هل تبقى تركيا خارج اللعبة السورية؟
د. هدى رزق
قد يكون رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، أكثر المتضرّرين من دخول روسيا على خط ضرب «داعش»، ففي تصريح له على متن الطائرة التي أقلته من نيويورك حيث شارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، صرّح بأنه يعترض على القصف الروسي لمعاقل الإرهابيين، وذهب إلى حدّ اتهام روسيا بأنها «لا تفعل سوى قصف الثوار المعتدلين والجيش الحر وليس داعش والجهاديين»!
لم يستطع أوغلو كتم غيظه عندما قال بأنّ إيران ترفد سورية بالرجال وموسكو بالدعم العسكري، إذ إنّ السفن الروسية تنقل مساعدات إلى سورية وتمرّ سفنها في البوسفور ولا أحد يعلم ما هو محتوى هذه السفن. يبدو اوغلو مستفزاً من الموقف الدولي الذي يعتبر أنّ الأولوية اليوم هي لقتال «داعش» وليس لإسقاط سورية ورئيسها بشار الأسد، لأنّ سقوطه يعني تحول سورية إلى الفوضى الشاملة، كما هو حال العراق وليبيا…
هذه هي النتيجة التي توصّل إليها المعادون للرئيس الأسد. فروسيا لم تغيّر موقفها ولا تزال مصمّمة على دعمه. كذلك إيران التي تلعب دوراً مؤثراً، وهي متفقة مع روسيا في هذا الصدد. أما واشنطن فهي تقول إنّ الأسد في هذه المرحلة سيكون جزءاً من الحلّ، ولكن ليس في المستقبل. هناك تعارض مع موسكو في هذا الجزء، ولكن لا أحد يعلم على ماذا ستستقرّ هذه المفاوضات.
تجري الأمور بمعزل عن إرادة أنقرة. وها هي تصريحات أردوغان بعد عودته من موسكو تثير توتراً لدى بعض الذين تساءلوا في الداخل التركي عما إذا كان الرئيس قد غيّر سياسته تجاه سورية لمجرّد زيارته موسكو. لكن أنقرة عادت وأكدت انّ رحيل الأسد هو ضرورة لمحادثات السلام في سورية. يخشى أردوغان من وقع تصريحاته على شعبيته الإسلامية التي لا تزال تقف ضدّ الأسد بشدة، رجع خطوة إلى الوراء وأوضح تصريحاته، وقال إنّ أنقرة لا تزال عند موقفها. لكن إقامة ايران وروسيا مركزاً في بغداد من أجل تنسيق الحرب ضدّ «داعش» طرحت أسئلة حول موقف الأميركيين المتواجدين في بغداد، وكذلك الذين يسيطرون على قاعدتي «انجرليك» و«ديار بكر».
لا شك في أنّ سياسة أنقرة في سورية قد فشلت، لكن يبدو أنها ستستمرّ في رؤية الجانب الخلفي من مسألة وجود الرئيس الأسد في سدة الرئاسة، وهي تريد منع الأكراد من السيطرة على مزيد من الأراضي. تصريحات داود اوغلو في نيويورك كانت واضحة في هذا الصدد.
تقف أنقرة ضدّ التيار، فميركل صرّحت بأنّ «داعش» واللاجئين هما المشكلة الأساسية اليوم. جميع هذه المواقف تشي بأنّ أنقرة خارج الموجة، بل أكثر من ذلك تعارض هذه الموجة لأنها لم تستطع تحقيق طموحاتها. لقد أخذ داود اوغلو جرعة تشجيع من فرنسوا هولاند الرئيس الفرنسي الذي أعاد على مسامع الجمعية العامة للأمم المتحدة موقف فرنسا التقليدي من رفض بقاء الرئيس الأسد، ودعم أنقرة من أجل الحصول على منطقة عازلة، لكنه في العمق يعلم أن لا منطقة عازلة ما دام هناك فيتو روسي. تبقى فرنسا في هذه الدعوة وحيدة إلى جانب انقرة، فالمستشارة الألمانية ميركل تعتقد أنّ التسوية في سورية يجب ان تطال القوى المتحاربة جميعاً، وانّ إقامة منطقة عازلة يمكن أن يخلق مشاكل إنْ لم تنل موافقة وحماية الدول الكبرى.
تغرّد كلّ من باريس وانقرة خارج السرب، لكن دعم فرنسا لأوغلو يمكن أن يعطيه معنويات فقط يمكن صرفها في الداخل التركي كقيمة مضافة للعدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية، حيث سيمكّنه هذا من الادّعاء انّ لدى انقرة دعماً دولياً.
خلاصة القول إنّ الموقف الاوروبي من سقوط الرئيس الأسد يتلخص في الخوف من إطالة أمد الأزمة السورية، وإطالة بؤس سورية، ومفاقمة أزمة اللجوء. اما بالنسبة لاردوغان واوغلو فهما يريدان أن يحافظا على سياستهما السورية لكي يطمئنا داعميهما الإسلاميين إلى أنّ أي تغيير في هذه الفترة يعني الفشل في الانتخابات. ويبدو أنهما ليسا في وارد التغيير اليوم، فالبعض يعتقد بأنهما لن يقاربا المسألة بعقلانية بسبب رهاناتهما، أما البعض الآخر فيرى أنّ أردوغان براغماتي إذ يمكنه القبول بالأسد كجزء من الحلّ والحوار مع الأكراد السوريين… لكن بعد خسارة العدالة والتنمية للانتخابات البرلمانية في أول تشرين الثاني المقبل، إما البديل فسيكون بقاء تركيا خارج اللعبة والتأثير…