ما يحدث في العراق يستوجب التروّي والقراءة الدقيقة
محمد شريف الجيوسي
قراءة ما يحدث الآن في العراق بدقة ونزاهة وبعد نظر ليست أمراً يسيراً، فلدى وسائل الإعلام وبخاصة الغربية والتابعة لها ما يكفي من القدرة على التضليل وتزوير الحقائق وتأليب النفوس ومسح الأدمغة وزرع الفتن، وهو ما شاهدناه على فضائيات التلفزة وسمعناه على الأثير وقرأناه على صفحات الجرائد وشبكات المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وجميعها أسهمت بشكل كبير فيما هي الأمة عليه من حال سيئة.
لقد أوصلت وسائل الإعلام غالباً رسائل مضللة عما يجري في سورية كمثال، ليس منذ بدء الأزمة في 17 آذار 2011 فحسب وإنما أيضاً قبل ذلك بوقت، وتلقف كثيرون هذا التضليل والتزوير والتأليب وقلب الحقائق ومسح الأدمغة وزرع الفتن، على أنها حقائق، واستجابوا لما كان عليهم ألا يستجيبوا له، وإن كانت هناك أخطاء وثغرات ونواقص وفساد هنا أو هناك.
لكن ما يحدث في العراق فيما يبدو يخالف ما حدث في سورية اعتباراً من آذار 2011، لكنه مشابه أقول فيما يبدو ولا أجزم على ذلك من حيث التضليل الإعلامي وما ماثله، حيث تقول وسائل إعلام وكتاب لا نقدر على الجزم بدقة تقاريرها وما تطرح من أن وجود داعش في شمال العراق محدود جداً وغير مبادر أو قيادي، وأن زمام المبادرة تعود إلى قوى سياسية قومية ويسارية وشعبية أخرى ليست على اتفاق لا مع السعودية ولا مع تركيا أو الفكر الوهابي التكفيري وداعش والقاعدة وإضرابهم.
ولا بد من أن هدف المعلومات القائلة بأن السعودية وداعش وإضرابها والانفصاليين الأكراد وراء ما يحدث في العراق، فإن الهدف من ترويجها، جرّ إيران وسورية، إلى مواجهة القوى الصاعدة، بعد أن فشل الغرب في إسقاط الدولة الوطنية السورية فشلاً ذريعاً، وفشل في العبور إلى إسقاط الجمهورية الإيرانية الإسلامية من الداخل أو عبر ملفها النووي أو عبر شن الكيان الصهيوني حرباً مباشرة عليها أو سوى ذلك ربما من خيارات.
بل إن المبالغة في الحديث عن محاولة إسقاط الحكومة المركزية في بغداد، لا يخفي فحسب إخفاقاً إعلامياً كبيراً إن أحسنا الظن، بل يعني أيضاً محاولة استعجال لتوسيع قاعدة الصراع لجر قدم إيران إلى الحرب، وإعطاء الحرب طابعاً مذهبياً أشد رسوخاً وإشغال العراق عن منع تسلل الجماعات الإرهابية من وإلى سورية، وبالتالي تشديد الحرب الدولية على سورية.
لا يرجّح أن تنزلق واشنطن إلى الحرب، لكنها ستحارب بالواسطة ليس حفاظاً على جنودها فحسب، ولكن لكي يبدو الصراع محلياً نظيفاً ، يقتتل فيه أبناء الدين الواحد والقومية الواحدة والبلد الواحد والمنطقة الواحدة، وستكون هي ساعي خير تحاول إحلال السلام فيما هي وكيانها الصهيوني يقطفان الثمار.
لا يبدو أن حراك شمال العراق قد بدأ ليتوقف، ولا يبدو أن الأطراف الإقليمية راغبة في أن تحصد الفراغ بنتيجته، ولا يبدو أيضاً أن استغراقه في الوقت سينعكس لبناً وعسلاً على المنطقة، فيما للغرب مصلحة كبرى في استمراره، حتى استكمال حصاد الخريف الأميركي في المنطقة، بعد الانتكاسات المتعددة التي لقيها بأمل حصاد نتائج إيجابية تعوض الخسائر.
وعليه فليس من مصلحة قوى المقاومة وحلفائها في المنطقة، الانجرار إلى دائرة الصراع الراهنة في العراق إلا في حال دخلت أميركا وحلفاؤها بشكل مباشر فيه بل إن مصلحتها الدفع باتجاه التهدئة وفتح أبواب الحوار بين الأطراف ووضع حد للمحاصصات الطائفية والتوجه بقوه نحو إقامة الدولة المدنية بكامل استحقاقاتها، وهي الحل الأمثل لبلد كالعراق يشتمل على العديد من المكونات الاثنية والدينية والطائفية والمذهبية، والأطماع الخارجية فيه أكثر من أن تحصى، ما يستدعي ألا يتغول فيه أحد على الآخرين.
ثمة أخطاء وخطايا ارتكبت من قبل الجميع، وإن تكن بنسب وأقدار متباينة، لكن العراق أعز من الجميع، وتقسيمه كارثة لا ينبغي أن تمر، ووحدته أرضاً وشعباً وهوية هدف لا ينبغي التفريط به، ودرء الخطر الصهيوني يتخذ أولوية، كما خروج سورية معافاة تماماً، ولن يتحقق هذا أو ذاك في ظل عراق ممزق مقتتل مجزأ في الواقع يعيش واقعاً طائفياً مذهبياً إثنياً.
بكلمات، إن اتخاذ مواقف متسرعة مما يجري في العراق بمثابة صب للزيت على النار، وتنبغي قراءة ما يحدث بروية وبصيرة استراتيجية، غير خاضعة لنقل إعلامي لا نقدر الآن على الجزم بصحته ولا بعدمه.