تجارب الوهم.. هل تقود إلى حرب كونية؟
محمد ح. الحاج
الوهم مرض يعيشه أغلب أبناء الجنس البشري على اختلاف مشاربهم ومواقعهم، ولا يسلم منه القادة، وقد لا يكون ممكناً تشخيص حالة مريض وهم، وحدها التجربة تكشف ذلك، قادة عرب وأغراب عاشوا حالة الوهم فقالوا: أيام ويسقط النظام في سورية، بعضهم لم يكن في حالة تفاؤل فقال… أشهر، ومضت الأيام والأشهر، سقط بعضهم وذهب إلى هوامش النسيان أمثال ساركوزي وبلير وغيرهم كثر، وسقط أيضاً عربان كانوا أدوات المؤامرة، العياط والحمدين وبندر وسعود وحتى الملك عبد الله بن عبد العزيز… وبقي أيضاً، كثير ممن ينتظرون رحيل الأسد .. قالوا هو «الربيع العربي» وفي حقيقته كان خريفاً سقطت أوراقه الصفراء وبقي الزيتون أخضر كعيون سورية، نسي البعض أنّ أول ربيع كان جديراً بالدراسة هو ربيع دمشق قبل أربعة عشر عاماً يوم لم يدرك هؤلاء أن ليس للتسمية من اسمها نصيب… ربيع دمشق الذي كان واعداً لأنّ من أعلنه هو الرئيس، ربما أفشله بعض الحرس القديم، كما تمّ حرفه عن أهدافه بتدخل خارجي ودولي… ربيع دمشق الذي انحرف أسّس للشرخ في بنية المجتمع، ودفع برموز إلى إعلان العداء للوطن… تحت مسمّى العداء للنظام «العسكري الأمني» والمطالبة بمجتمع مدني…! شعار طرحته وكالات التنمية الدولية بعد اقتناص الفرصة وتوفير العديد من خيوط الارتباط مع الداخل، بعضهم كان يعلم، والبعض عن حسن نية… هل حقاً أفشل بعض الحرس القديم توجهات الرئيس الشاب لتحقيق ديمقراطية تختلف عما عند الآخر طبقاً لرؤيته، تتناسب مع بنية وتركيبة المجتمع السوري؟ وهل نجح أصحاب المصالح الخاصة بمنع تحقيق ذلك؟
القناعة الوهمية بنهاية النظام وسقوط الدولة لم تقتصر على قيادات الغرب، وبعض دول المحيط الطامعة، كما بعض القيادات الأعرابية لمصالح تختلف جوهرياً عن مصالح الغرب، بل انتشرت ضمن تنظيمات مجتمعية في الداخل بعد جائحة الإعلام المبرمج، وتضخيم الأحداث، وأذكر أنّ الخروج في عدد من المدن السورية ورفع شعار لبيك يا درعا جاء بعفوية، لكن بتخطيط خبيث لاستغلال المشاعر الشعبية، فمثلاً خرج أبناء دير الزور بأعداد كبيرة وكان الشعار الوحيد: لبيك يا درعا، وخرج مع الجموع المرحوم الشهيد اللواء جامع جامع وكان عميداً… رئيسا لفرع الأمن العسكري، هتف مع الجميع، وشارك في المسيرة بعد أن أوعز بوضع كلّ البولمانات الموجودة في المدينة بالقرب من الساحة، وعند اكتمال الجمع وقف، وكان معروفاً ومحبوباً… قال أنا معكم… نعم لبيك يا درعا، سنذهب لنجدة درعا، ومن هناك نتجه إلى القدس لنجدتها… دونكم والباصات فهي جاهزة وسأكون معكم…! ثوان قليلة وبدأت الجموع تختفي، وسأل أحدهم العميد الشهيد… ليش شو القصة وماذا يحصل في درعا… وكان جواب!
إذا برّرنا لجموع الشعب في الداخل، أو الخارج شعور الوهم والاندفاع بغريزة القطيع وتصديق ما يقال، لكن، كيف نبرّر لقيادات الدول بما تملك من مراكز دراسات وأبحاث واستطلاع، وأدوات استخبارية وعملاء، جهلها بحقيقة ومتانة موقف الرئيس السوري واستناده إلى دعم شعبي يتجاوز بنسبته أعلى نسبة يمكن أن يحققها رئيس في عالم الغرب، وإذا افترضنا أنّ العملاء والناقمين وأدوات الغرب من أبناء سورية كانوا السبب الرئيس في خداع قيادات الغرب التي تبنّت آراء ومقترحات هؤلاء، فنحن نضع قيادات الغرب هذه في مرحلة ابتدائية من ممارسة السياسة، الحقيقة… ليست كذلك، قيادات الغرب هي من غرّر بالأدوات وقيادات الداخل ولم يكونوا ممّن تمّ التغرير بهم، ربما غرّروا أيضاً بقيادات الأعراب وجعلوهم يعيشون أحلام يقظة انقلبت كوابيس كما في السعودية وبعض إمارات الخليج، لكن الغرب حقق الكثير، ربما أكثر وأهمّ منجزاته هي انهاء ما يُسمّى عالماً عربياً، أو وزن لتضامن عربي، وخلق بؤرة صراعية على آلاف الأميال، أمّنت لعالم الغرب، لشركاته، لاحتكاراته سوقاً مفتوحة، تستهلك ثروات ومداخيل عالمنا على مدى عقود، وتوفر للكيان الصهيوني حالة استرخاء وهدوء لاستكمال تهويد وابتلاع ما بقي من فلسطين مقابل حالة استخراء وفوضى في عالم العرب والأعراب.
رؤساء دول الغرب اشترطوا للبدء في الحلّ وإيجاد تسوية ما… استبعاد الرئيس الأسد! مستندين إلى وهم أنهم ما زالوا أوصياء أو منتدبين على المنطقة، وأن الديمقراطيات عصية على التطبيق بعيداً عنهم – لا قناعة بوجود ديمقراطيات حقيقية في عالم الغرب رأي خاص – رغم سقوط ساركوزي، وبلير، وغيرهم استمرّ من جاء بعدهم على نفس الموقف، كاميرون، وهولاند، وحتى بوش، وبعض المستجدّين في عالم السياسة الأعرابية، لكن، وبعد أكثر من أربع سنوات من الصمود الأسطوري والالتفاف الشعبي حول الجيش والقيادة السياسية والنجاحات التي تحققت وصل هؤلاء إلى قناعة بأنّ الرئيس باق بإرادة شعبه، وأنهم إلى زوال ضمن زمن معلوم ومحدود، هنا بدأ التكويع، أميركا أولاً، تلتها بريطانيا وقبلهما ألمانيا، واليوم يلتحق الرئيس الفرنسي بالركب، وحتى لا تكتمل الانعطافة كإقرار بالحقيقة، يغلفونها بالمرحلية أيّ: على أن ينتهي دور الرئيس بعدها!
يستمع المواطن السوري إلى جميع الأقوال المطروحة… بقاء الرئيس رهن بإرادة السوريين وهذا من حق الشعب السوري وحده ثقة بالنسبية يقول الروس، وهكذا الايرانيون، الألمان أقرب إليهم، وأميركا تبدّل موقفها إلى واقعية مقبولة رأي روسي … لا بدّ من الحوار مع الرئيس الأسد إذ لا حلّ من دونه – ميركل -… شبه اجماع، ويغرّد الأعراب خارج السرب وكأنّ بيدهم أوراقاً مهمة، الحقيقة أوراقهم بلا قيمة، العربان، نوع من المكابرة، وابتزاز كما على الجانب التركي بوجه أوروبا، فالسوريون الأسرى في تركيا غير مسموح لهم بالعودة، وتمّ الدفع بهم إلى أوروبا، لأنها رفضت تأييد إقامة منطقة عازلة، ليبدأ الشقاق في الصف الأوروبي، ومحاولات توزيع واقتسام مائة وعشرين ألف لاجئ سوري! ثم ألا يمكن القياس على الموجودين في لبنان والأردن من حيث الولاء للوطن وللقيادة الحالية… التجربة كانت البرهان، وما زال ممكناً استطلاع الرأي.
القراءة المتأنية والدقيقة للمناورات الأميركية، لا تسمح للقيادة الروسية بأن تحسن الظن بها، قبلاً قلنا وكان هناك براهين تسرّبت الينا من الداخل العراقي أنّ الطائرات الأميركية تقوم بتمويل داعش، أسلحة وذخائر وحتى أغذية بطرق سرية وتحت جنح الظلام، إضافة إلى دعم تركي وقطري وسعودي على المكشوف، الروس لا يؤخذون بالإشاعات ولا التسريبات، أعينهم مفتوحة وكذلك أجهزتهم، وكما يستطيع الأميركي مراقبة انتقال الأسلحة والطائرات الروسية، كذلك تقوم الأجهزة الروسية بالمثل، ليلاً ونهاراً، وعلى مدار الساعة، ولأنهم يعرفون ما لا نعرف، بدأوا حركة مفاجئة تجسّدت في عمل جدّي على أرض الواقع… أسلحة ثقيلة جواً وبحراً وبراً، وقرار قيادي على المكشوف بوضع حدود للعبة، إذ قاربت على النهاية… – سنضع لها حداً سواء بمشاركة فعلية للغرب أم بدونها، الكلام موجه للجميع بما فيهم الترك والأعراب يقول الروس ، ما يعني الغرب هو بالأساس حرية الحركة للأداة الصهيونية في أجواء المنطقة وعلى أراضيها، لا بدّ لكم من التنسيق مع الروس… ينصح الأميركان الصهاينة فيبادر رئيس وزراء العدو لمقابلة بوتين، هل حصل على تعهّدات أو تطمينات عدا القول إنّ دمشق ليست الآن في وارد فتح جبهة في الجولان… هل يقدّم الروسي ضمانة لأمن الكيان الصهيوني؟ يسأل المواطن السوري، أم سيتمّ وضع حدّ لخروقات هذا الكيان ومنعه من ارتكاب عدوان جديد؟
يبدو أنّ الغرب بقيادة أميركا يتجه إلى اجراء تجارب يقودها الوهم مع الوجود الروسي الإيراني على الساحتين السورية والعراقية، مع إعلان ترحيب بارد بالتعاون لمحاربة «داعش»، وقد يقود فشل التجارب إلى رفع حرارة المجابهة على قاعدة تناقض المصالح! فهل ستكون النتائج مقدّمات لصدام أوسع فينقلب إلى حرب كونية؟ الحروب السابقة كانت لأسباب وذرائع أقلّ شأناً وقيمة.
هامش: ثلاثة سوف يسقطون ويبقى الأسد، هولاند، أردوغان وكاميرون… تقول العرّافة!