كوكبة من نسور تتسابق… إلى سورية!

د. سلوى خليل الأمين

لا يعتقدن أحد أنّ الزحف الروسي إلى دمشق وليد أشهر قليلة، ولا تسابق كوكبة من نسور العالم إلى تأييد بقاء الرئيس الأسد وليد الساعة، في حين أنّ الأزمة السورية دخلت عامها الخامس مع ما خلفته من قتل وذبح ودمار وتدمير لإرث ثقافي تاريخي حضاري مقصود، منح لعبة الأمم عناوينها الإرهابية المبيّتة والمنظمة عن سابق إرصاد وترصّد انعطفت مؤخراً عبر التغاضي عن تدمير مكتبة الموصل التي تضمّ الآف الكتب التاريخية والمخطوطات الأثرية النادرة والتي تعتبر من أقدم المكتبات التاريخية في العراق.

هذه الأفعال الإرهابية التدميرية المبيّتة الهادفة إلى القضاء على تاريخ عريق لهذه الأمة، عبر تنفيذ تدميري مدروس لا تكترث له منظمة اليونيسكو العالمية ومتفرّعاتها، علماً أنّ من أهمّ مهامها الحفاظ على التراث العالمي، يأتي من خلال تغاضيهم عن عمليات تدمير الآثارات التاريخية في الموصل وتدمر والكنائس القديمة والمساجد الأثرية في سورية وحرق المكتبات، وذلك ضمن خطط مرسومة عالمياً بدقة وعناية، من أجل محو كلّ أثر لحضارة يتباهى بها العرب وتشكل جزءاً من ماضيهم وحاضرهم والمستقبل، وبالتالي هي محط أنظار شعوب العالم وعلمائهم ومفكريهم على حدّ سواء.

فحين نظمت فصول المؤامرة على سورية لم يكن في ظنّ السلطة الأميركية والصهيونية العالمية وربيبتهم «إسرائيل» والحلفاء من عرب وأتراك وأوروبيين، أنّ سورية دولة قادرة على الصمود، وقادرة على التصدّي، عبر عقيدة قتالية عسكرية تجلى بها الجيش السوري في الميدان، وعبر عقيدة وطنية قومية لم تتزحزح يوماً عن مضامينها المتجذرة في أصالة الشعور الوطني والقومي عند الشعب السوري، الذي عنونها القائد الرئيس بشار الأسد منذ اللحظات الأولى، بالقول: هنا وطني وأرضي أحيا هنا أو أموت دونها ولا رحيل، هذا الموقف الشجاع والحكيم والمؤمن بقدرات الجيش السوري والشعب أيضاً هو الذي مكّن سورية من التغلب على المؤامرة الشيطانية التي حبكت في الظلام لتاريخه وإلى أجل غير مسمّى، بالرغم من كلّ الرهانات التي ما زالت قائمة، والإرشادات التي تتفاعل صعداً، والتحليلات العسكرية والسياسية التي لم تمنح المتآمرين لتاريخه الفوز المنتظر أو اتباع الخط السوي المستقيم.

فمنذ العام 2014، وحين تمّ الإعلان عن ذبح الصحافي الأميركي من قبل «داعش» في سورية، سارع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تغيير مسار المؤامرة التي اعتمدت من قبلهم لتفكيك سورية وإقصاء رئيسها، عبر الإقرار أمام الحلقة الضيّقة من مساعديه في وزارة الخارجية والبنتاغون، بأنهم فشلوا في إخضاع سورية، وأنه قد تبيّن لهم أنّ سورية ليست تونس أو مصر أو ليبيا، فرئيسها صناعة سورية، وحلفاؤه صادقون معه، ولهذا علينا تغيير منهجية تحرّكنا وأهمّها التوقف عن دعم «داعش» على الساحة السورية، وقد سبق وكتبت بتاريخ 21 تشرين الثاني الماضي مقالاً في جريدة «البناء» بعد عودتي من واشنطن تحت عنوان: «القلق الأميركي ومسار التحالف المهزوز»، أوضحت فيه مدى القلق الذي يربك الإدارة الأميركية التي لم تفاجأ اليوم بدخول الروس إلى سورية عبر ضخّ المساعدات العسكرية واللوجستية وإنْ بدا العكس إعلامياً، لأنّ هذا الأمر الذي فاجأ الجميع، مدروس بدقة بين الفريقين الأميركي والروسي، وهنا لا بد من التذكير بالرأي الذي أبداه أحد أعضاء اللجنة العسكرية في الكونغرس الأميركي ومضمونه: «إنّ القوة العسكرية الأميركية وحدها لا تكفي لاحتواء داعش»، مضيفا: «نحن بحاجة إلى شركاء محليين كي نتمكن من التغلب على داعش، وعلينا قبل هذا تجفيف مصادر تمويل الإرهابيين وتجميد أرصدتهم المالية الخ…». لهذا كان اقتناع الإدارة الأميركية وعلى رأسها الرئيس أوباما بإدخال المساعدات الروسية الضخمة إلى سورية وإنشاء غرفة عمليات عسكرية روسية سورية إيرانية وعراقية لمواجهة «داعش» أمراً واقعاً ستظهر مفاعيله عما قريب وأسبابه مقروءة بشكل جيد جداً من قبل الطرفين، وقد بدا واضحاً من خلال تسابق نسور الدول الأوروبية وعلى رأسهم المتشارة الألمانية ورئيس وزراء بريطانيا والرئيس الفرنسي ووزيرة خارجية أوستراليا وحتى أردوغان إلى الاعتراف ببقاء الرئيس بشار الأسد بعد أن راهنوا طيلة الخمس سنوات على انهزامه ورحيله.

