«داعش» والحمقى… أربع هزائم كبرى والخير في ما وقع!
محمد صادق الحسيني
لن تكون المعركة التي يحلم بها أسيادهم ومشغّلوهم، ولن تتحقق طموحاتهم بالزحف على بغداد، فضلاً عن استحالة تحقق كوابيسهم السادية بالوصول الى كربلاء والنجف على ما يبشر ويتوعّد أبو محمد العدناني في تسجيله الصوتي تحت عنوان «الى نوري المالكي».
لن يكونوا النسخة الحديثة والمعدلة للزحف الوهابي المشهور في نهاية القرن الثامن عشر على الأماكن المقدسة، مثلما حلموا به قبل بدء الهجوم على الموصل باتجاه الوسط والحدود العراقية مع سورية الحبيبة.
لن يكون لهم المزيد من آبار النفط لترتفع عائداتهم من الذهب الأسود من مئة مليون دولار شهرياً الى أكثر من مئتين مثلما وعدهم محرّضوهم والمتواطئون معهم من كرد عراقيين وسلاجقة أتراك ووهابيين سعوديين.
لن يعيدوا كرة النار والمقابر الجماعية الى العراق، كما همس لهم البعض من البائسين واليائسين من تجار الدين والسياسة ممّن اعتادوا أكل الحرام على موائد اللئام في بعض عواصم البترودولار، أو تلك المشغلة كمركز خفر حدود لدويلة الكيان الصهيوني!
بل ستكون مقبرتهم التاريخية عندما سيتحوّلون خلال الأيام المقبلة الى نفايات «قاعدية» بسبب غلطتهم الاستراتيجية وخروجهم الشهواني من جحورهم، إمّا لسوء تقدير للموقف العام ونفاد صبرهم، أو لفخ أو شرك مشترك حضّر لهم في ليل وهم لا يشعرون.
إنهم أوهن وأضعف وأعجز من أن يوقفوا صعود جبهة المقاومة وتقدمها لاحتلال الموقع اللائق بها في المعادلتين الإقليمية والدولية.
مع ذلك، يتساءل البعض: لماذا إذن قرّروا هذا الهجوم الواسع النطاق ونقل المعركة الى ساحة العراق تحديداً؟
الجواب ببساطة: أربع هزائم كبرى في الإقليم لم تبق لهم غير التسليم والإذعان أو الانتحار الجماعي، وكلاهما مرّ.
الهزيمة الأولى: خسارة أفغانستان بعدما بات مؤكداً صعود المرشح عبد الله عبد الله ونهاية مرحلة طالبان وإنْ بالتدريج.
الهزيمة الثانية: خسارة العراق في انتخابات مجالس محافظات عرّتهم وجعلتهم يتسوّلون الدعم والإسناد الإقليمي لوقف زحف بغداد الجديدة على ما تبقى من أنبارهم والفلوجة…
الهزيمة الثالثة: خسارة موقع مصر العروبة والإسلام مصر الأزهر والاعتدال، وإنْ كانت الضربة مشتركة لهم وللإسلام السياسي «التقليديّ» السنّي…
الهزيمة الرابعة: وهي هزيمتهم المدوّية والقاصمة للظهر في انتخابات الرئاسة السورية، التي أفقدتهم صوابهم وجعلتهم مضطرين إلى تجرّع كأس السمّ غداة الثالث من حزيران الماضي، مثلما فعل سيدهم أوباما في ليلة الثالث من أيلول من العام المنصرم.
ومع ذلك… الخير في ما وقع…
هل تتذكرون هذا القول لمن ومتى قيل؟
إنه الكلام المعبّر والنافذ للراحل العظيم الإمام روح الله الموسوي الخميني عندما شنّ صدام حربه الدولية الشريرة على إيران عام 1981.
يومذاك تصوّر الكثيرون أنّ ايران ستنتهي في أسابيع وتسلّم دفة السلطة الفتية كلّها بيد أعداء الثورة وتقدم مفاتيح العاصمة طهران إلى الفاتح صدام!
