مَن يربط مصير الرئاستين اللبنانية والسورية؟
ناصر قنديل
– في تعليقه على حوار السيد حسن نصرالله على قناة «المنار» قال الرئيس سعد الحريري خلاصة بدت غير مفهومة لمن استمع إليه، عندما اتهم حزب الله بربط الانتخابات الرئاسية في لبنان بمستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، بينما العودة إلى كلام السيد نصر الله لا ترينا أثراً لاتهام الحريري، فقد أوضح السيد نصرالله «أنّ العقدة رئاسياً معروف مكانها ولبنان بحاجة الى رئيس قوي، شخصيته قوية لا يُباع ولا يُشرى ولا يخاف من التهديدات في المنطقة ويقدّم المصالح الوطنية على غيرها»، وأضاف: «أنّ المواصفات التي نراها مناسبة لموقع رئاسة الجمهورية تفرض علينا دعم العماد ميشال عون وليس العكس»، لافتاً الى «أنّ فرصة العماد عون ستزيد في الوصول إلى الرئاسة وهو مستقلّ لا يرتبط بدولة ولا بسفارة ولا بأي جهة»، وأوضح السيد نصرالله أنه «إذا لم نتفق بشأن ملف الرئاسة فسنتناقش بشأن الملفات الأخرى على طاولة الحوار». والعبارة الوحيدة التي يمكن أن يكون كلام الحريري مستنداً إليها في كلام السيد نصرالله هي الدعوة إلى عدم الرهان على متغيّرات إقليمية تجعل العماد عون موضوع مساومة، لأنّ هذا لن يحدث بالمبدأ، وإذا كان الرهان على ضعف الحلف الذي يشكل حزب الله جزءاً منه إقليمياً وانتصارات يحققها الحلف المقابل الذي تقوده السعودية ويشكل تيار المستقبل جزءاً منه، فقناعة حزب الله هي أنّ المتغيّرات ستجيء لمصلحته ومصلحة حلفائه إقليمياً، وليس العكس، ومن هنا القول، إنّ «فرصة العماد عون الرئاسية ستزيد».
– كلام الحريري لم يناقش ما قاله السيد نصرالله، بل قفز فوراً إلى ما يدور في ذهنه هو من رهان على أنّ الرئاسة اللبنانية ستكون في مناخات أفضل إذا تأجلت لما بعد التطورات التي تعصف في المنطقة، والتي يتوقع الحريري ما يقول له السعوديون إنه حاصل، وهو أن تؤدّي هذه التطورات إلى رحيل الرئيس السوري، وبالتالي خلق مناخ ضاغط على حزب الله وحلفائه يجعل التفاوض حول الرئاسة من موقع قوة بالنسبة للحريري وحلفائه، كاشفاً عن ربطه هو وفريقه للرئاسة اللبنانية بمستقبل الرئاسة في سورية، وتعمّد تأجيل البحث الجدي بالتفاهم على الشأن الرئاسي مع العماد ميشال عون، إلا إذا ارتضى عون التفاوض وكأنّ ما في ذهن الحريري قد تحقق فيقبل التصرف وكأنّ الرئيس السوري خارج الرئاسة وأنّ سورية تغيّرت وأنّ حزب الله وحلفاءه قد تلقوا هزيمة، وإلا فالانتظار حتى يتحقق ذلك، فهل في هذا بعض من عقلانية وواقعية سياسية؟!
– كان مفهوماً خلال بدايات الفراغ الرئاسي، وتوقعات السعودية لما سينشأ وفقاً لحساباتها في المنطقة، أن يحتفظ الحريري بورقة الرئاسة في جيبه ويرفض الإفراج عنها حتى تتحقق متغيّرات وعده بها السعوديون، من إفشال التفاوض الهادف إلى إنجاز التفاهم حول الملف النووي الإيراني، إلى النجاح في تسويق «جبهة النصرة» فصيلاً معتدلاً في المعارضة السورية والنجاح بالتعاون مع تركيا في إقامة منطقة عازلة يحميها حظر جوي أطلسي للطيران السوري في شمال سورية ومثلها بتعاون سعودي أردني «إسرائيلي» في جنوب سورية، تمهيداً لغزوة دمشق بعد إفشال حملة حزب الله والجيش السوري المتوقعة في القلمون بقوة «جيش الفتح» الذي يشكل أحد الأسماء الجديدة لـ«جبهة النصرة»، تسهيلاً لإغفال كونها فرع تنظيم «القاعدة» المعتمد رسمياً، على أن يتوّج كلّ ذلك بحرب تخوضها السعودية وتسحق الحوثيين في اليمن وتضع يدها على قراره، بما يجعل مؤشرات المنطقة تتجه نحو ضعف ووهن في الجبهة التي يشكل حزب الله جزءاً عضوياً منها وتعاظم في وضع خصوم هذه الجبهة وصولاً إلى الأمل بالسيطرة على سورية واليمن وإضعاف إيران.