إنّ تغيير الخطط الأميركية أمر يخضع عادة للواقع المستجدّ، وهذا ما ترجمته سورية نصراً في كلّ الجبهات، بالرغم من كلّ المعوقات والصعوبات التي واجهت الجيش السوري في الميدان، وأهمّها ذبح المدنيين وإعدامم الجنود والعلماء وسبي النساء والأطفال عن مدنهم وقراهم، ترجم في ما بعد هذا الصمود المشرف، قناعة تامة بأنّ سورية ورئيسها ليسا دمية تحرّكها أنامل الاستخبارات الأميركية والأموال الخليجية، وأنّ الشعب في سورية هو بالفعل من يقرّر من يحكمه، لانه هو من اختار الرئيس بشار الأسد قائداً في عز المعارك العسكرية الدائرة على الأراضي السورية… لهذ بقيت عبارة ولكن… في دوائر القرار الأميركي مقلقة، وتفسيرها: ماذا نفعل بحلفائنا الأعراب؟

لهذا تمّ التعامل مع السعودية بلغة جديدة ومنها: إبعاد أمراء العائلة المالكة عن وزارة الخارجية، والكلّ يعلم حساسية هذه التغييرات التي حدثت في السعودية بعد وفاة الملك عبدالله، وبأمر مباشر من دوائر القرار الأميركي، وبعدها تمّ زجّ السعودية في حرب اليمن الخاسرة حكماً، ومن ثم تمّت قصقصة جوانح أردوغان العثماني عبر الانتخابات النيابية، وتمّ إحداث البلبة والفراغ على الساحة اللبنانية، وبعدها تحريك العمل على تسريب المهاجرين السوريين إلى الدول الأوروبية، كلّ هذه الأمور حرّكتها الأنامل الأميركية الناعمة التي اتخذت قرارها منذ ما قبل صيف العام 2014 بإنهاء الأزمة السورية التي يسبقها تدجين حلفائها كي يأتي الحلّ سلساً، دون أيّ اعتراضات أو وجع رأس، خصوصاً أن الرئيس أوباما ومسؤولي الحزب الديمقراطي الحاكم مشغولون حالياً ليس فقط، بالتوقيع الأخير على الملف النووي الإيراني وتنفيذه، بل بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في العام 2016 والتي ستترتب على مسارها أمور كثيرة مكتوبة في أجندة الرئيس بارك أوباما.

كلمة أخيرة لا بدّ منها، إنّ سورية لم تنتظر يوماً نسور أوروبا وأميركا ولا جامعة الدول العربية كي يؤمّنوا الشرعية لرئيسها، لأنّ سورية هي من تختار وقد اختارت، ولن تستطيع سلطة في العالم مهما بلغ شأوها من النفاذ من قوة تعاضد الجيش والشعب مع قائدهم الرئيس بشار الأسد، الذي أثبت حنكته السياسية وحكمته في التصدي للمؤامرة الكونية على وطنه، إضافة إلى وفائه لحلفائه واحترام تعهداته والمعاهدات العسكرية مع روسيا، لهذا فإنّ الكلمة السرية الأميركية والروسية والإيرانية الصحيحة والقائمة والمثبتة والمتدوالة حالياً عبر وسائل الإعلام عربياً وعالمياً، هي أنّ محاربة الإرهاب والقضاء على «داعش» و«النصرة» وكلّ متفرّعات «القاعدة» تتمّ فعلاً لا قولاً، بالمشاركة مع سورية وقائدها الشرعي الرئيس بشار الأسد.

رئيسة ديوان أهل القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى