تركيا والسعودية معزولتان
حميدي العبدالله
معروف أنّ تركيا والسعودية لعبتا الدور الأكبر، في تعطيل الوصول إلى حلّ سياسي عادل يحترم إرادة الشعب السوري ويلبّي تطلعاته، وينهي الحرب الدائرة منذ حوالي خمس سنوات.
ومعروف أيضاً أنّ السعودية موّلت وسهّلت انتقال العناصر المتشدّدة للقتال في سورية ضدّ الجيش السوري، وأنّ تركيا فتحت حدودها وأقامت المعسكرات لكلّ الجماعات الإرهابية وقدّمت لها كلّ أشكال الدعم، بما في ذلك توفير كميات هائلة من الأسلحة والذخائر وصلت إلى حدّ أنّ هجمات الجماعات المسلحة على جبهتي إدلب وحلب توفرت لها كثافة نارية فاقت الكثافة النارية المتوفرة للجيش السوري على الجبهتين. ومعروف أخيراً أنّ تركيا والمملكة العربية السعودية بذلتا كلّ جهد مستطاع، ومارستا كلّ الضغوط على الإدارة الأميركية لدفعها لشنّ هجوم عسكري مباشر جوي وحتى بري لإسقاط الدولة السورية، وتدمير الجيش السوري.
وأدّت هذه المواقف المتصلبة من قبل هاتين الدولتين إلى نتيجتين كان لهما أثر كبير على الأوضاع في سورية:
ـ النتيجة الأولى، عرقلة الوصول إلى حلّ ينهي الكارثة التي تعاني منها سورية، ووقف حرب الاستنـزاف التي تتعرّض لها، وإطالة أمد هذه الحرب.
ـ النتيجة الثانية، تسليح وتجهيز وتدريب آلاف المقاتلين الأجانب الذي ساعد على بناء قوة مسلحة قادرة على مواصلة حرب تدمير سورية على النحو الذي يجري الآن.
اليوم، وبعد التحوّل في الموقف الأوروبي، والذي سبقه تحوّل في مواقف مصر وتونس، باتت تركيا والسعودية محاصرتين عربياً ودولياً، وموقفهما شاذ بالمقارنة مع الموقف العربي والدولي الذي يدعو إلى حلّ سياسي للأزمة في سورية يوقف حرب الاستنزاف وينهي الكارثة التي تسبّبت بتشريد الملايين وتدمير الاقتصاد السوري، إضافة إلى آلاف الشهداء والجرحى والمعوقين.
هذا الاستنتاج بعزلة تركيا والسعودية ليس من نسج خيال الذين وقفوا إلى جانب سورية الشعب والجيش والقيادة، بل هذا الاستنتاج صاغته «مؤسسة كارنغي للسلام الدولي» الأميركية، وهي مؤسسة بحثية معروفة ولها تأثير كبير على صانعي القرار في الولايات المتحدة. ففي أحدث دراسة عن الوضع في سورية حملت عنوان «ماذا بعد صيف سورية الساخن» استخلص معدّ الدراسة مارك بيريني أنّ «استمرار تركيا والسعودية بالإصرار على رحيل الرئيس الأسد عن السلطة موقفاً معزولاً». وفعلاً ثمة كثير من الوقائع التي حدثت مؤخراً تؤكد هذا الاستنتاج، فعدد غير قليل من الدول العربية، بينها مصر وسلطنة عُمان وتونس، إضافة إلى الجزائر، وحتى الكويت باتت تؤيد وتدعم الحلّ السياسي في سورية. ودولٌ مركزية في أوروبا مثل بريطانيا واسبانيا وألمانيا، أعلنت مواقف ترفض فيها أطروحة استمرار الحرب في سورية بذريعة رحيل الرئيس بشار الأسد. بل أكثر من ذلك أنّ مؤسسة كارنغي تتوقع أن يتغيّر الموقف التركي السعودي ويتكيّف مع المناخ العام العربي والدولي آجلاً أو عاجلاً. إذ يؤكد الباحث: «قد تستمرّ تركيا والسعودية في لعب أدوارهما، ولكنهما سوف تقومان في النهاية بتغيير طموحاتهما بحيث تتوافق مع الوضع الجديد».