستئناف الأعمال مع الذين تخطوا أحداث القرم قبل سنة.
وبحسب «فورين بوليسي»، بدأ الأسد يفقد شعبيته في سورية في الأشهر الأخيرة، وهو يحتاج إلى الدعم بشل ملحّ. ولفتت إلى تعدد المصالح الروسية في سورية، فمنها الاستراتيجي والثقافي والاقتصادي، وإلى كون نظام الأسد الحليف الأقرب إلى موسكو في العالم العربي، على مدى أكثر من أربعين سنة، لأن موسكو كانت مفتاح نفوذ الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط.
وأضافت أنه في خلال الحرب الباردة، انتقل عشرات آلاف الروس إلى سورية، فيما درست النخبة السورية في المدارس الروسية المرموقة، مشيرة إلى أنّ الزواج بين أبناء البلدين شائع، كما أن موسكو كانت المزود الرئيس لسورية بالأسلحة قبل آذار 2011.
وذكرت أن الشركات الروسية تستثمر على الأراضي السورية 20 مليار دولار تقريباً، لذا فإن التخلي عن الأسد يعني التخلي عن هذه الاستثمارات، مضيفة أنه يصعب وصول حكومة سورية تتمتع بعلاقات جيدة إلى هذا الحد مع روسيا.
واعتبرت المجلة أنّ بعض الأسباب الاستراتيجية تلزم موسكو دعم الأسد الآن أيضاً، إذ إنّ سورية هي أهم موطئ قدم لها في المنطقة، فتحدّ البحر الأبيض المتوسط و«إسرائيل» ولبنان وتركيا والأردن والعراق.
ولفتت إلى أن بوتين جعل من توسيع القوة البحرية الروسية ركناً أساسياً في رئاسته الثالثة، لذا سيعني سقوط الأسد خسارة روسيا لقاعدتها العسكرية الوحيدة خارج فضاء الاتحاد السوفياتي السابق، وهي عبارة عن مركز إمداد بحري في ميناء طرطوس، وسيعزز بقاؤها من قوة موسكو في البحر المتوسط.
وشدّدت «فورين بوليسي» على أن الأهم، أن دعم الأسد أساسي في خطط بوتين الهادفة إلى إعادة روسيا قوة عظمى في وجه الغرب، وهذا بمثابة الانتقام من البيت الأبيض.
وقد يدعي الرئيس الروسي محاربة الإرهاب عبر دعم الأسد، إلا أنّ ذلك يزيد قوته وشعبيته داخلياً، وهو انتهج المقاربة عينها في أوكرانيا وفي أجزاء من الاتحاد السوفياتي السابق، عندما زعم أنه بحاجة إلى حماية الأقليات الروسية.
وأكّدت أنّ هذه الطريقة عادت بنتائج على المدى القريب على الأقل، فبعد إلحاق القرم في آذار 2014، ارتفعت نسبة تأييد بوتين من أدنى مستوياتها لتصل إلى أكثر من 80 في المئة.
علماً أنّ هذه ليست المرة الأولى التي يستفيد فيها بوتين من خياره خوض حرب، فمزاعم محاربة الإرهاب ساعدته في الوصول إلى السلطة عام 2000، بعد سلسلة من التفجيرات في أيلول 1999 في موسكو وعدة مدن روسية، حين اتهم الإرهابييين الإسلاميين من الشيشان بها فوراً.
لكن على المدى البعيد، قد تخيب سياسات بوتين، لذا قد ترغب موسكو في تدخل محدود غير أنها قد تنجر إلى حرب حقيقية، وهي غير قادرة على القتال في أوكرانيا وسورية وذلك فيما تحافظ على قواتها في فضاء الاتحاد السوفياتي السابق كما تفعل الآن.
وأشارت المجلة إلى أنّ بعض المحللين الروس اعتبروا أنّ بوتين يخاطر في سورية بارتكابه أخطاء الاتحاد السوفياتي عينها كما حدث في ثمانينات القرن الماضي، وهو ما أدّى إلى تفككه.
وختمت بالقول إنّه سرعان ما سيلقي الوضع الاقتصادي السيئ، وانخفاض عدد السكان، والإنفاق الدفاعي غير المستدام، إضافة إلى مشاكل أخرى بثقلها على روسيا. لكن يبدو أن هذه الظروف تزيد من عدائية بوتين، والحقيقة أنه كلما ضعفت روسيا، زاد خطرها.