التدخل الروسي… وتراجع مكونات العدوان
راسم عبيدات
تدرك روسيا تماماً أن الحرب التي يخوضها الجيش والشعب والقيادة السورية ضد قوى الإرهاب ومكوناته والقوى المشاركة به بشكل مباشر وغير مباشر، هي ليست حرباً فقط للدفاع عن سورية وشعبها ووحدتها الجغرافية، بل هي أيضاً دفاع عن الأمن القومي الروسي، فسورية هي القاعدة والمنفذ البحري الوحيد لروسيا على البحر المتوسط، ولذلك لا تكمن أهميتها الاستراتيجية في ذلك فقط، بل هي تمكّن روسيا من الدخول على أمن أوروبا وشمال أفريقيا، وسورية لها دور بارز ومحوري في الحرب على الإرهاب والتوازنات في التحالفات.
المتتبع للمواقف الغربية والأميركية وتوابعها إقليمياً وعربياً يجد بأن حالة من الإرباك والتشوش والتناقض والرفض والهجوم والتشكيك تسود تلك المواقف على ضوء القرار الروسي ليس فقط بتزويد سورية بأسلحة حديثة ونوعية، بل إرسال قوات روسية قتالية برية وجوية وبحرية الى سورية لتكون جاهزة وفي خدمة القرار الروسي في الحرب على المنظمات الإرهابية المنتشرة في سورية وبغض النظر عن تسمياتها «داعش»، «نصرة»، «جند شام»، «فتح الإسلام» وقاعدة وأي متفرعات إرهابية أخرى، حيث الدوائر الأمنية والعسكرية والسياسية الأميركية والأوروبية الغربية وتوابعها وما يندرج تحت مظلتها وفي خدمتها من رجال صحافة وإعلام وكتاب، انبروا للهجوم على القرار الروسي، فتارة يقولون بأن روسيا ستكون جزءاً من غرفة عمليات مشتركة مع الأميركيين لمحاربة «داعش» فقط، لأن بقية التنظيمات الإرهابية مثل النصرة هي إرهاب معتدل من وجهة نظرهم، وسيكون لها دور في الحل السياسي المقبل، ناهيك عن التشكيك في قدرة روسيا على محاربة الإرهاب من دون مساعدة أميركية وغربية، وبأنها ستغرق في المستنقع السوري كما غرق الاتحاد السوفياتي سابقاً في المستنقع الأفغاني، والخطوة الروسية في التدخل العسكري في سورية من شأنها تعقيد الوضع وتأخير الحل السياسي في سورية، حتى أن نتنياهو المربك طار الى موسكو للوقوف على حقيقة الموقف الروسي، وهو الذي بات يدرك أن زمن العربدة «الإسرائيلية» في الأجواء السورية وقصفها أهدافاً هناك بحجة محاربة الإرهاب ومنع وصول أو تزود حزب الله بأسلحة استراتيجية أصبح لها حدود واضحة من الآن فصاعداً، وحديث نتنياهو عن تنسيق روسي- «إسرائيلي» بشأن الطلعات الجوية فوق سورية، وبأن سورية لن تفتح جبهة الجولان أمام عمليات المقاومة ضد «إسرائيل» وأن الهدف الروسي هو محاربة الإرهاب، جاء لكي يخفي فشل نتنياهو وعجزه عن إقناع الروس بمشروعية تخوفاتها الأمنية، وليس نتنياهو وحده من هو قلق من الخطوة والقرار الروسي، فتركيا التي كان خليفتها يحلم بالصلاة في المسجد الأموي «لص مصانع حلب»، وفي اقتطاع جزء من الأراضي السورية من خلال دعم أميركا وأوروبا الغربية لمشروعه بإقامة منطقة عازلة وآمنة في الشمال السوري، بات يدرك أن فشله في كل ذلك سيعيد لتركيا دورها وحجمها الطبيعي، هذا الدور الذي تعاظم وانتفخ قبل التدخل الروسي المباشر، وبنى أردوغان رهاناته عليه للفوز في الانتخابات المبكرة في تشرين ثاني المقبل، سيجد نفسه أمام استحقاقات قد تجر عليه هزيمة كبرى في هذه الانتخابات، ومن فشل الى فشل أكبر، قد يطيح بحزب العدالة والتنمية الأردوغاني، وينهي الى غير رجعة حقبة الإخوان المسلمين.
وكذلك ليس القلق فقط ينتاب «إسرائيل» وتركيا فالسعودية وبقية مشيخات النفط التي كانت تقول لحلفائها وشركائها من التنظيمات الإرهابية على الأرض السورية بأنه لا حل سياسياً للأزمة السورية إلا برحيل الأسد، فهي باتت الآن أمام مستجد جديد بعد التدخل الروسي، ولا مجال للاستمرار في التمسك بمثل هذا الموقف، وخصوصاً بأن مكونات العدوان الرئيسية من أميركا الى أوروبا الغربية فحتى الأمين العام للأمم المتحدة تبدلت رؤيته ومواقفه بشأن الحلّ السياسي في سورية، فقد نتج من القرار الروسي بالمشاركة المباشرة في الحرب على الإرهاب في سورية واقع سياسي جديد في سورية وحولها، يكون فيه الحديث عن شروط غربية تتصل بموقع الرئيس السوري لإطلاق العملية السياسية نوع من الهراء والسخف. ولهذا أطلق ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ولأول مرة منذ الأزمة قولاً مفيداً يقول فيه «إنّ مصير الأسد يقرّره الشعب السوري حصراً»، وتبعه في ذلك مسؤولون غربيون من أكثر من دولة حيث صرحوا بمرارة قائلين: «إنّ اشتراط تنحّي الأسد لإطلاق العملية السياسة هو أمر هراء وغير واقعي».
والمتغير هذا ليس هو الوحيد الذي قاد وسيقود اليه الموقف والقرار الروسي، بل هو سيعرّي أميركا وحلفائها من الحرب على الإرهاب، حيث هم يخوضون حرب بهلوانية استثمارية في الحرب على «داعش» ضربات محدودة غير فاعلة ومؤثرة، وكذلك تقديم الدعم لـ«داعش» من جهة أخرى، فهنا ستكون حرب حقيقية على الإرهاب، وستنشأ جبهة إقليمية لها قوامها ومحورها روسيا إيران سورية وحزب الله، وربما يكون العراق جزءاً منها وسيكون الباب مفتوحاً لمكونات أخرى لكي تكون جزءاً من هذه الجبهة على ضوء التطورات في اليمن، وهذا من شأنه أن يغيّر من خريطة ومعادلة التحالفات والتوازنات الاستراتيجية في المنطقة، والتي قد ترجح تدريجياً لمصلحة محور المقاومة.
والمتغيّر الآخر الواضح هنا، أن التدخل العسكري الروسي في سورية، يرسم سقوفاً لأدوار دول الإقليم «المتورطة» في الأزمة، ويضع قيوداً لا يمكن إنكارها، على «هوامش» الحركة والمناورة التي لطالما تمتعت بها هذه الأطراف طوال السنوات الخمس الفائتة، والمؤكد أن موسكو ستعلب من الآن وصاعداً، دور «ضابط إيقاع» الأحداث والتطورات في سورية، وحتى إشعار آخر.
هذه المستجدات الناشئة عن الموقف الروسي بالتدخل العسكري المباشر في الحرب على الإرهاب في سورية، جعلت المواقف الأميركية والأوروبية الغربية و«اسرائيل» والتوابع من جماعة التتريك ومشيخات النفط والكاز تمتاز بالتناقض والرفض والتشكيك والهجوم على هذه الخطوة النوعية الروسية، لكونها تخلق واقع تنسيق ميداني بين روسيا ومكونات محور المقاومة بما فيها إيران وحزب الله، وكذلك جزء منها له علاقة بحرب إعلامية تضليلية وحرب نفسية، لخلق نزاعات أو خلافات بين روسيا وأطراف حلف المقاومة، لكي تختلف ولا تنجح في مهمتها ومسعاها في الحرب الحقيقة على الإرهاب.
على رغم كلّ هذه الحرب والهجوم والتشكيك والرفض الأميركي والأوروبي الغربي للقرار والموقف الروسي، إلا أننا نرى أن المنطقة الآن أقرب من أي وقت مضى لحلول سياسية من صنعاء وحتى دمشق تحترم إرادة الشعوب وسيادتها، وتضع حداً للإرهاب والتطرف الديني، وتعيد للمنطقة أمنها واستقرارها وتحفظه قوة ذاتية وتحالفية لا يكون لأميركا وأتباعها سيطرة أو نفوذ عليها.
Quds.45 gmail.com