بوتين لتذليل الخلافات مع أوباما… لكن الشعب السوري يقرّر من هو رئيسه ربع ساعة ساخن حول التعيينات والترقيات يهدّد بنسف الحكومة والحوار
كتب المحرر السياسي
مع الاجتماع الذي سيعقد في جنيف الأسبوع الأول من الشهر المقبل بشراكة روسية أميركية إيرانية مصرية تركية سعودية، تحت عنوان مجموعة التواصل حول سورية تحضيراً لانعقاد مؤتمر جنيف الثالث الذي سيضمّ كافة مكونات المعارضة السورية وممثلي الحكومة، يكون ما سعى إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تحقق، فانتقلت مناقشة الخلافات حول الإطار السياسي للحلّ في سورية إلى طاولة تضمّ الدول الإقليمية المعنية بالحرب في سورية والحرب على الإرهاب، بما فيها من لا يزال يقدّم التسهيلات والدعم للتنظيمات المتفرّعة من رحم «القاعدة» ويضع حربه على سورية في أولوياته، ومن يريد حلفاً حقيقياً لمواجهة الإرهاب ويدرك أنّ بوابته تمرّ من التوافق على التعاون مع الدولة السورية، وفتح باب المصالحة الوطنية بين الأطراف السورية المتخاصمة والمستعدّة للتعاون في الحرب على الإرهاب، وضمان الالتزام بوقف التسليح والتمويل للمجموعات المسلحة، وإقفال الحدود أمامها.
حسابات الرئيس بوتين تنطلق من أنّ خطر الإرهاب سيسيطر على كلّ بحث جدّي في الأزمة السورية، وانّ واشنطن لن تتجرّأ على المضيّ قدماً إلى حيث يدعوها ما لم يقدّم لها بشراكة إيرانية، مساعدة
تهون على حلفائها شروط التأقلم مع سورية عنوانها الرئيس بشار الأسد وجيشه في هذه الحرب، وأنّ التوافق مع واشنطن كاف عندما يتمّ تحت عناوين عريضة، من نوع التنسيق العسكري، الذي يجعل التموضع الروسي في سورية أمراً واقعاً غير مطروح للنقاش والتداول باعتباره أشدّ شرعية من التدخل العسكري الأميركي في سورية تحت عنوان الحرب على الإرهاب دون تفويض أممي، ودون موافقة الدولة المعنية وهي سورية.
حسم أمر شرعية الوجود العسكري الروسي في سورية ومعه حسم أمر شرعية الدعم التسليحي للجيش السوري، وبقي تزخيم الحلّ السياسي في سورية.
حدّد الرئيس بوتين جوابه سلفاً على هذا العنوان، فتفاصيل ومفردات الشأن السوري هي للسوريين من بنود دستورية وحسم مكونات المؤسسات السيادية الرئاسية وسواها، إما بتوافق مكوناتهم عبر الحوار أو بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، التي يصير على المشاركين من غير السوريين، مساعدتهم لبلوغها بأعلى درجات الاطمئنان لعملية انتخابية متكافئة.
وبينما يستعدّ ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسية ودانييل روبنشتاين نائب وزير الخارجية الأميركية، وحسين أمير عبد اللهيان معاون وزير خارجية إيران، للتعرّف على شركائهم في لجنة التواصل حول سورية ممثلي مصر وتركيا والسعودية، قال الرئيس بوتين إنه سينجح في التغلب على نقاط الخلاف مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، لكن لا أوباما ولا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مواطنين سوريين ليكون لهما حق تقرير من يحق له أن يكون رئيس سورية، فرئيس سورية يقرّره السوريون وحدهم.
مع هذه الحصيلة المجزية التي يخرج بها الرئيس بوتين يستعدّ للتوجه إلى مينسك لقمة النورماندي التي ستضمّه مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعدما أنجز وزير خارجية سويسرا ديديي بوركهالتر التحضيرات اللازمة لإنجاز التفاهم النهائي حول الأزمة الأوكرانية في هذه القمة، تمهيداً لانتقال مساعية إلى الملف السوري الذي يتولى السويسري نيكولا ميشال مهام رئاسة لجنة التواصل السياسية بين الحكومة والمعارضة، في الفريق الأممي الذي يرأسه ستيفان دي ميستورا تحت عنوان الحلّ السياسي في سورية والتحضير لجنيف الثالث.