– سار كلّ شيء عكس التوقعات السعودية، والأحلام الحريرية، من توقيع بائن للتفاهم النووي مع إيران عارضته السعودية علناً ووصفته بالسيّئ، لتعود وتمتدحه كضامن للاستقرار الإقليمي بعد زيارة الملك سلمان إلى واشنطن، وفشل تسويق «جبهة النصرة» فشلاً ذريعاً، كما فشلت اختبارات إقامة المنطقة العازلة والحظر الجوي شمال سورية وجنوبها، وأعادت المقاومة إنتاج قواعد جديدة لميزان الردع في عملية مزارع شبعا رداً على المغامرة «الإسرائيلية» في القنيطرة لرسم خطوط حمر جديدة بوجه المقاومة، وفشل حكم الرئيس التركي في الانتخابات البرلمانية في نيل الثلثين لتمكينه من تعديل الدستور وفشل بنيل الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة، وفشلت حرب اليمن وغرقت السعودية في مستنقع لا تعرف طريقاً للخروج منه، وهزمت «النصرة» و«الفتح» في حرب القلمون وآخر فصولها في الزبداني.
– لم يغيّر الحريري حساباته، وبدأت مرحلة دولية إقليمية جديدة مع التموضع الروسي العسكري الجديد في سورية، وما مثله من تحوّل جيواستراتيجي في كلّ أمن البحر الأبيض المتوسط، وتشكل حلف يضمّ روسيا والعراق وسورية وإيران ويضمّ عملياً حزب الله، يتهيأ لتشكيل القوة الصاعدة لرسم خرائط المنطقة، والغرب يعيش تراجعاً وتموضعاً عنوانه مواقف وزراء خارجية دوله وفي مقدّمتهم أميركا وبريطانيا وألمانيا تدعو إلى تغيير مفهوم الحلّ السياسي في سورية بقبول الشراكة مع الرئيس السوري، وهي تعلم أنّ القبول بالشراكة في المرحلة الانتقالية تعني الشراكة الدائمة بشهادة ما تقوله مراكز بحوثها وخلاصاتها حول الفوز المحتم للرئيس بشار الأسد في أيّ انتخابات رئاسية مقبلة.
– لو تحرّر الحريري من وطأة الأوهام التي تغزو أفكاره بفعل الأوهام والأحلام السعودية، وحسبها باللبناني، فسيعرف أنّ كلفة التفاهم مع العماد ميشال عون اليوم أقلّ من التفاهم غداً، إلا إذا أراد أن يصدّق كلام وزير خارجية السعودية عن تهديد بخيار عسكري يستهدف سورية بعدما صارت روسيا في الميدان، أو أراد أن يصدق تهديد مندوب السعودية في الأمم المتحدة لروسيا بضرورة مغادرة قواتها لسورية فوراً، من دون أن ينتبه كيف تغيّر تعامل السعودية مع جثامين الضحايا الإيرانيين في كارثة الحج بعد التهديد الإيراني بردّ قاسٍ.
– يبدو أنّ الحريري يعطل مباشرة أو بالواسطة بقاء العميد شامل روكز في المؤسسة العسكرية ليحتفظ بفرصة تولي قيادة الجيش بعد عام، ولكن هذا يعني كسر الجرة مع العماد عون، وتفجير فرص التهدئة، وأخذ البلاد إلى مواجهة قد تنجح حكمة العقلاء ببقائها حرباً سياسية، لكنها ستصبح جزءاً من حروب المنطقة، تنتهي بمنتصر ومهزوم على شاكلة ما تبدو المنطقة كلها ذاهبة إليه بفعل السياسات السعودية التي لا تجيد القراءة إلا في فنجان أوهامها، وعندها سيجد بعد عام أنه مضطر لقبول انتخابات نيابية على أساس النسبية تسبق الانتخابات الرئاسية وتتحكّم بمنصبَي رئيسَي الجمهورية والحكومة، مع احتمال ظهور فرصة لتشكيل أغلبية الثلثين من دون أن تحتاج شراكته، وما يعنيه ذلك من تغيير يتخطى بكثير الأثمان التي تشكل كلفة التفاهم اليوم.
– لماذا يُبدي الحريري إعجاباً بصعود صديقه داوود أوغلو إلى الهاوية، أم أنه استطاب لقب رئيس سابق للحكومة والعيش خارج لبنان؟