تقرير
كتبت مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية:
الهزيمة جزء لا يتجزّأ من النصر. والحرب منافسة بين العقل، والمكيدة، والأعداء ذوي العزيمة. واكتساب ميزة حاسمة على العدو جوهر النصر. وتأتي هذه الميزة التنافسية الحاسمة أحياناً من خسارة المعارك، وذلك عندما تشعل خسارة المعارك روح النصر.
اعتمدت الطريقة الغربية في الحرب خلال معظم القرنين التاسع عشر والعشرين على المعركة. ويمكن إلقاء اللوم على التغير المناخي خلال معركة واترلو 1815 في الهزيمة التي تعرض لها نابليون خلال حملة الاستيلاء على أوروبا. كما وصف كل من كلاوزفيتز وجوميني، المعلقين الرئيسيين على الحرب النابليونية، باستفاضة دور المعركة في الحد من قدرة العدو على شن الحرب.
حظيت المعارك بانتباه شديد لفترة طويلة في القرن التالي، حتى مع ظهور الحرب النووية وعودة الفوضى وحركات التمرد الخفية مثل التي ظهرت في فييتنام.
وقد ساعد صعود هوليوود على مدى القرن العشرين في تأمين مكانة المعركة. لدى المعارك سرد دقيق يركز على المحتوى في الزمان والمكان، والعمل. وقد أُنتِج أفضل نوع من قصص الحرب للسينما. فيلم «The Longest Day» أو «أطول يوم»، الذي قدّم رواية ملحمية لمعركة نورماندي، أثبت نجاحاً قابلا للتنبؤ به مع الجماهير.
لم يقتصر تخليد ذكرى المعارك على الأفلام فقط. فقد بقيت المعركة العمل الجاد للمحاربين في العصر الحديث. بعد حرب فييتنام، تحدث البنتاغون عن انتصار أميركا في المعركة الأولى المقبلة. وقد ظهر ذلك في معركة إيرلاند. وأثبت كتاب جون كيغان «وجه المعركة» تأثيراً كبيراً مع الجيش الأميركي أثناء فترة ما بعد حرب فييتنام. تركزت التدريبات العسكرية لجيش الولايات المتحدة بشدّة على معارك القتال. تدرّب مبعوثو ألوية الجيش في الصحراء في المركز الوطني للتدريب. وكان لدى سلاح الجو تدريبات «Red Flag»، وكان لدى مشاة البحرية تدريبات «29 Palms»، وكان لدى سلاح البحرية مناورات عدّة.
اليوم، يبدو أن المعارك قد فقدت بريقها. أماكن مثل الفلوجة هي مجرد أسماء غريبة تضرب على وتر حساس لدى معظم الأميركيين.
ينبع التناقض خلال المعركة من الشعور بالانزعاج من أن القتال لم يعد يحل أي شيء بعد الآن. وأضحت مفاهيم الصراع أكثر غموضاً، وذلك مع ظهور مصطلحات جديدة مثل الحرب الهجينة، والحرب السيبرانية، والأمن البشري والمناخي. من ناحية أخرى، تذكر المعركة هو عنصر واحد فقط من الحرب. فنتائج القتال لها أهمية في سياق الصراع الأكبر. وبينما يميل دارسو المعارك إلى التركيز على ما يلزم لكسب المعركة، فمن المهم تحديد ما يمكن أن نتعلمه من الهزيمة.
وهنا خمس معارك من التاريخ الأميركي، إذ تسببت الهزيمة في وضع الأمة على طريق النصر.
معركة لونغ آيلاند
ما كان لجهد جورج واشنطن في صدّ الغزو البريطاني لنيويورك أن يكون أسوأ. لحسن الحظ، تجنّب الجيش القاري الإبادة الكاملة عن طريق الانجراف نحو جزيرة لونغ تحت جنح الظلام. كانت المعركة في حدّ ذاتها هزيمة مذلّة لواشنطن. ولكن الهزيمة كشفت أيضاً فكرة كانت مفتاح الانتصار الأميركي في نهاية المطاف: يمكن للجيش القاري تحمل خسارة المعارك، ولكن إذا ظل متماسكاً، لم يكن البريطانيون ليتمكنوا من إعلان النصر. وقد اعتقد واشنطن بحق أنه ما دام العدو لا يمكنه كسب الحرب، فسينهزم في نهاية المطاف.
