زهران علوش تحت المجهر الروسي

عامر نعيم الياس

قالت وزارة الخارجية الروسية إن السفارة الروسية في سورية تعرضت لقصف بقذائف هاون، من دون سقوط ضحايا. وطالبت «بموقفٍ واضح» من جميع أعضاء المجتمع الدولي، بما في ذلك «الأطراف الإقليمية» في شأن هذا العمل الإرهابي «لا يتوقف عند الأقوال».

و للمرة الأولى حددت الوزارة الجهة التي تنطلق منها القذائف التي تستهدف دمشق لكن تحت ستارة تقديم ملف السفارة الروسية من دون غيره. مشيرةً إلى النقطة الأكثر خطورة والأكثر حساسية وقرباً من العاصمة دمشق، وهي «منطقة جوبر حيث يتمركز مسلحون معارضون للحكومة السورية». واستمرت الخارجية الروسية في الغمز من قناة الممولين مستفيضةً في توسيع القائمة الروسية عن التنظيمات غير الشرعية العاملة على الأرض السورية والتي تتعدى تنظيم «داعش» الإرهابي. وفي هذا رسالة موجهة إلى الأميركيين بضرورة توسيع القائمة لتتجاوز «داعش» عملياً و«النصرة» نظرياً إلى تنظيمات أخرى لا تقل خطورةً وتطرفاً عنهما حيث قالت: «لا ينتمي هؤلاء المسلحون إلى تنظيم داعش، إنما لديهم مموّلون خارجيون تقع عليهم مسؤولية ممارسة التأثير اللازم على هذه المجموعات المسلحة غير الشرعية».

من الواضح أن بيان الخارجية الروسية توجّه إلى القوى الدولية والإقليمية بضرورة التدخل لمنع استهداف المصالح الروسية في سورية ومن ضمنها السفارة في دمشق. هذه الأخيرة التي يبدو أن تعزيز الوجود العسكري الروسي يضعها نصب عينيه. وهو ما تثبته التسريبات التي ذكرتها القناة الصهيونية العاشرة عن اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو، وبحسب مصادر القناة «لا يبدو أن بإمكان إسرائيل من الآن وصاعداً، أن تشنّ هجمات في منطقة دمشق، خشية أن يفهم الروس ذلك على أنه خرق لسيادة الرئيس السوري، بشار الأسد».

إذاً، دمشق تعدّ واحدةً من الخطوط الحمراء الروسية الأساسية في سورية. وتُفهَم في هذا الإطار الرسائل الداخلية من وراء بيان الخارجية الروسية حول قصف سفارتها في دمشق. فعلى رغم أنّ البيان لم يذكر من هي «المجموعات المسلحة غير الشرعية» والتي تتمركز في «منطقة جوبر»، إلا أن متتبع التطورات الأخيرة على جبهة دمشق وتوازن القوى وأحجام المجموعات المسلّحة داخل جوبر وفي الغوطة الشرقية، ومستويات رجحان سيطرة واحدة على أخرى، يدرك أن ساحة الفعل الأساسية في جوبر ومحيطها هي لتنظيم «جيش الإسلام» الذي يقوده الإرهابي زهران علوش، والذي يبدو أكثر من أي وقتٍ مضى فاعلاً في تلبية الرغبات السعودية في سورية. فتكثيف عمليات القصف على العاصمة دمشق خلال الشهر الأخير جاء تحت راية علوش، وبتوقيت موجّه ضد الروس، حيث خرق قواعد القصف على العاصمة دمشق سواء باستخدام صواريخ الكاتيوشا والصواريخ محلية الصنع بشكل أكثر كثافة من ذي قبل بعد أن كان يعتمد على الهاون. ووصل الليل بالنهار في عمليات القصف بعدما كانت مقتصرة على فترة ما قبل الغروب طوال السنوات الماضية، فضلاً عن محاولة تغيير خطوط التماس في محيط حرستا وضاحية الأسد وشبكة الطرق الدولية التي تربط دمشق بشمال البلاد وغربها ووسطها.

كل ذلك جاء بعد انقلاب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على نظيره الروسي سيرغي لافروف، في المؤتمر الصحافي الذي عقد في موسكو, ونسفت بموجبه السعودية المبادرة الروسية للحل في سورية وتوسيع الحلف على الإرهاب في المنطقة ليشمل الدول الإقليمية الفاعلة والجيشين السوري والعراقي. وبهذا المعنى، لا يبدو أن الروس يريدون التغاضي عن هذا الخرق المستمر في قواعد اللعبة من جانب الأداة السعودية الأكثر فاعلية في سورية وتحديداً في محيط العاصمة دمشق والمتمثلة بزهران علوش والميليشيا التابعة له. لذلك، جاء بيان خارجيتهم ليوسّع قائمة التنظيمات غير الشرعية أولاً، وليضع القوى الإقليمية في مواجهة استحقاقاتها ثانياً. فما هو ممنوع على «تل أبيب» ليس مسموحاً للرياض، وإلا، فإن الخيارات كلها موضوعة على الطاولة، وزهران علوش ربما يكون الهدف الأول على قائمة التنسيق العسكري عالي المستوى بين موسكو ودمشق.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى