الأسد صمام أمان أوروبا

جمال الكندي

انقلب المشهد السوري في الآونة الأخيرة وتحوّلت أزمتها إلى التداول في العواصم الأوروبية، ولكن هذه المرة من بوابة تدفق اللاجئين السوريين إليها. فالأزمة السورية والتي لعب بعض الأوروبيين دوراً اساسياً في زيادة لهيب نارها بدعم الجماعات المسلحة لوجستياً وتسهيل مرورها إلى سورية من أجل إسقاط الدولة السورية واستغلال كذبة «الربيع العربي» التي كانت مطية أوروبية ـ أميركية لتغيير نظام كان ولا يزال شوكة في حلق الإمبريالية الغربية والصهيونية وبعض الرجعيات العربية.

تغيّرت الحال ومن كان ينادي ويصرخ في المنابر الدولية ويحرك أقزامه في أروقة المنظمات العربية والغربية بمطالبته بتغيير النظام السوري متضرّعاً بهمجيته وقسوته ضدّ شعبه، اليوم ينزل من الشجرة العالية التي تسلقها ويعترف أنّ الرئيس السوري هو صمام الأمان في المرحلة المقبلة، وأنّ أيّ تفاهم سياسي بين المعارضة، ولا أدري أيّ معارضة يقصدون! المهم لا بدّ أن لا تشترط عزل الأسد في المرحلة الانتقالية، وهذا الكلام الجديد كان في الماضي مرفوضاً، فالغرب كان يشترط رحيل الأسد أولاً قبل البدء بأي مفاوضات سياسية.

العواصم الأوروبية اليوم تتسابق في تصريحاتها السياسية بشأن مصير الرئيس السوري، فبعد كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن أيّ مفاوضات مقبلة مع الحكومة السورية لا تشترط عزل الأسد عن المشهد السياسي الجديد في مرحلته الانتقالية، نرى بعد هذا الكلام الأميركي الجديد مسبحة التصريحات المتناغمة مع كيري بدأت تخرج وتعترف بأنّ الرئيس السوري هو صمام الأمان في المرحلة المقبلة من عمر الأزمة السورية.

إنّ هذا التغيّر المفاجئ له مبرّراته في الواقع الميداني السوري وفي المشهد السياسي الأوروبي، فمشهد طوفان اللاجئين الذين بدأوا يغزون القارة العجوز حرّك المشاعر الراكدة عند الأوروبيين وحسّسهم بخطئهم الاستراتيجي في اصطفافهم ضدّ الحكومة السورية، فأغلب المهاجرين السوريين الى أوروبا خرجوا من الأماكن التي يسيطر عليها المسلحو،ن بل إنهم يهربون من المسلحين إلى أماكن سيطرة الدولة السورية لأنها ببساطة دولة بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معنى قانوني وسياسي واجتماعي بعكس دولة المسلحين إنْ صحّ التعبير، فهي تحكم بهوى أشخاص هم جهلة بكل شيء ألا القتل والتنكيل.

تفشي الإرهاب بكلّ مسمّياته المتنوّعة في الساحة السورية وعلى رأسها تنظيم داعش وجبهة النصرة جعل أميركا ترفع الراية البيضاء وتعترف للروسي بأنّ هذه التنظيمات أصبحت خطراً على أوروبا وتمدّدها أكثر سوف يغرق أوروبا باللاجئين والمتطرفين في الوقت نفسه، فكان لا بد للأميركي أن يغيّر التكتيك مع بقاء الاستراتيجية العامة كما هي، لكي لا يغضب من دفع الأموال الطائلة لأجل وهم اسمه إسقاط النظام السوري. التكتيك الجديد هو مغازلة الروس والإيرانيين عبر تغيير النغمة القديمة بنغمة جديدة وهي الاعتراف بضرورة بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية المقبلة، فهو القادر في سورية وحده عبر القوات المسلحة السورية والأجهزة الأمنية الأخرى في مواجهة داعش وغيرها، لذلك فالعنوان تغيّر لدى الغرب وأصبحت محاربة الإرهاب أمراً ضرورياً جداً، وإيجاد حكومة توافقية في سورية بات مطلباً غربياً ملحاً عن طريق عقد جنيف 3 بوجود حلفاء سورية الذين كانوا في السابق غير مرغوب فيهم.

أميركا أدركت أهمية سورية بالنسبة إلى روسيا، وأنّ ما قيل لها سابقاً بأنّ إسقاط الدولة السورية وجعل سورية ساحة تتجاذبها الجماعات المسلحة المختلفة المنشأ والمرجعيات وأن تكون نسخة ثانية مكرّرة من ليبيا أمر مرفوض عند الروس والإيرانيين، لذلك عندما استشعر الروس محاولة الغرب الاستمرار في مخططه والسعي إلى تنفيذه بالقوة الخارجية بعد فشل عملائه في الداخل، بدأنا نرى الدعم العسكري الروسي يزداد وفي العلن، فالروس أرادوا بذلك إيصال رسالة سياسية وعسكرية مفادها أنّ سورية خط أحمر بالنسبة لهم، وأي تغيّر في قواعد اللعبة سوف يجابَه عسكرياً وهذا ما سوف نراه في الآتي من الأيام.

الرئيس السوري هو صمام الأمان وسط هذه الجماعات المسلحة في الجغرافية السورية والتي من كثرتها أصبحنا لا نقدر أن نحصيها ونفرّق بين أسمائها، والسؤال هنا موجه للأوروبيين ما هو المشروع السياسي الذي يملكه هؤلاء في المنطقة؟ فبسببهم غرقت أوروبا بأمواج من اللاجئين السوريين، والمعادلة هنا بسيطة، هل يرغب الأوروبيون في غياب الأسد عن المشهد السياسي في سورية وتفتت الدولة السورية عبر هؤلاء المسلحين الذين يحاربهم الأسد عبر الجيش العربي السوري؟ هنا الجواب بدا حاضراً عبر تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، فهذه كانت كارثة لهم لم يكونوا يتوقعونها لذلك قلت بأنّ الأسد هو صمام الأمان في المنطقة.

إنّ التكتيك الأميركي الجديد في الأزمة السورية والتوافق مع الروسي في إيجاد حلّ سلمي يكون الأسد جزءاً أساسياً منه لم يأتِ فقط بسبب الخوف من انتقال ظاهرة الإرهاب إلى أوروبا وأميركا بل بسبب الصمود الأسطوري لمثلث الرعب، الجيش والشعب والحكومة، وهو الثالوث الذي لم يقدر أحد أن يلج إليه ويكسره من الداخل، فتغيّر بسببه الخطاب الغربي المطالب برحيل الأسد إلى قبول وجوده في المرحلة الانتقالية المقبلة. لذلك نرى هذا التقارب الروسي ـ الأميركي في سورية أكثر من ذي قبل، وتُرجم أميركياً بقبول الأسد في سورية الجديدة، والتمهيد إلى أن مصير الأسد بيد السوريين. وهذا جاء على لسان الأمين العام للأمم المتحدة حيث قال: «انّ مصير الرئيس هو بيد الشعب السوري، فهو الذي يختاره عبر صناديق الاقتراع»، وهذا ما يعلمه جيداً الأميركي بأنه إذا حدث فإنّ النجاح من نصيب الرئيس الأسد، ومشهد تدفق اللاجئين السوريين في لبنان تأييداً للأسد ما زال عالقاً في أذهان الغرب وأميركا.

إنّ التكتيك الأميركي الجديد سيتغيّر إلى استراتجية ملموسة مفادها أنّ الرئيس بشار الأسد هو صمام الأمان الآن وفي المرحلة الانتقالية والمرحلة المقبلة في حكومة توافقية تتشارك فيها الحكومة والمعارضة ويكون رأس هرمها من يختاره السوريون بكلّ شفافية ونزاهة، وهو معروف عند الغرب وأصبح أمراً واقعياً بالنسبة لهم، أما عكس ذلك فهو فوضى في الداخل السوري وعدم استقرار في المنطقة بكاملها ومزيد من اللاجئين السوريين إلى أوروبا، فهل الغرب مستعد لذلك؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى