على هامش انتخاب الرئيس الأسد
الياس عشّي
قبل موعد الانتخابات الرئاسيّة السورية بأيّام توجهت إلى طرطوس ، تحدوني رغبتان :
أولاهما حوار أفتحه ضمن قوسين مع بعض المثقفين السوريين الأحرار الذين ما زالت وقفات العزّ تستهويهم ، والذين ما نزلوا أبداً بأرض النفاق .
وثانيتهما أن أدرس على الأرض الدافع الحقيقي للرغبة العارمة التي أبداها المواطن السوري للمشاركة في هذه الانتخابات.
تواصلت مع فريق من المثقفين اتفقوا منذ أن أطلقت الرصاصة الأولى في اتجاه الحضارة السورية الحارسة لفضيلة التّعدديّة على مواجهة هذا الكمّ الهائل من التضليل الذي مارسه فصيل من الكتّاب أمثال ميشال كيلو وعزمي بشارة وصادق جلال العظم وغيرهم ممّن كانوا ، بشكل أو بآخر ، وراء الدّمار كلّه الذي لحق بسورية .
سألت : وأين تكمن مسؤوليتهم الثقافيّة ؟ ولمَ أخذت المواجهة شكل التحدي ؟ قال واحد : لأنّ هؤلاء الثلاثة ومن لفّ لفّهم، ورغم انتسابهم إلى مدارس فلسفية معاصرة ، أعياهم جان بول سارتر ، وأحرجهم ، وعرّاهم، وهو يواجه الاحتلال النازي لفرنسا بانخراطه في المقاومة ، وفي اكتشافه القيمة الحقيقية للحرية ، فيكتب: «إننا لم نكن البتة أكثر حرية ممّا كنّا أبان احتلال الألمان … لقد وصلنا إلى أعمق معرفة يمكن أن تكون لدى الإنسان عن نفسه، فليس سرّ الإنسان عقدة أوديب ، أو عقدة الدونية ، بل حدود حرّيته وقدرته على مواجهة العذاب والموت «، وأضاف آخر : أين يقف هؤلاء من التجربة السارتريّة ؟ ألا ينطبق ما كتبه سارتر على جميع الشهداء الذين قايضوا الوطن السوري بحياتهم ؟ ثمّ، أليست فلسطين وأقسام من سورية اليوم تحت الاحتلال النازي اليهودي ؟ ألم ترعبهم فكرة العودة إلى العثمنة ؟ ومع ذلك هرب « المثقفون « وطلبوا اللجوء إلى أرض النفاق، واحتلّوا فنادق الخمسة نجوم، متناسين أنّ سارتر وغيفارا ومارتن لوثر كينغ ومانديلا حاربوا الاحتلال والعبودية وهم ينامون في العراء أو في السجون . ليحترموا، على الأقل، عقول السوريين، وليتوقّفوا عن المتاجرة بأسماء هؤلاء المناضلين .
نحن فريق يملك أرشيفاً كاملاً عن المواقف الوطنية والقوميّة النبيلة للسيّد الرئيس ، ولن نترك الياسمين الشامي لمجموعة من أشباه المثقّفين ، ولمرتزقة جاءوا من كلّ مكان لشطب سورية عن جغرافية العالم .
من تلك المواقف ، قالوا لي ، نتذكر حواراً أجراه رئيس تحرير « الوسط « في النصف الثاني من نيسان عام 2000 مع الدكتور بشّار الأسد عن مرحلة ما بعد جنيف اجتماع الرئيس حافظ الأسد بالرئيس كلينتون ، ورأى بشار الأسد أنّ « التشاؤم الذي أعقب قمّة جنيڤ كان أكبر من الواقع بكثير ، ربّما لأن بعضهم اعتقد أن هذه القمّة ستنجح عمليّة السلام بكاملها ، وهناك من وصفها بقمّة الفرصة الأخيرة وهذا غير دقيق ، فالفرصة الأخيرة هي تلك التي يتحقّق فيها السلام بشكله النهائي «. وعمّا يسمّى عقدة مئات الأمتار قرب طبريا قال الدكتور بشار : « موضوع الأرض هو سيادة وكرامة ، ولا يقبل الاجتهادات
والتأويل . وسورية ليست في وارد تقديم هدايا من هذا النوع . هذا موقف القيادة ، وموقف كل مواطن سوري «.
هذا الكلام قيل قبل رحيل الرئيس حافظ الأسد بشهرين أو أقلّ بأيّام ، ورغم مرور أربعة عشر عاماً على هذا الحديث ، ما زال الرئيس بشّار يرى أنّ موضوع الأرض سياديّ لا يقبل الاجتهادات والتأويل . فيما تعلن المعارضة عن استعدادها للتخلّي عن الجولان، والتنازل عن فلسطين، وتلحّ على الأميركيين كي يجتاحوا سورية.
قد تكون هذه المفارقة وحدها كافية ليكون الدكتور بشار الأسد مرشّح المثقفين السوريين أينما وجدوا .
… وإلى الأسبوع المقبل للحديث عن الدافع الحقيقي للرغبة العارمة التي أبداها المواطن السوري للمشاركة في انتخاب رئيس لهم .