«الوطني للإعلام» يتحفّظ على تحوّل المحكمة الدولية عن مهماتها

أصدر المجلس الوطني للاعلام مذكّرة وجّهها إلى المحكمة الخاصة بلبنان، تتضمّن موقفه من القرار الاتهامي بحق تلفزيون الجديد، بجرم التحقير، جاء فيها:

«لما كان بتاريخ 31 كانون الثاني 2014 قد صدر قرار اتهامي بحق كل من شركة الجديد ش. م. ل. والآنسة كرمى الخياط وكشف عنه بتاريخ 24 نيسان 2014.

ولما كان هذا القرار قد نسب إلى كل من شركة الجديد ش. م. ل. والآنسة كرمى الخياط بارتكاب جرم تحقير المحكمة الخاصة بلبنان، كما وجّه إليهما تهمة انتهاك قرار صادر عن المحكمة وذلك بسبب عدم سحب التقارير المصورة من الموقع الالكتروني لقناة تلفزيون الجديد وموقع يو تيوب، كما توسع قرار الاتهام ليشمل جرم عرقلة سير المحاكمة والعدالة عن قصد وعلم.

ولما صدر عن رئاستكم بتاريخ 16/5/2014 قرار قضى بقبول ملاحظات أصدقاء المحكمة والأطراف بشأن مسألة اختصاص المحكمة، على أن تقدّم إلى المحكمة بحلول 16 حزيران 2014 ضمناً، وذلك وفقاً لأحكام المادة /131/ قواعد الإجراءات والإثبات العائدة إلى المحكمة الخاصة بلبنان.

فإننا نتقدّم من جانبكم بموقف المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع في الجمهورية اللبنانية ورأيه، إنفاذاً للتمنّي الذي صرّحتم به ولمنفعة القانون بشكل عام،

وبناء عليه، سوف يتناول رأينا البحث في المحاور التالية:

نتيجةً للاتفاق المعقود بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية، صدر القرار رقم 1757 عن مجلس الأمن في جلسته المعقودة بتاريخ 30 أيار 2007 والتي تحمل الرقم 5685.

ونصّ في مادته الأولى على أنه، وبموجب هذا الاتفاق، تنشأ محكمة خاصة بلبنان لمقاضاة الأشخاص المسؤولين عن الهجوم الذي وقع في 14 شباط 2005 وأدّى إلى مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وإصابة أشخاص آخرين. وإذا رأت المحكمة أن هجمات أخرى وقعت في لبنان في الفترة بين 1 تشرين الأول 2004 و12 كانون الأول 2015 أو أيّ تاريخ لاحق آخر يقرّره الطرفان ويوافق عليه مجلس الأمن، وتكون هذه الهجمات متلازمة وفقاً لمبدأ العدالة الجنائية وقد حصر اختصاص المحكمة الخاصة بمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن تلك الهجمات.

على أن تؤدي المحكمة الخاصة وظائفها وفقاً لنظامها الأساسي الذي أرفق بهذا الاتفاق وشكّل جزءاً منه.

كما نصّ هذا الاتفاق على أنّ أيّ تعديل على أيٍّ من بنود هذا الاتفاق لا يقوم إلا بناءً على اتفاق خطّي بين طرفي الاتفاق وذلك وفق ما ورد في المادة 20 منه.

وخصّ هذا الاتفاق بمادته 28 قضاة المحكمة الخاصة بلبنان بأن يضعوا القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات لإدارة الإجراءات التمهيدية والإجراءات الابتدائية وإجراءات الاستئناف وغير ذلك من المسائل المناسبة بغية ضمان محاكمة عادلة وسريعة أي أنه شرع قيامهم بوضع التطبيقات التي تؤدي إلى حسن سير العدالة وتأمين المحاكمات العادلة والسريعة ضمن الإطار القانوني المحدد.

وبمراجعة النظام الأساسي للمحكمة، خصوصاً المادتين 1 و2 منه، يظهر جليّاً بشكل لا لبس فيه ولا مجال لأيّ تأويل، أنّ هذا النظام منح المحكمة اختصاصاً حصرياً محدّداً في النظر والفصل في مسؤولية الأشخاص مرتكبي الاعتداء الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري والاعتداءات المتلازمة معه وذلك في مادته الأولى.

وعادت المادة الثانية وأكدت بشكل حصري الجرائم التي يجوز للمحكمة ملاحقة مرتكبيها وحدّدت القانون الواجب اتباعه في تجريم هذه الأفعال.

ولم يؤتَ بأيّ شكل، لا صراحة ولا تلميحاً، إلى تعداد أفعال التحقير المنصوص عليها في المادة 60 مكرّر التي أضيفت إلى قواعد الاثبات في وقت لاحق.

مع تأكيد واقعة أن الأعمال الإرهابية المقصودة والداخلة ضمن اختصاص المحكمة الخاصة وولايتها، المؤكد عليهما وفقاً للمواد 1 و2 من نظام المحكمة، إضافة إلى القضايا المتلازمة وفقاً للآلية المحددة بموجب المادتين 11 و12 من قواعد الإجراء والإثبات العائدة إلى المحكمة الخاصة.

ومن خلال ما تقدّم يتبين أن اختصاص المحكمة ليس إلا اختصاصاً جزائياً استثنائياً، كما أن شرعية المحكمة وشرعية نطاقها تتّسم بصفة الشرعية الجزائية الاستثنائية التي تفرض عدم توسيع نطاق اختصاصها بحيث يمتد ليشتمل أفعالاً جرمية جديدة لم تكن ملحوظة بشكل صريح في نظامها الأساسي، أقله بإرادتها المنفردة ومن دون استشارة السلطات القضائية اللبنانية التي تبقى لها الولاية والصلاحية الأصلية إلا بالمقدار الذي تمّ التنازل عنه بموجب الاتفاق تبعاً لمبدأ السيادة والصلاحية وهو الأمر الذي يكوّن منبع المادة الرابعة من نظام المحكمة الأساسي، الذي تمَ نقل صلاحية النظر في الجرائم المنصوص عليها في المادتين الأولى والثانية منه تبعاً لتنازل السلطات اللبنانية عن اختصاص محاكمها لهذه الناحية تحديداً.

