غزوة «داعش» لنينوى انتصار أم انتحار؟
حسين الديراني
مجريات الحوادث في العراق فاجأت مراقبين كثراً، وكثرت التساؤلات حول كيفية سقوط محافظة كبيرة مثل نينوي التي تضمّ مدناً كبيرة كالموصل وغيرها في يد «داعش» خلال فترة قصيرة لم تتجاوز أربعة أيام.
لا بدّ من الاشارة بدءاً إلى أن مقاتلي تنظيم القاعدة « داعش» كانوا في المحافظة منذ سنوات عدة يعملون ويخططون بصمت ضمن بيئة حاضنة، وينتظرون ساعة الصفر للانقضاض بعد تهيئة القاعدة الشعبية الحاضنة التي كانت تنتظر ظهورهم لتقديم الطاعة والولاء لهم علناً. سنوات عديدة من الإعلام الطائفي والشحن المذهبي عبر «الجزيرة» و»العربية» و»صفا» و»الوصال» وغيرها من القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية التكفيرية التحريضية كانت كفيلة بإقناع سكان محافظة نينوى والأنبار وصلاح الدين بأن مخلّصهم من الجيش العراقي هو تنظيم «داعش» الإرهابي، وتمّ إقناعهم بأن الجيش العراقي «فئوي صفوي فارسي» مهمته قتل أهل السنّة والجماعة، وما جاد عليهم قاموس التسقيط والتكفير. وإلاّ كيف تتقدم قوات «داعش» بهذا الحجم من العدد والعدة لتجتاح محافظة بأكملها من دون مقاومة تذكر، وترك كل مخازن الأسلحة من دبابات ورشاشات، وكل أنواع الأسلحة الحربية والطائرات غنيمة في أيديهم. هناك بالطبع قيادات عسكرية ومسؤولون متواطئون معهم سهّلوا لهم سرعة سيطرتهم على المحافظة مساحتها أكثر من 14 ألف كيلومتر مربع . وبعد دخول قوات «داعش» الإرهابية ارتكبت أبشع المجازر في حق من بقي من قوات أمن أو شرطة أو مدنيين يرفضون إرهابهم، وفرضوا سلطة شرعهم الظلامي بالترغيب والترهيب.
أبو بكر البغدادي تحدث في بيان عن النصر الذي منّه الله عليهم، وتوعّد بالمزيد من الغزوات حتى القضاء على «الشرك الصفوي» في العراق، بحسب تعبيره، وتوعّد بهدم حسينيّات الشيعة ومساجدهم كافة وتسوية الأماكن المقدسة بالأرض. فمن الناحية العسكرية، ما حققته دولة «داعش» الإرهابية يعتبر نصراً إذ أصبحت تسيطر على بقعة جغرافية غنية بالموارد النفطية التي تشكل عصب الاقتصاد السوري والعراقي، والدولة المزعومة باتت تمتد من الرقة ودير الزور في سورية الى حدود سامراء وبغداد وكربلاء في العراق، والى الحدود التركية في الشمال، ولها اتصال بالأردن والسعودية من جهة الجنوب في الأنبار، وأزالت السواتر الترابية عند الحدود السورية العراقية.
السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تقدم «داعش» على هذه الخطوة في وقت ظن الكثير أنها في أضعف حالاتها؟ وخصوصاً بعد تبرؤ الدول التي كانت داعمة لها مثل السعودية وقطر وتركيا والإمارات والكويت، وبعد خسائرهم في مواجهة الجيش العربي السوري، وانشغالهم في معارك مع «جبهة النصرة» وما يسمى «الجيش الحر»؟ فعلى أي رصيد اعتمدت حتى تقوم بهذه العملية الواسعة النطاق التي تحتاج الى وقت طويل لتثبيت مواقعها التي سيطرت عليها؟
ما قامت به المسمّاة دولة «داعش» في العراق، من وجهة نظر تحليل سياسي، هو انتحار وليس انتصاراً، إذ وقعت في فخّ نصب لها في دوائر دول متعدّدة، أوّلها أميركا التي باتت مقتنعة بأنّ إنشاء دولة «داعش» تشكل خطراً على المصالح الاستراتيجية الأميركية على المدى البعيد، وإن تكن تخدم مصالحها في الوقت الراهن من خلال استنزاف قدرات حلف المقاومة للعدو الصهيوني، الممتدّ من إيران إلى العراق فسورية فلبنان، والذي بات منشغلاً بمواجهة الإرهاب الذي تمثله «داعش» وأخواتها.
اُعطيت «داعش» ضوءاً أخضر من المملكة السعودية تحديداً لشنّ هذا العدوان واعدةً إيّاهم بالدعم المادي والعسكري انتقاماً من المفاوضات التي أجرتها الجمهورية الاسلامية الايرانية مباشرة مع أميركا؟ يعزز هذه الفرضية تصريح المتحدثة الرسمية باسم الحكومة البحرينية سميرة رجب إذ اعتبرت «أنّ ما حصل في نينوى والأنبار ثورة ضد القهر والظلم»!
الصمت السعودي والقطري والتركي على الحوادث الدموية في العراق يؤكد تواطؤهم ودعمهم للجماعات الإرهابية بجميع الإمكانات المادية والعسكرية والإعلامية، غير مدركين بالعواقب الوخيمة التي ستصيب المنطقة وتصيبهم، وسيعود القنصل التركي سالماً الى أحضان دولته.
في المشهد الآخر، نرى نتائج الهجوم على الشكل الآتي:
أولاً: هجوم «داعش» واحتلالها محافظة نينوي من دون مواجهة عسكرية، مستعينة بكامل قواها التي حشدتها من داخل سورية والعراق مع المجاميع الإرهابية من أنحاء العالم كافة، كانت نتيجته توحيد صف الشعب العراقي الذي كان منقسماً على نفسه، ومنشغلاً بكسب المناصب الحكومية. بات اليوم متطوّعاً لمحاربة الإرهاب، ولذلك نجد القادة السياسيين جميعاً يدعون أنصارهم إلى التطوع في سبيل دحر الإرهابيين وتحرير المناطق التي سيطر عليها «الدواعش».
ثانياً: تحرّك المرجعية الدينية للمرة الأولى ودعوتها الى رص الصفوف، ومناشدة الشعب العراقي الوقوف خلف الجيش العراقي ودعمه ومساندته.
ثالثاً: انكشاف المتواطئين مع الإرهابيين داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، ما يعزز حماية ظهر المؤسسة العسكرية من الطعن والخيانة.
رابعاً: تعزيز موقع رئيس الوزراء نوري المالكي كشخصية قوية تتصدّى للإرهاب وتؤمّن له ولاية ثالثة مريحة.
خامساً: نشوة الانتصار التي تعيشه دولة «داعش» لن تدوم طويلاً، فهي أقصر مما يتوقعه المراقبون، إذ لا يمكن السماح بإنشاء دولة تقوم على مساحة من الأراضي الغنية بالنفط تتسلط عليها فئة من الإرهابيين الدوليين.
قريباً، بل وقريباً جداً، سوف تحشد جميع القوات العراقية من الشرق والسورية من الغرب مدعومة من إيران، للإطباق على هذا السرطان الإرهابي واقتلاعه من جذوره. ومن المؤكد أنه سيكون للقوات الشعبية دور فاعل في دحر الإرهاب، ليصبح شعار الجيش والمقاومة والشعب ممتداً من إيران الى العراق فسورية فلبنان.
هذا الانتحار لن يقتل صاحبه فحسب، بل سيطول كلّ من دفعه إلى هذا الانتحار. فرغم الخسائر التي سوف تترتب على معركة دحر دولة «داعش»، إلا أنها ستكون حتماً أقلّ من الخسائر فيما لو تُرك هذا السرطان يستشري في جسد الأمة من دون استئصال، وبالتالي هذا السرطان لا يقلّ خطورة عن سرطان دولة «إسرائيل» الصهيونية. «داعش» و»إسرائيل» غدّتان سرطانيتان يجب استئصالهما مهما بلغت التضحيات.