الإرهاب بين التوجيه الأميركي والمواجهة السورية الروسية
د. سليم حربا
بدأت الجديّة والمصداقية الروسية تحوّل القول فعلاً، وبدأت الساعة الصفر بتوقيت موسكو ودمشق، وعلى دقاتها بدأ العالم يضبط توقيتاته للإعلان الحقيقي في مواجهة الإرهاب وانتهاء عصر المسلسلات الأميركية والمسرحيات الهزلية وبداية النهاية الحتمية للإرهاب.
جاءت الضربات الروسية بعد طلب الحكومة السورية وموافقة روسيا بالإجماع في مجلس الاتحاد الروسي والكرملين لتعطي هذه الضربات والدعم والتدخل مشروعيته القانونية، والتي تعبّر عن التطابق السوري الروسي في التقييم الموضوعي الميداني لمخاطر الإرهاب وضرورة مواجهته كأولوية، وبعد إنضاج المُناخات الداخلية والإقليمية لبدء المواجهة السورية الروسية لمحاربته.
وتتمثل تلك المُناخات أولاً بالاستناد إلى الواقعية التي حققتها الدولة السورية من صمود أسطوري وفي مقدّمته الصمود والإنجاز الميداني الذي حققه الجيش العربي السوري، والذي جدّد شبابه مؤخراً على مستوى العديد والعتاد كمّاً ونوعاً وعلى مستوى التأهيل والتدريب والتسليح والخبرة والقوة والقدرة، وكذلك امتلاكه زمام المبادرة وإمكانية صرفها إنجازات في الميدان العسكري، وهذا ما جعل الحلفاء يزيدون دعمهم وأجبر الأعداء على تغيير مواقفهم ومواقعهم..
وثانياً بعد إنجاز الاتفاق النووي بين إيران والدول الست والدور الريادي للصمود السوري والحنكة الروسية، ما يُطلق العنان لإيران بزيادة الدعم المركّب لسورية.
وثالثاً تعرية الإرهاب وإظهاره على حقيقته الوهابية التكفيرية ورفعه شعار القتل قولاً وممارسة..
ورابعاً بعد أن تمهّل الروسي مدة عام كامل على الحلف الستيني الأميركي الذي رفع شعار محاربة «داعش»، فإذ به يوجّهها بدلاً من أن يواجهها، حيث زادت «داعش» انتشاراً وتمدّداً وتسليحاً وعدداً وعتاداً وسيطرة، ووصل الحلف الأميركي إلى مستوى العجز والفضيحة، وتراكمت خيبات الولايات المتحدة الأميركية بتحويل وهم وسراب المعارضة المسلحة المعتدلة حقيقة، بالرغم من اجترارها تلك المصطلحات التي انقرضت كـ»الجيش الحرّ» و«حركة حزم» و«جبهة ثوار سورية» و«الفرقة 30» ومعسكرات التدريب ومئات ملايين الدولارات ومئات الخبراء الأميركان من قوات الدلتا..
وخامساً بعد أن أيقن العراق بأنّ «المنّ والسلوى» الأميركية تحوّلت زقوماً، وأنّ وعود أميركا مجرّد بيع أوهام في بازارات أردوغان وآل سعود لإطالة عمر الإرهاب وتحويل التقسيم المقنّع للعراق تقسيماً حقيقياً..
وسادساً بعد إنشاء غرفة عمليات سورية عراقية روسية إيرانية مشتركة مقرّها بغداد، وبدء اللجنة التنسيقية بالعمل على مستوى التبادل المعلوماتي، وصولاً إلى البعد الميداني لمواجهة الإرهاب..
عندها حانت لحظة إطلاق عاصفة العزم والحسم السورية الروسية، وجاءت الضربات الروسية تنفيذاً للاتفاقيات والمعاهدات المبرمة بين روسيا وسورية، وعكست تنسيقاً كاملاً مع الجيش العربي السوري وتحديداً مع القوى الجوية السورية على مستوى تحديد الأهداف والمراحل والأولويات والقيادة والتنفيذ وتقديم المعلومات والإحداثيات عن الإرهاب وأغراضه وهويته وجنسياته ومقاره ومستودعاته وتحركاته، وقد جاءت الضربات الأولى قاصمة وحققت كلّ أهدافها، وأصابت مجاميع الإرهاب بالذعر والهلع، وكانت شاملة واسعة وصلت إلى الرقة ودير الزور وحلب، وبالرغم من ذلك فإنها لا تزال ضربات تجريبية تمهيدية و«بروفا» للتدقيق والإحكام وزيادة التنسيق والإعلام لمن يهمّه الأمر داخلياً وخارجياً، وما هي إلا غيض من فيض القائم والمقبل.
من هنا يفسَّر القلق والتخبّط الأميركي الذي أتى نتيجة العزم والعزيمة والإصرار الروسي وطبيعة إعلام أميركا قبل ساعة من بدء الضربات لإخلاء الأجواء وعن طريق السفارة الأميركية في العراق وبسبب الفهم والتباين الروسي عن أميركا بتوصيف الإرهاب استناداً إلى القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن في توصيف الإرهاب بـ«داعش» و«جبهة النصرة» والتنظيمات الأخرى التي كانت تعمل عليها أميركا بما يُسمّى «الإرهاب المعتدل»، وتعوّل بالاستثمار السياسي عليها في أية مفاوضات لاحقة، ويقين أميركا أنّ الجيش العربي السوري سيستثمر نتائج الضربات تطهيراً وتقدّماً وسيطرة، وأنها لن تستطيع توظيف تلك المجموعات الإرهابية بل ستضطر إلى الاعتراف والتعاون والتنسيق مع الجيش السوري، لا سيما أنّ الآتي من الضربات الروسية ونوعية الطائرات والوسائط الفنية ودقة الذخائر وقدرة الرصد والاستطلاع سيقطع دابر المجموعات الإرهابية التي يمكن أن تأتي من تركيا أو الأردن أو تناور من العراق وإليه، والتواجد الروسي في الأجواء وتنسيقه مع الجيش العربي السوري سيسقط إلى غير رجعة كلّ تلك الأوهام بالمناطق العازلة أو الحظر الجوي أو دخول قوات برية عربية أو أجنبية لهندسة تقسيم سورية ومساعدة الإرهاب، وبالتالي ستمسك روسيا بالأجواء الإقليمية والدولية وتمنع الاستثمار السياسي بالإرهاب وسيمسك الجيش العربي السوري بتفاصيل وتضاريس الميدان.
نعم يمكن القول إنّ المنطقة والعالم ما قبل الثلاثين من أيلول غير ما بعده، وإنّ غداً لناظره قريب.