وعليه، فإن أي توسعة لنطاق اختصاص المحكمة الخاصة في لبنان لتشمل صلاحية النظر في جرائم أخرى ليست متصلة مباشرة بالتختصاص الأصلي العائد لهذه المحكمة لا يقوم بإرادة المحكمة المنفردة، بل يجب أن يسبق بطلب تنازل عن صلاحية المحاكم الوطنية لمصلحة هذه المحكمة ذلك لأنه يمثل قاعدة أساسية في نظام الاختصاص المشترك الذي تطرقت إليه كل من المادة الرابعة والمادة السابعة عشرة من قواعد الإجراءات والإثبات.

أضف إلى ذلك فإن المنطق القانوني العام يفرض على المحكمة اتباع هذه القاعدة التي يجب أن ترعى دائماً اختصاص هذه المحكمة.

بناءً، على ما تقدم فإننا نؤكد ألّا صلاحية ولا اختصاص للمحكمة الخاصة بلبنان في محاكمة الجهات والأشخاص الذين طاولهم الإدعاء، طالما أنه لم يتم التقدم بطلب من السلطات اللبنانية بالتنازل عن صلاحية محاكمها الذي نص عليه صراحة في متن الاتفاق المعقود بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة والذي بموجبه أنشأت هذه المحكمة.

وعليه، فإن الاختصاص الاستثنائي لهذه المحكمة يبقى محكوماً بما نظمه هذا الاتفاق وما نصّ عليه نظامها الأساسي، وأيّ فعل خارج هذا الإطار معيوب وغير واقع في موقعه القانوني.

وعليه فإنه كان أحرى بالمحكمة الخاصة بلبنان إحالة المتهمين أمام القضاء الوطني الذي يبقى صاحب الاختصاص الأصلي. فالأفعال المنسوبة إلى المتهمين والذين يحملون الجنسية اللبنانية وقعت بواسطة وسائل إعلامية لبنانية وبالتالي فإن الاختصاص المكاني في ملاحقة جريمة منسوبة وقعت على الأراضي اللبنانية وبواسطة وسائل إعلامية لبنانية من جهة الحيّز المكاني تعود إلى السلطات القضائية اللبنانية عملاً بأحكام المادة 15 من قانون العقوبات اللبناني وما يليها.

إلى ذلك، إن القانون اللبناني حدّد محكمة استثنائية للنظر في مثل هذه الأفعال في حال انطبق عليها وصف الأفعال الجرمية إلى محكمة استثنائية خاصة ألا وهي محكمة المطبوعات وذلك بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 104/77 المعدّل الذي وُضع وعُدّل مراراً ليتلاءم مع مبدأ حرية الرأي، إذ أعطى لهذه المحكمة شرعية خاصة ومطلقة وجعل لها اختصاصاً مطلقاً ناتجاً عن أصول متبعة أمامها وعقوبات واجبة التطبيق وملزمة.

علماً أن ما يطبق على المطبوعات الصحفية في إطار جرائم المطبوعات يطبّق أيضا على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة عملا بأحكام الفقرة /2/ من المادة /35/ من قانون البث التلفزيوني والإذاعي رقم 382/94 المعدل والذي جاء ما حرفيته في متنها إضافة إلى ما ورد في البند /1/ أعلاه : تطبّق على الجرائم المرتكبة بواسطة المؤسسات التلفزيونية والإذاعية العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات العام وفي قانون المطبوعات وفي هذا القانون سائر القوانين المرعية الإجراء على أن تشدّد العقوبات وفقاً للمادة /257/ من قانون العقوبات.

وتضاف عبارة المؤسسات التلفزيونية والإذاعية حيث يلزم في القوانين المذكورة كافة، ويعتبر البث بواسطتها مرادفاً للنشر المنصوص عليه في المادة 209 من قانون العقوبات.

وبصفتنا أصدقاء للمحكمة بموجب المادة /131/ من قواعد الإجراءات والإثبات جئنا نودع رئاستكم هذا المستند المتضمن رأي المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع في الجمهورية اللبنانية، ولاتخاذ الإجراء القانوني السليم تأميناً لمصداقية المحكمة وشفافيتها من أجل التوصّل إلى الحقيقة المنشودة، وحفاظاً على سير العدالة. راجين من المحكمة الأخذ بما أوردنا في عين الاعتبار عند نطقها في هذه القضية.

وختاماً، نلفت النظر إلى أن المجلس الوطني للإعلام كان قد تعاون مع صديق المحكمة ستيفان بورجون وأبدى تحفظاته لديه ونصح بتعامل هادئ مع المؤسسات المرئية والمسموعة باعتبار أن المادة الثالثة من القانون المرئي والمسموع تشدد على أن الإعلام المرئي والمسموع هو إعلام حر كما أن القانون المذكور يشدّد على حق المواطن في الوصول إلى المعلومة والحق في الإطلاع والاستطلاع. ومن هذه الزاوية، نحن حريصون على كشف حقيقة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وإنما نتحفظ عن أن تتحول المحكمة عن مهامها الأساسية نحو تضييق ممارسة الحريات الإعلامية التي تعتبر أهم ميزات لبنان الأساسية في محيطه إن كانت مرئية أو مسموعة أو الكترونية أو مكتوبة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى