هل يذهب أوباما حتى النهاية في العراق؟

عامر نعيم الياس

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في معرض تعليقه على سيطرة داعش على مدينة الموصل «العراق بحاجة إلى المساعدة ونحن على استعداد لتقديم مساعدة عسكرية في القريب العاجل». من دون أن يحدد طبيعة هذه المساعدة وحدودها، فهل الرئيس الأميركي في مأزق؟ هل الولايات المتحدة قادرة على الانخراط في الحرب الدائرة اليوم في العراق؟ هل ستكتفي واشنطن بالقصف الجوي واستخدام الطائرات من دون طيار كما في أفغانستان واليمن؟ هل بإمكان الإدارة الأميركية الاستمرار في الفصل بين داعش الحرية في سورية وداعش الإرهاب في العراق؟

مع تسارع وتيرة الأحداث في العراق اقترح الأميركيون اجتماعاً لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الملف، واضح أنهم يريدون توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي أولاً وإلى العراق ثانياً، بأنه ليس وحده في هذه المعركة، موقف من شأنه أن يرتب على الولايات المتحدة تبعات تدخل مباشر في العراق مرة أخرى تحت ستار محاربة داعش، تلك المنظمة التي نُفخ بها وتمت شيطنتها بشكل ممنهج على مدى الأشهر الماضية في وسائل الإعلام الغربي كافة وحتى العربي التابع لواشنطن فهو من جهة تنظيم إرهابي خطير، ومن جهة أخرى فإن إرهابه مستمد كونه «صنيعة النظام السوري»!!!!، حجة سقطت اليوم مع التطورات الميدانية في العراق حيث حفلت الصحافة الفرنسية والبريطانية وحتى الأميركية بالمقالات المرجعية والوثائق حول نشأة داعش وهوية مسؤولها العراقي الذي وصفته صحيفة «لوس أنجليس تايمز بأنه أصبح «محارباً جهادياً عالمياً يهدد بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وهو لا يزال لغزاً كبيراً حتى لأتباعه».

تتراوح خيارات التدخل الأميركي بين القصف الجوي واستخدام الطائرات من دون طيار، وبين التدخل العسكري المباشر في العراق، لكن هذه المرة بقوة محدودة، وقد أدخلت هذه الخيارات الطبقة السياسية الأميركية في جدل حاد حول جدواها في ضوء خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في 28 من أيار الماضي في أكاديمية وست بوينت العسكرية والتي حدد فيها استراتيجية حكومته في الحرب على الإرهاب القائمة على إنشاء صندوق دولي لمكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون مع حلفاء الولايات المتحدة في العالم للقيام بهذه المهمة، واضعاً نهاية لعقيدة جورج بوش الابن القائمة على التدخل العسكري المباشر. السيناتور الجمهوري جون ماكين طالب باستقالة كامل فريق الأمن القومي في الإدارة الأميركية، والسفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة والعراق جون نيغروبونتي قال: «إن المالكي يتأسف الآن على عدم قبوله ببقاء جنود أميركيين في العراق عام 2011»، نانسي بيلوسي رئيسة الكتلة الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي عارضت العودة إلى مبدأ القصف الجوي متسائلةً: «ماذا بعد ذلك؟ إنها سياسة خاطئة نتّبعها منذ 12 عاماً»، صحيفة «لوموند الفرنسية نقلت عن مصادر أميركية قولها إن الكرة اليوم في ملعب نوري المالكي «بعد فشل مجلس النواب العراقي في اتخاذ قرار بفرض حالة الطوارئ بسبب عدم اكتمال النصاب»، إذاً ماذا بعد؟

السيناريو الأول: إن خطر تمدد داعش إلى بغداد وتفكك الدولة العراقية مع ما يحمله ذلك من إمكانية ارتفاع أسعار النفط عالمياً، من شأنه أن يدفع أوباما إلى التدخل في العراق، فهي ليست سورية، ولا يمكن تركها إلى مصيرها أو تحويل مسار الحرب فيها للاصطفاف ضد الدولة القائمة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحراك الإعلامي والسياسي الرسمي المرافق لما جرى في العراق يحمل بين طياته توجيهاً للأحداث باتجاه استعادة عنوان الحرب على الإرهاب تدريجياً ليحل محل الديمقراطية و«الربيع العربي»، وعند هذه النقطة بدأت الصحافة الأميركية تسليط الضوء على سورية ودمج الجبهات في المنطقة بدلاً من فصلها فالحل في العراق يبدأ من سورية بحسب صحيفة «يو إس إي تودي التي قالت: «إن امتداد الحرب الأهلية إلى شمال العراق والموصل وتكريت هو مؤشر واضح على امتداد العنف جراء الحرب الأهلية السورية، الأمر الذي يعيد تشكيل الشرق الأوسط بسرعة، وقد يكون الحل لذلك من خلال سورية عن طريق التفاوض مع الأسد».

السيناريو الثاني: عدم تدخل الولايات المتحدة في الصراع القائم في المنطقة وتكبيل التدخل بشروط من قبيل توحيد الطبقة السياسية العراقية وحل الخلافات فيما بينها، شرط غير قابل للتحقق في ضوء الانقسام السياسي وبالتالي استمرار الفوضى في المنطقة وترك المشهد بانتظار رؤية النتائج المباشرة للمواجهة بين كفتي الاستقطاب الذي دخل العراق إليه من أوسع أبوابه بعد سورية.

أوباما لم يحدد طبيعة التدخل المنوي في العراق، لكنه رسم في خطاب وست بوينت الخطوط العريضة لسياسة مكافحة الإرهاب الخاصة به عبر إنشاء صندوق مكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون مع حلفاء واشنطن حول العالم، واضعاً حدّاً نهائياً لسياسة التدخل العسكري المباشر، إلا في حالات تهديد الأمن القومي الأميركي، فهل يكشف التعاطي الأميركي مع الأزمة العراقية عن وجود تهديد كهذا حتى الآن؟ ربما الأيام والأسابيع المقبلة كفيلة بتحديد وجهة الأمور بين تدخل أميركي تحت يافطة مكافحة الإرهاب، أو استمرار إدارة حرب الاستنزاف أو الفوضى الخلاقة في المنطقة.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى