أميركا تخسر كلّ الرهانات في سورية…
جمال العفلق
أخيراً أعلن المخطط والمحرك لمشروع الفوضى الخلاقة هزيمتة، وحاول المتحدثون باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية أن يستعيروا كل العبارات لحفظ ماء الوجه، قد خسرت أميركا كل الرهانات في سورية، ولم يعد هناك طريق آخر إلا قبول الأمر الواقع، السوريون انتصروا ولم ينجرّ كلّ المجتمع السوري بتكوينه المتنوع والمتعدّد الى الحرب الطائفية والأقليات التي طالما راهن عليها أعداء الشعب السوري لم تنجر الى القتال وبقي صوت الوطن ـعلى من صوت الرصاص.
من دعم إعلامي الى مالي وعسكري خمس سنوات ومعسكر العدوان على سورية يجرب أن يجد اختراقات، عمليات اغتيال بالجملة وفتح أبواب اللجوء وتسهيل الطرق لوصول المنشقين وتصنيع للأخبار وتهم بالجملة واتهام باستخدام الأسلحة الكيماوية وتدريب معارضة معتدلة ومؤتمرات تحت اسم أصدقاء الشعب السوري، رهان على الملف النووي ورهان آخر على أوكرانيا وفتح جبهة اليمن وتعطيل الحياة السياسية في لبنان وإقفال الحدود مع الأردن وتسليم مفاتيح الحدود التركية للمرتزقة وحصار اقتصادي وإعلامي وسياسي، كل هذا تحت اسم «الربيع العربي» والمطالب المحقة التي نسيها العالم ولم يبقَ إلا الحرب والدمار.
واليوم تتسابق وسائل الإعلام لنقل التصريحات في الأخبار العاجلة عن تغيّر مواقف كانت ترفض أي تغيير أو تبديل وتمسك أصحابها بعبارة واحدة ومشاريع وهمية عن إسقاط النظام وحل الجيش وتشكيل قوة جديدة ترضي مشروعهم، بدأ جون كيري برفع الراية البيضاء وتبعته أوروبا بصقورها من الفرنسيين والألمان وبدأ أردوغان المدلل لدى «إسرائيل» بتبديل خطابه تجاه سورية، هذا الخطاب الذي بدأ صاحبه بوعد الصلاة في مسجد بني أمية الكبير وانتهى اليوم بالقبول بالحل السياسي إذا ما وافقت دمشق على التفاوض، وفي هذا الازدحام السياسي بقي العرب نياماً ملتزمين الصمت، وتوقف ما يسمى ائتلاف الدوحة عن نشر بياناته التي كانت انعكاساً لقرار المشغل والممول العربي.
لم يشك السوريون في يوم من الأيام بانتصارهم، فمن كان حصان الرهان عند الأميركي هو من المرتزقة ولم يبنِ المرتزقة وطناً في يوم من الأيام، ولم يكن لهم ولاء إلا للمال والنفوذ والشهوة. لهذا وجد الأميركي نفسه بعد خمس سنوات في مستنقع لا نهاية له، فلم تستطع أميركا أن تشكل معارضة موحدة ذات قاعدة شعبية لدى الشارع السوري، ولم يفهم الأميركيون كيف بقي الجيش السوري موحداً وحجم الانشقاقات فيه لا يشكل رقماً حقيقياً على الأرض، اعتمد الأميركيون على النصرة فخذلتهم واعتمدوا على داعش فكان أكثر سوءاً وفشلاً من سابقته، راهنوا على العصبية الدينية فلم تكن كما أرادوا، ابتدعوا فكرة تدريب المعارضة المعتدلة فدربوا من دربوا وعند وصول الدفعة الثانية من هذه القوة صُدِم الأميركيون بأنّ المتدرّبين باعوا أسلحتهم للنصرة وقبضوا الثمن.
وكانت أزمة اللجوء التي أغرقت أوروبا بالسوريين وغير السوريين الذين استخدموا جوازات سفر سورية للوصول الى الغرب عاملاً آخر أثقل على دول العدوان وأحرج موقفها أمام الرأي العام العالمي.
ليأتي القرار الروسي الصريح: دمشق خط أحمر ولا مفاوضات على إسقاطها، والجسر الجوي الروسي لن يستطيع أحد منعه أو وقفه مهما كان السبب، ومعركة سورية هي على أسوار موسكو ولا فصل بينهما، وانتظر الأميركيون أي تغيّر على الأرض وفي الميدان بانتظار أن تنحسر المعارك لمصلحة المرتزقة، ولكن الأخبار لم تأتِ بما يرضي المشغلين لهذا أصبح من الضروري رفع الراية البيضاء وإعلان الهزيمة والقبول بالواقع الذي فرضته قوة الجيش والمقاومة وتمسك دمشق بالمبادئ وعدم التنازل لدول العدوان، فمحاربة الإرهاب أولوية ووقف تمويل العصابات الإرهابية هو شرط لإنهاء حالة القتال، والتوقف عن تصنيع الأخبار الملفقة يسهل عملية التفاوض والبحث في الحوار، ويبقى على الأميركي أن يجد له ممثلاً سورياً ليرسله إلى طاولة الحوار، فما يسمى ائتلاف الدوحة أصبح ورقة عديمة النفع بكل تكوينه، والأعضاء المنتمون له آن لهم أن يخرجوا الى التقاعد مع التعويض المناسب كلٌ بحسب الجهة التي يتبع لها، أما معارضة الداخل «الوطنية» فلا تقبل أن تكون ممثلاً لأميركا أو لأي من دول العدوان، ولهذا لن يجد الأميركيون بين هؤلاء من يحمل ورقة شروطهم إن بقيت لديهم شروط.
إن ما قام به الأميركيون ومن خدم مشروعهم من الأوربيين والعرب هو جريمة بحق الشعب السوري وتمويل الإرهاب الذي لطالما تحدثت الولايات المتحدة الأميركية عن محاربته هو جريمة بحق الإنسانية، فهذه الجماعات الإرهابية ستكون عبئاً ثقيلاً على البشر أينما حلت ووجدت، ومن ساهم في تطويرها ودعمها وتمويلها بهذا الشكل القبيح سوف يكلف العالم آلاف القتلى الجدد.
لقد استثمرت الولايات المتحدة الأميركية وما يسمى «إسرائيل» الإرهاب أسوأ استغلال، وحولت الشرق الأوسط الى كتلة من نار. وعلى أميركا أن تتحمل المسؤولية عن كل هذه الجرائم.
أما السوريون الذين جمعتهم دوائر الاستخبارات لتصنع منهم وجهاً معارضاً فعليهم أن يعودوا الى تلك البلدان التي يحملون جنسيتها ومن يحمل الجنسية السورية فقط عليه أن يقبل بمحاكمة الشعب السوري، فعدد الضحايا من السوريين ليس بالقليل والخسائر المادية ليست بالرقم البسيط وعلى كل من ساهم في هذا الخراب أن يسدد فاتورة التعويض، وهي أن يكف عنا، فالشعب السوري لا يحتاج إلى وصي عليه وهو شعب حي منذ سبعة آلاف سنة وقادر على البناء وسيبقى في خط المقاومة الى أن يقضي الله امراً كان مفعولاً.