يومذاك كان لدينا سفير سوري ثاقب النظر وعالي الهمة ومخضرم ومحترف حرب وسياسة، وهو من أبطال حرب تشرين… إنه الجنرال ابراهيم يونس الذي قال في ذلك اليوم كلمته المشهورة: إنكم ليس فقط ستربحون الحرب على صدام بل إنه سيخرج ذليلاً من بلادكم عبر الدول العظمى، فيما ستتحوّلون الى دولة عظمى بفضل حماقته وشدّ العصب الديني والوطني لديكم!
هكذا سيؤول أمر العراق اليوم، بعد حماقة «داعش» ومشغّليها وأسيادها الكبار والصغار…
سيكون هناك عراق جديد تماماً لا أثر فيه لا لدستور بريمر ولا لحكومة المحاصصة من أيام مجالس الحكم ولا لوجوه بطانات الاحتلال الكالحة.
بلى، لن يحصل ذلك كلّه بين يوم وليلة، ولا بفرمان رئاسي أو حكومي. لكنّه لا بدّ حاصل ولو بعد صعود وهبوط وشقّ أنفس، لكنه قطعاً حاصل.
بلى…
ربّ ضارة نافعة اليوم أيضاً…
تماماً مثلما كان الأمر مع طهران… نعم يوم العدوان الصدامي عليها في بداية الثمانينات وهي في بداية رسم حلمها وفتوتها…
وهذا ما قد تحقق اليوم أمام أعيننا وأكثر… تماماً مثلما توقع الإمام الكبير رحمة الله عليه…
إنها رصاصة الرحمة التي أطلقتها «داعش» على نفسها في زمن القتال الانتحاري التراجعي الذي تمارسه اليوم.
والأدلة والبراهين على ما نقول كثيرة أهمّها:
أولاً: لن تسمح إيران بسيطرة «داعش» والحمقى على بلاد الرافدين والمقدسات ولو بلغ ما بلغ… والملايين ستتدفق هذه المرة على العراق وليس أعداداً من المستشارين والمساعدين والمعاونين واللوجستيين كما هي الحال في سورية الحبيبة. والحرب ستطول بلاد الحرمين هذه المرة ولن تقبل إيران بأقلّ من الصلاة جماعة في البقيع مع رموز الوحدة الإسلامية من بلاد الشام ومصر والعراق والحجاز…
ثانياً: «داعش» نفسها لن تتمكن من الإمساك بالأرض والجغرافيا لأنها أضعف وأعجز وأوهن من أن تسيطر أو تفرض سلطة لها على أي مدينة عراقية ناهيك عن أنهم مجموعة قراصنة يتحرّكون كالجراد لأهداف تخريبية ولا مذهب ولا دين ولا عقيدة لهم على الإطلاق.
ثالثاً: مجموع أو إجمالي تداعيات الحدث أو الإنجاز السوري العظيم على الإقليم وسقف العالم لن يسمح بمثل هذا التحوّل الذي يروّج له «الداعشيون».
رابعاً: الداعشيون أنفسهم إنّما وقعوا في مثل هذه الحماقة لأنهم كانوا في حالة حصار في الفلوجة وغيرها، وأرادوا من خلال هذا الاستعراض فك الحصار عن جماعاتهم المنتحرة والمنتهية في غرب العراق.
خامساً: إنهم كرّروا غلطة صدام الاستراتيجية وحماقته في غزو الكويت بعد وصول إشارات هذه المرة للغبي من داخل الإقليم العراقي ومن الجار الشمالي والجار الجنوبي بأنّ الطريق سالكة الى عاصمة الرشيد بسبب استغراق أهل الحكم العراقي في خلافاتهم الداخلية.
لكنّهم وقعوا في شبك شدّ العصب العراقي الوطني.
والغلطة هذه المرة بألف… وسيهزم جمعهم سريعاً…
لكن الأهمّ أنّ عراقاً جديداً ما كان يحلم به أو يتمناه أو يتوقعه الانكليز أو الأميركان أو العثمان أو الغربان أو العربان، سيخلق من جديد… بلى، ومن رحم النهضة السورية هذه المرة.