أوباما وحلفاؤه مستعدّون للتعاون مع روسيا وإيران… بسقف تفاوضي بوتين وروحاني يضعان دعم الأسد شرطاً لكلّ تعاون ضدّ الإرهاب

كتب المحرر السياسي

بعد عشر سنوات من الغياب أطلّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من منبر الأمم المتحدة ليضع النقاط على حروف الحرب على الإرهاب، فيفنّد كلمة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي سبقه بالكلام، ويرسم آفاق هذه الحرب وشروط الفوز بها كحرب تهمّ العالم ولا يحق لأحد ادّعاء احتكار التحدّث عنها بينما هو من أجّج وسعّر قدرات الإرهابيين بحسابات ضيّقة فحلّ الإرهاب وراءه حيثما حلّ وارتحل، ولا يحق لأحد استغلال هذه الحرب لوضع شروط تتصل بفرض خيارات على الشعوب حول تحديد هوية حكامها بذريعة مقتضيات الحرب أو حق المحاسبة بمعزل عن احترام سيادة الدول.

سيطر بوتين على خيوط اللعبة وأمسكها جيداً، وبدا الأشدّ ثقة بما يقول بين الرؤساء الذين تعاقبوا على الكلام، الذين بقي كلام من وقف منهم في معسكر واشنطن مربكاً متلعثماً عاجزاً عن تقديم وصفة للنصر على الإرهاب ولحلّ قضية اللاجئين، اللتين تعاقب الرئيس الروسي وحليفه الرئيس الإيراني حسن روحاني في تأكيد أنّ وصفة التعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد والجيش السوري تضمن إعادة الاستقرار لسورية، وبالتالي تخليص العالم من خطرين داهمين.

حمّل بوتين بقوة الحجة والمعادلات الواضحة نظيره الأميركي وإدارته وحلفاءه مسؤولية نمو الإرهاب وتجذّره، مشيراً إلى ما يجري في ليبيا للردّ على الكلام الأميركي عن مسؤولية الدولة السورية، فهل في ليبيا هناك الأسد أيضاً؟ وهل التعثر في الحرب على «داعش» في العراق سببه الأسد أيضاً؟

وربط بوتين بين نمو الإرهاب والتواجد الأميركي، والفوضى التي يخلقها، والتسهيلات التي يحوزها الإرهابيون من حلفاء واشنطن ومنها مباشرة، متسائلاً في ردّه عن مغزى الحديث المتكرّر عن معارضة معتدلة يدرّبها ويسلحها الأميركيون ونجدها في اليوم التالي تنشقّ وتسلّم سلاحها للتنظيمات الإرهابية وتنضمّ إلى صفوفها.

تجاهل أوباما وحليفاه الفرنسي والتركي ما سبق وقاله الغرب وحلفاؤه عن القبول بدور للرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية، وذهب الجميع في ما بدا أنه كلمة سرّ متفق عليها، إلى التهرّب من تناول هذا المفهوم بصفته موضوعاً تفاوضياً يختصره تكرار متفق عليه أيضاً ورد في كلمات واشنطن وباريس وأنقرة عن الاستعداد للتعاون مع روسيا وإيران في سورية والعراق، ليكون الختام وفق معادلة جديدة موحدة تقول أنه لا يمكن القبول بالعودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل الأزمة في سورية، كما قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الحكومة التركية داود أوغلو بعدما قال الرئيس أوباما ذلك.

الرئيسان الروسي والإيراني كانا حازمين في اشتراط أيّ تعاون في الحرب على الإرهاب بالتعاون مع الرئيس السوري والجيش السوري، وإلا صارت الحرب عبثية بلا جدوى ولا أفق.

على خلفية هذا التجاذب الساخن بدأت مع منتصف الليل بتوقيت بيروت قمة الرئيسين الأميركي والروسي، حيث لا يتوقع التوصل إلى تفاهم نهائي في جلسة واحدة، بل يتوقع المتابعون رسم خطوط عريضة لتفاهم يتابع رسم خطوطه وتفاصيله الوزيران جون كيري وسيرغي لافروف بعدما فرض الوجود العسكري الروسي في سورية ونشوء حلف قوي في الميدان البري يمثله التحالف المعلن لروسيا مع إيران والعراق وسورية وحزب الله قادر على خوض الحرب ضدّ «داعش» وسائر التنظيمات الإرهابية بمفرده، ولا يمكن لواشنطن وحلفائها تركه يقطف ثمار النصر منفرداً في هذه الحرب.