لبنان الذي لا يضبط ساعته على إيقاع المناخات المتجهة نحو التصعيد أو التهدئة، بعدما تحوّل إلى صندوق بريد إقليمي دولي، يبدو أنه بانتظار ربع ساعة ساخن قبيل تبلور الصورة النهائية لمساعي الحلحلة التي كانت عرفت تقدّماً حثيثاً في ملف ترقيات عدد من عمداء الجيش اللبناني تمهيداً لإرساء مناخ من الهدوء والإيجابية في ساحتي الحكومة وطاولة الحوار، بعدما تبدّل موقف تيار المستقبل مرة أخرى، من تسهيل التفاهمات إلى تمرير الاستفزازات، كما وصلت رسالة مقايضة ترقية العميد شامل روكز إلى رتبة لواء بتعيين العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، للعماد ميشال عون، فخرج يعلن معادلته لا قيادة جديدة لقوى الأمن الداخلي بدون قيادة جديدة للجيش.
رسالة سعودية عبر لبنان احتجاجا على مناخات التفاهمات التي برزت حول الانفتاح على الرئيس السوري عالمياً وإقليمياً، عبر التلويح بتسخين لبناني لا يتحمّله العالم في هذا التوقيت، أم هي مجرّد حسابات محلية تريد مساومة أسعار مع العماد عون، لصفقة لا تصل إلى النهاية إلا مع بلوغ اللحظة الأخيرة قبيل خروج العميد شامل روكز من الخدمة العسكرية، أملاً بوضع العماد عون في مواجهة إفشال طاولة الحوار والتصعيد في مسرح آخر هو علاقته برئيس مجلس النواب نبيه بري، والرهان على توازنات جديدة ينتجها هذا التموضع والتشقّق، وهو ما بدأت مؤشراته مع الإشارات التي أطلقها عون في مؤتمره الصحافي أمس وحملت بوادر عودة للتوتر في العلاقة مع الرئيس بري وفريقه من بوابة وزارة المالية هذه المرة.
عون لم يقع في فخ «المستقبل»
لن ينجو الحوار الوطني ومجلس الوزراء من تداعيات الخداع السياسي الذي دأب تيار المستقبل على ممارسته، فعقد جلسات هيئة الحوار المرتقبة أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس المقبلة باتت مهزوزة، بعد أن نصب تيار المستقبل لرئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون في خطة البنود التسعة فخاً تنبّه له ولم يقع فيه، فالطرح الذي نشر في إحدى الصحف كان نوعاً من الاختبار وجسّ نبض العماد عون، الذي ليس بصدد التنازل عن كلّ شيء مقابل أمر ليس له أيّ قيمة عملية، خصوصاً أنّ الضابط ليس في الرتبة التي تمنح له إنما بالوظيفة، وخطة تيار المستقبل بالتنسيق مع الرئيس السابق ميشال سليمان تنص في إحدى بنودها على تحديد مركز للعميد شامل روكز بعد ترقيته إلى رتبة لواء، على أن يختاره قائد الجيش.
وتشير مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» الى «أنّ ما جرى يعتبر تطوّراً دراماتيكياً، لا سيما أنّ التسوية تحدّدت من 3 نقاط:
النقطة الاولى: تفعيل عمل الحكومة على قاعدة التوافق، وفق صيغة تنص على أنه إذا اعترض مكونان على بند أساسي يسحب من جدول الأعمال شرط عدم تعطيل السلطة التنفيذية.
النقطة الثانية: ترقية 3 ضباط من رتبة عميد إلى رتبة لواء لواء ماروني+ لواء شيعي+ لواء سني وفق قانون الدفاع 1979 .
النقطة الثالثة: فتح مجلس النواب واستئناف التشريع ووضع قانون الانتخاب واستعادة الجنسية على جدول الأعمال الجلسة العامة.
ولفتت المصادر الى «أنّ المفاجأة كانت بأنّ الخطة فتحت بازاراً كبيراً له علاقة بقوى الأمن بتعيين مديرعام جديد لقوى الأمن الداخلي العميد عماد عثمان أو العميد سمير شحادة وتعيين أعضاء مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي بعدما أحيل معظم أعضاء المجلس الحالي للتقاعد، على حساب أصحاب الحق. ولهذه الغاية، شدد العماد عون عقب اجتماع التكتل على «أن لا قيادة لقوى الأمن من دون قيادة للجيش». وقال: «نسمع في الصحف الكثير عن تسويات في الحوار ولكننا لسنا من جماعة التسويات لا في الترقيات الأمنيّة ولا غيرها»، معتبراً «أنّ هناك من يريد تطيير الحوار».
الحوار عرضة للانهيار
وشدّدت المصادر لـ«البناء» على «أنّ معالجة ذيول سياسة التسويف التي ينتهجها تيار المستقبل باتت صعبة جداً»، مشيرة إلى «انّ ما حصل لن يمرّ مرور الكرام، إنما سيؤثر على استمرار عمل الحكومة كمكون وحيد يدير البلد في المرحلة الحالية وعلى جلسات الحوار الوطني». وأكدت المصادر «أنّ الحوار بات عرضة للانهيار، وأنه إذا لم يتمّ تعديل موقف تيار المستقبل حتى يوم الاثنين المقبل فإنّ العماد عون يتجه الى مقاطعة الحوار وبالتالي توقفه عند الجلسة الرابعة.
في المقابل، أكد وزير العمل سجعان قزي لـ«البناء» ان الترقيات من خلال الطرح الحالي مخالفة للأقدمية ولقانون الدفاع الذي عدّل في عام 1983». ولفت قزي الى «أنّ حزب الكتائب لن يخضع لأيّ شروط تمسّ بالقانون والمؤسسات. وإذ أعلن «أنّ حزب الكتائب لن يكون عقبة ولن يعرقل اي اقتراحات مقدّمة وفق القوانين المرعية الإجراء»، سأل: «إما نقبل أن تطير الترقيات أو نقبل أن يطير الجيش»؟ وبالطبع لن نسمح بأن تهتز المؤسسة العسكرية».
سليمان متمسك بترقية الغفري
وأكد الرئيس ميشال سليمان انّ مصلحة المؤسسة العسكرية فوق كلّ اعتبار، مشدّداً خلال اجتماع كتلته الوزارية في اليرزة، على ضرورة ان تبقى هذه المؤسسة خارج إطار الصراعات. وبإيعاز من السفير السعودي ذكّر سليمان بأنّ هبة المليارات الثلاثة السعودية لتسليح الجيش دخلت حيّز التنفيذ، مثمناً الدور الفرنسي الحريص على ضرورة مساعدة المؤسسة العسكرية لمحاربة الإرهاب.
وعلمت «البناء» من مصادر مقرّبة من الرئيس سليمان أنه متمسك بترقية قائد الحرس الجمهوري العميد وديع الغفري من عميد الى لواء وهو يحتلّ المرتبة الثانية بين العمداء الموارنة لناحية الأحقية والأقدمية… وعليه ينقل عن سليمان قوله انه لن يوافق على ايّ تسوية الا من ضمن احترام هذه التراتبية فيما يتعلق بالترقية من عميد الى لواء، اما الرئيس فؤاد السنيورة فهو متمسك أيضاً بترقية العميد مارون حتي نائب رئيس الأركان لشؤون التخطيط الذي يأتي في المرتبة الاولى بين الضباط الموارنة. وعلم أنّ عدداً من الضباط العمداء الموارنة قد أجروا اتصالات مع مرجعيات دينية مسيحية وغيرها للتعبيرعن رفضهم للتسويات في مسألة الترقية من عميد إلى لواء عبر تفضيل ضابط على آخر لأسباب عائلية أو سياسية من دون احترام الأقدمية والأحقية والتاريخ العسكري والأهلية لكلّ الضباط .
وقرأت أوساط سياسية لـ«البناء» معارضة سليمان للترقيات، من بوابة أنّ تيار المستقبل يتجنّب المواجهة المباشرة مع العماد عون، ويتجنّب ان يُظهر الخلاف على «أنه «سني ماروني»، ولذلك يستخدم الرئيس سليمان كأداة لتنفيذ ما يريده، لا سيما أنّ الأخير لا يملك شيئاً ليخسره في الشارع الماروني، ولا في الشارع السياسي، وبعد أن تعذّر على السعودية الضغط عبر رئيس حزب القوات سمير جعجع لإفشال ورقة النوايا، والطلب منه دعم الحكومة».
وفي سياق متصل بالتعيينات تقدّم العميد في الجيش حميد إسكندر بواسطة المحامي ميشال حنوش بمراجعة طعن أمام مجلس الشورى بقرار وزير الدفاع سمير مقبل تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي.
حملة «بدنا نحاسب» تفتح باب المحاسبة على مصراعيه
في غضون ذلك، لا تزال خطّة وزير الزراعة أكرم شهيب للنفايات تواجه اعتراضات الحراك المدني والأهالي في عكار والناعمة والمصنع. ولهذه الغاية التقى شهيب أمس مع مجموعة من البيئيين بحضور وزير الداخلية نهاد المشنوق، موضحاً «أنّ هدف الطرفين واحد وهو إزالة النفايات من الطرقات».
وأعلن وزير الزراعة أكرم شهيّب بعد انتهاء الاجتماع مع وفد الحركة البيئية، أن «اجتماع الليلة نقطة مضيئة في هذا المسار كوننا توصلنا الى اتفاق على كل النقاط، وقد حصر النقاش في الشق التقني وأن الجميع حسموا القرارات الأساسية وفريق جمعية «لا فساد» سينشر كل التفاصيل على موقعه الالكتروني غداً».
وأضاف: «سننطلق في الاربع والعشرين ساعة المقبلة للبدء في خطة ازالة النفايات، الجميع تعبوا لتظهير هذه الخطة والهدف الإنطلاق من خطة طارئة الى خطة مستديمة».
وفتحت حملة بدنا نحاسب باب محاسبة السلطة على مصراعيه تحت عنوان «وقف الهدر في الكهرباء ومحاسبة الفاسدين ولا تعنينا أي مفاوضات معها، ودعت الحملة في مؤتمر صحافي من أمام وزارة الطاقة الى تحرّك يوم السبت المقبل في 3 تشرين الأول أمام مؤسسة كهرباء لبنان، على أن يحدّد وقته لاحقاً. وكانت المجموعة اعتصمت امام أحد مداخل وزارة الطاقة، احتجاجاً على فاتورة الكهرباء.
سلام يلقي كلمة لبنان اليوم في الجمعية العمومية
وفي نيويورك، يلقي رئيس الحكومة تمام سلام اليوم كلمتين واحدة في مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان إلى جانب كلمة لبنان في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها السبعين. وكان سلام شارك ووزير الخارجية جبران باسيل وسفير لبنان لدى الأمم المتحدة نواف سلام، في قمة مواجهة الإرهاب والتطرف التي انعقدت في مبنى الأمم المتحدة برئاسة الرئيس الاميركي باراك اوباما. والتقى على هامش أعمال القمة الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي في مقر الأمم المتحدة، وأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، ووزير خارجية الفاتيكان الكاردينال بول كالاغر. وبحث في حضور باسيل مع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، العلاقات الثنائية والأزمة السورية وتداعياتها على لبنان. واستقبل في مقرّ إقامته في فندق «والدورف آستوريا» في نيويورك، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا حافظ غانم.
كما لبّى وعقيلته دعوة أوباما لحضور حفل استقبال أقامه على شرف رؤساء الوفود وعقيلاتهم، في مقرّ إقامته في فندق «نيويورك بالاس».