معركة ليتل بيغ هورن
كان لدى كستر أيام أفضل. عندما أبيدت مفرزته الصغيرة على سهول مونتانا، كانت هناك تداعيات كبيرة. فبعد الحرب الأهلية، ذهبت حصة الأسد من الموازنة العسكرية إلى التحصينات الساحلية التابعة للجيش. وكانت القوات البرّية للجيش في الغالب مكوّنة من الشرطة العسكرية ومتناثرة في جميع أنحاء الولايات الجنوبية والغربية. كانت وقفة كستر الأخير أشبه قليلاً بنداء للاستيقاظ. بدأ الكونغرس بتوريد الأسلحة والمعدّات. وبدأ الجيش مسيرته الطويلة حتى يصبح قوة برّية حديثة. وقد حلّ يوم النصر بعد أكثر من نصف قرن في المستقبل. لكن الرحلة من الحرب الإسبانية ـ الأميركية إلى الحرب العالمية الأولى ووصولاً إلى الحرب العالمية الثانية بدأت في الغرب.
ممرّ القصرين
لا أحد يفوق الجنرال جورج مارشال، رئيس أركان الجيش الأميركي سلطة، جرؤ على الجدال بأن الطريق إلى النصر في الحرب العالمية الثانية يسير عبر أوروبا الغربية. فكلما أسرع الحلفاء بغزو فرنسا، كان ذلك أفضل. ولكن ما أثار استياء المارشال، الدفع بالجيش الأميركي إلى شمال أفريقيا. وفي المعركة الكبرى الأولى مع النازيين، علم القادة أنهم غير جاهزين للهجوم. شملت قائمة النقص القادة السيئين، وضعف التنسيق الجوي ـ الأرضي، وقوات غير مدرّبة بالشكل الكافي. وبدلاً من تذكرها بوصفها هزيمة مروّعة، أصبحت المعركة الدرس الأول في تعلم كيفية الانتصار على أرض الواقع في الحرب الحديثة. بعد ذلك بسنتين، باغت الأميركيون شاطئ نورماندي وهم يملكون معرفة أفضل بكثير في كيفية خوض المعركة.
فرقة سميث
كوريا الشمالية تغزو نظيرتها الجنوبية. فيستدعي الرئيس ترومان بسرعة القوات الأميركية. كانت القوات الأميركية الأقرب هي قوات الاحتلال الأميركية في اليابان. دُفعت القوات على عجل إلى خط المواجهة، ولكنها بالكاد مثلت حجر عثرة بالنسبة إلى الجيش الغازي أثناء توجّهه جنوباً. وعادة ما يُشار إلى مأساة فرقة سميث كدراسة حالة في عدم الاستعداد. فقد كانت القوات فقيرة التدريب وتملك ذخيرة صدئة. وبعض الجنود ارتدوا أحذية رياضية لأن الجيش كانت تنقصه الأحذية. من جهة أخرى، حتى لو كانت قوة المهمة فائقة التدريب، كانت ما تزال ستتعرض للإبادة. فقد كانت الأعداد التي واجهوها ساحقة. وما كان حاسماً حول هذه المعركة أنه أظهر تصميم الأميركيين على التصرّف كقوة حرب باردة في آسيا والمحيط الهادئ حتى في مواجهة الهزيمة. كانت هناك تجارب رهيبة قبل ذلك، ليس فقط في كوريا، إنما في فييتنام أيضاً. ومع ذلك، تمسكت أميركا بتواجدها في آسيا. ويمكن القول إن ذلك التصميم ساهم في الانتصار في الحرب الباردة، فضلاً عن تنمية المنطقة في عصر ما بعد الحرب الباردة.
معركة ديزرت وان
لمجرّد اندلاع الثورة الإيرانية، أصبح من الواضح أن النظام الجديد في طهران لن يكون صديقاً لأميركا. اقتحمت حشود غاضبة السفارة الأميركية وأخذت بعض الموظفين كرهائن. ولم تكن هناك إشارات على عزم النظام الجديد إطلاق سراحهم. أعطى الرئيس كارتر الضوء الأخضر لتنفيذ مهمة الإنقاذ من قبل قوات العمليات الخاصة الأميركية. لكن لا تسير الأمور على نحو جيد. في الواقع، في حادثة ديزرت وان، موقع الهبوط داخل إيران، تسير كل الأمور على نحو خاطئ. تفشل مهمة الإنقاذ، ويموت الجنود على نحو فظيع. ربما من الناحية الفنية لا تعتبر هذه معركة، لأنه ثبت أن العدو كان متمثلاً في سوء الحظ وسوء التقدير.
لا داعي للتقليل من أهمية المعركة في القتال والانتصار في الحروب. ولا داعي للتقليل من أهمية التعلم من خسارة المهمة بغية تحويل الهزيمة إلى نصر.