وترجم بوتين إمساكه بزمام المبادرة بالاستعداد لإدارة الظهر للتحالف الدولي والإعلان انه يسعى إلى إيجاد «أرضية مشتركة» مع دول المنطقة لمكافحة تنظيم «داعش». ودلالة على إمساكها بزمام المبادرة أيضاً، أعلنت موسكو عبر نائب وزير خارجيتها ميخائيل بوغدانوف عن اجتماع لمجموعة الاتصال حول سورية بمشاركة الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران وتركيا ومصر، وهو تحوّل كبير في فتح الطريق نحو التفاوض المباشر بعيداً عن ضغوط التصريحات الإعلامية التي تصدر لإرضاء الحلفاء أكثر مما تعبّر عن القراءة الواقعية للأحداث، خصوصاً في وضع تركيا وإيران والسعودية على طاولة واحدة.

وقال بوغدانوف: «سيتمّ تشكيل أربع مجموعات عمل في جنيف، كما أنّ لقاء مجموعة الاتصال التي تضمّ اللاعبين الرئيسيين سيكون في الشهر المقبل، على ما أعتقد بعد انتهاء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة».

في المقابل وبعيداً عن الخطابات الإعلامية أكد البيت الأبيض، الذي باغتته الهجمة الدبلوماسية الروسية، أنه سيكون من «غير المسؤول» عدم إعطاء فرصة للحوار مع بوتين، داعياً إلى نهج براغماتي مع الكرملين يقوم على تناول كلّ من الملفات على حدة. وقال بن رودز مستشار أوباما: «إننا نراقب الأفعال، وليس الأقوال فحسب»، مضيفاً: «بالنسبة إلى أوكرانيا، نادراً ما ترجمت الأقوال إلى أفعال لكن في الملف النووي الإيراني، فإنّ روسيا وفت بالتزاماتها، ولعبت دوراً بناء». غير أن التعاطي مع هذا الملف سيكون في غاية الدقة بالنسبة إلى واشنطن.

وأقرّ مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية «أننا ما زلنا في بداية محاولاتنا لفهم نوايا روسيا في سورية والعراق، ورؤية ما إذا كان هناك سبيل لإيجاد مخرج مفيد» للأزمة.

في قلب هذا التجاذب الساخن على طريق تفاوض بارد، واضح أفقه نحو رسم سقوف للتسويات، ينطلق في لبنان مسار الترقيات لعمداء في الجيش اللبناني من بينهم العميد شامل روكز مرشح العماد ميشال عون لمنصب قائد الجيش، بعدما صار مصير الحوار والحكومة متوقفاً على تذليل العقبات التي تعترض طريق هذه الترقيات.

طاولة الحوار التي تنتظر خلوات الأسبوع المقبل والمتوقع توقفها أمام عقدة رئاسة الجمهورية، تنتظر استحقاق قانون الانتخابات النيابية بقلق التعثر مع الفيتو الذي يضعه تيار المستقبل على أيّ قانون يستند إلى نظام النسبية، بينما يتوقع مقرّبون من النائب وليد جنبلاط التوافق على السير بالقانون المختلط الذي يتبناه رئيس مجلس النواب نبيه بري كحلّ وسط، والقائم على توزيع المقاعد النيابية مناصفة على النظامين الأكثري والنسبي.

هولاند يرجئ زيارته لبنان بعدما فشلت محاولة الترويج لميشال سليمان جديد

حضر لبنان في مؤتمرات نيويورك واللقاءات الجانبية على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة فقط من بوابة الأزمة السورية وتداعياتها المتعلقة بأزمة النازحين السوريين، ومشاركة حزب الله في محاربة الإرهاب. وحضر رئيس الحكومة تمام سلام الذي يشارك في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة حفل الاستقبال الذي أقامه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على شرف الوفود المشاركة. والتقى سلام الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي أبلغ رئيس الحكومة إرجاء زيارته إلى لبنان ربما إلى شهر تشرين الثاني، كي تتوافر ظروف النجاح لهذه الزيارة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن «قرار إرجاء الزيارة التي كانت محصورة بالملف الرئاسي اتخذ بعدما فشلت محاولة الترويج مع السعودية لميشال سليمان جديد». ولفتت المصادر إلى «أن العماد ميشال عون أبلغ اللجنة الدبلوماسية التي كانت تحضر لزيارة هولاند أنه لن يضمن جدول أعمال لقائه الرئيس الفرنسي الشأن الرئاسي، وأن هذا البند سيكون خارج البحث والنقاش». وشددت المصادر على «أن هولاند كان يريد من زيارته لبنان أن يقنع العماد عون بضرورة الاتفاق على رئيس جمهورية وسطي». والتقى سلام رئيس وزراء تركيا أحمد داود اوغلو، وبحث مع رئيس وزراء جمهورية العراق حيدر العبادي المستجدات والتطورات في كل من العراق ولبنان في ظل موجة الإرهاب التي تضرب المنطقة. كما التقى سلام أيضاً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

واعتبر الرئيس سلام في دردشة مع الصحافيين المرافقين له إلى افتتاح أعمال الجمعية العمومية أن المجتمع الدولي مشغول بنفسه وبالأزمة السورية، إضافة إلى مواضيع أخرى تتصدر المحادثات في الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن لبنان يحضر دائماً على أجندات اللقاءات في نيويورك ولكن على مستوى الحل لا شيء ملموساً.

حلحلة في الترقيات من تيار المستقبل

وفي لبنان، يبدو أن ثمة حلحلة في الموضوع المتعلق بالترقيات على الأقل من تيار المستقبل بعد أن طرح رئيسه سعد الحريري ضابط إيقاع الأصوات المتناقضة فيه أنه ليس ضد الترقيات بالشكل القانوني المطروح وبعد أن زخم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط مبادرته بواسطة الوزير وائل أبو فاعور.

وأكد مصدر مقرب من الرابية لـ»البناء» أن «الحل يتصف بالشمولية ولا جائزة ترضية ولا رشوة يرفضها رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون وقائد فوج المغاوير العميد شامل روكز معاً». ولفت المصدر إلى «أن الحل المستمد من التعليمات التطبيقية لقانون الدفاع الصادر عام 1979 والتي لم تلغ أو تعدل منذ حينه، تقضي بأن يصار إلى تكوين أو تأليف المجلس العسكري بألوية ثلاثة ما يشرعن وضعه ووضع أعضائه وترقية ضباط ثلاثة مستحقين تتوافر فيهم شروط الترقية إلى رتبة لواء مع وظيفة».

… وملف يتجاوز مقبل ومكونه السياسي

ولفت المصدر إلى «أن ملف الترقيات يتجاوز وزير الدفاع الوطني سمير مقبل ومكونه السياسي في العهد البائد، ذلك أن رفض ما يسمى اللقاء التشاوري للترقيات لا يكفي لرفض الحل، ولا يستطيع أحد أن يتحمل وزر إفشال بند تفعيل عمل الحكومة على طاولة الحوار، بدليل أن رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة المتسلط والممانع للترقيات، قد عاد وأوضح موقفه منها إيجاباً بعد أن سمع صوت سيده الحريري من الرياض بقبول الحل القانوني المقترح.

وعلمت «البناء» أنه من المنتظر فور عودة الرئيس تمام سلام من نيويورك، وفي حال استقرار الحل على المخرج القانوني الذي عرض على رئيس تكتل التغيير والإصلاح، قبل الحوار أو بمواكبته، أن تعقد جلسة لمجلس الوزراء لإخراج هذا الحل بقرار رسمي.

وفيما تتجه الأنظار إلى جلسات الحوار في 6 و7 و8 من الشهر المقبل. أكد مصدر مقرب من الرابية لـ»البناء» أن العماد عون سيحضر جلسة السادس من تشرين الأول بعد أن أحدث خرقاً في موضوع القانون النسبي مع الصوت التفضيلي، وأبدى موافقته على أي حل قانوني يتوافق والدستور والقوانين المرعية في مسألة التعيينات والترقيات». وبالتزامن مع الجولة التاسعة عشرة للحوار الثنائي بين «المستقبل» و«حزب الله» ستُعقد مساء الثلاثاء 6 تشرين الأول المقبل.

شهيب يلتقي الحراك الشعبي اليوم من أجل نقاش الخطة البديلة

من ناحية أخرى، واصل وزير الزراعة أكرم شهيب لقاءاته مع المكونات الحكومية لتنفيذ خطة النفايات التي أقرتها الحكومة حيث التقى رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، وأكد «أن الحل لن يكون إلا بيئياً علمياً بامتياز وليس له أي بعد سياسي أو مناطقي أو طائفي». ودعا شهيب الحراك الشعبي إلى الاجتماع اليوم من أجل نقاش الخطة البديلة والعمل على التخلص من أزمة النفايات. وأخذ شهيب الورقة المقدمة من الحراك المدني للبناء على ما يمكن البناء عليه علمياً.

وكانت هيئات المجتمع المدني قدمت أمس رؤيتها الخاصة للحل، مع إعلانها تمسكها بمطلب استقالة وزير البيئة محمد المشنوق ودعت إلى تحرير أموال البلديات لتتسلم أعمال الكنس والجمع، وإلى رفع يد مجلس الإنماء والإعمار عن ملف النفايات، معتبرة أن المعامل الموجودة كافية إذا عملت بضعف طاقتها.

إلى ذلك، تجتمع هيئة التنسيق النقابية مع الحراك المدني في الخامسة مساء اليوم لدرس إمكان الدعوة إلى الإضراب في أول أسبوع من تشرين الأول المقبل تحت عنوان سلسلة الرتب والرواتب».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى