سلاف فواخرجي: مؤمنةٌ بالسوريين الأوائل الذين كتبوا تاريخ هذا الوطن بمداد الأرجوان دريد لحّام: سيبقى جولان الفخر والصمود والانتماء شامخاً مقيماً في الوجدان
دمشق ـ آمنة ملحم
بحبر الكرز الجولاني الممزوج بدماء الشهداء، نسجت سما ابنة الجولان الجريح رسائل عشقها لحبيبها علاء. ليرويا معاً حكاية وطن، حكاية ثمار الكرز الممتدة من فلسطين إلى الجولان، حكاية عشق بين شعب وأرض، بين هوى وهوية. حكاية نسجت فيها سلاف فواخرجي رسائل تمسّك وتجذّر بالوطن وعبقه، بتفاصيل حبّ وأنشودة سلام. رسائل انتماء وأوطان لا يمكن أن تُبنى إلا بالتضحيات. من هناك، من تحت شجرة الكرز، ولدت حكايات حبّ للوطن، وعشق للحياة. قصص صمود تعكس أمل كل السوريين، بتحرير الجولان وكلّ شبر من الأراضي المحتلة، وصولاً إلى جنوب جنوب فلسطين. وتُذكّر أنّ تلك هي قضية الوطن بكامله، القضية التي يريد الأعداء تغييبها. وليقول أبطال العمل إنّ الجولان ـ وإن طال الزمن ـ لا يزال كرزه ينتظر، وما زالنا نحترف الحزن والانتظار، إلى أن يستريح الناي ويعود البيت الجريح.
بحبّات الكرز التي ملأت الإناء فانفجر ليعلن ولادة جديدة لبطل الحكاية، وأذمل جديد بالحياة، انطلقت رحلة الفيلم على مدار اثنتين وسبعين دقيقة. إذ شهدت دار الأوبرا في دمشق، عرضه الأول مساء الخميس الماضي، وسط حضور إعلاميّ وفنّي كبير، وذلك برعاية «سيريتل» منتجة الفيلم. لينتهي بدماء تسيل من أيدي بطلَيْ الفيلم بحدّة الأسلاك الشائكة التي تفصلهما عن بيتهما الذي تعاهدا على ألا يجتمعا كزوجين إلا فيه، وتحت شجرة كرز، كانت الشاهدة على حبّهما.
لمسافة ليست بعيدة، أطال البطلان النظر نحو محطة عشقهما الأولى، لعلّ العودة تكون قريبة. وما زال حبّهما في صندوق الأمل الذي ضمّ رسائل الكرز التي ضاعت حروفها، وتقطعت شرايينها في الحرب.
النجمة سلاف فواخرجي، مخرجة العمل وواضعة السيناريو له، وفي تقديمها فيلمها، اختصرت كلماتها بأنها صنعته بأحاسيس ومشاعر امرأة سورية مؤمنة وعاشقة. مؤمنةً بالسوريين الأوائل الذين كتبوا تاريخ هذا الوطن بمداد الأرجوان، وها هم اليوم يكتبونه بحبر الكرز، فداءً وذوداً عن تاريخهم وأرضهم وحضارتهم.
وبالسوريين اليوم الذين يكتبون المستقبل عبر الكرز الأحمر القاني، لتعود سورية منتصرة قوية كما كانت من قبل.
فور انتهاء العرض الذي حضره وزير الإعلام في الحكومة السورية عمران الزعبي، وحشد من الوجوه الإعلامية والفنية والفكرية والسياسية، تقدّمهم الممثلان القديران رفيق سبيعي وحسام تحسين بك والممثل والمخرج وائل رمضان، الأديبة كوليت خوري، اعتلى الفنان القدير دريد لحام بقامته الفنية العريقة، ليبادر إلى تكريم الفنانة فواخرجي على إبداعها الذي حصلت من خلاله على جائزة أفضل فيلم في مهرجان الاسكندرية السينمائي لدول حوض المتوسط بدورته الـ31، على رغم أن هذا الفيلم، يعدّ التجربة الإخراجية الإولى في رصيد الممثلة التي ألهبت جمهور الدراما السورية.
وأدلى لحّام شهادته بفواخرجي فقال: أمّ حمزة… سلاف، الياسمينة السورية التي نتلمّس عبقها بقلوبنا. عشقت كلّ ذرّة من تراب سورية، وكلّ لحظة من عمر بلدها. وأخذها هذا العشق لتقدّم رسائل محبة وعشق لتراب الجولان. جولان الفخر والصمود والانتماء. هذا الانتماء الذي يخترق عهر الأسلاك الشائكة وحواجز الفصل بينه وبين سورية، لتحلّق خفقات القلوب من جانب، وتحطّ في القلوب على الجانب الآخر.
واستطرد لحام: سيبقى الجولان شامخاً مقيماً في الوجدان وفي رسائل الكرز. سلاف المتميزة في الوطن والشريكة الرائعة فيه، هذا التكريم يتكرّم بك، وإلى رسائل جديدة في عشق وطن خذله بعضنا.
بدوره، تقدّم الإعلامي والناقد اللبناني جمال فياض بالشكر من فواخرجي لإصرارها على حضوره من لبنان، فكانت زيارته إلى سورية من جديد بعد انقطاع عنها. وأكّد أن هنا دمشق وستبقى هنا، وأن عشقه لها لا ينتهي، فهو كان ولا يزال يرى سورية ولبنان بلداً واحداً.
وتابع فياض: استطاع الفيلم أن يجمع هذا الحراك العربي، وساهم في عودة محبّي سورية، وبعودة المناسبات الفنية إلى دمشق. هذا يعني أن الغيمة السوداء بدأت بالانقشاع، وأن دمشق ستعود كسابق عهدها قريباً جدّاً.
ورأى فياض أن الفيلم جاء ناعماً وجميلاً كقصيدة شعر يجب أن تُقرَأ بهدوء. وهذا ما يُبرر «الريتم» البطيء لبداية الفيلم على حدّ تعبيره. وخاطب سلاف: يا من صوّرت لي الواقع كقصيدة شعر. وتمنّى أن نكون بتجربتها كسبنا مخرجة ولم نخسر الممثلة.
وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقب عرض الفيلم، نوّهت فواخرجي أنّ شركة «سيريتل» كانت راعية الفيلم، كونها الشركة السورية الوحيدة المؤمنة بإنجاز فيلم عن الجولان، وهذا ما أكده رئيس قسم الإعلام في «سيريتل» علاء سلمور بقوله: سورية لوحة فنية لا يضاهي جمالها إبداع أي لوحة، وكل بقعة فيها قطعة فريدة تشكل فسيفساءها. لذا، فإن الجولان أرضنا التي لن نتخلى عنها، وسنستردها لتكمل جمال هذه اللوحة. وهذه هي القضية الأساس التي يعكسها الفيلم. ونحن ملتزمون بقضيتنا مبادئ وقيماً ودعماً للمواهب والكفاءات السورية في كل المجالات، ليبقى عَلَمنا فوق الغيوم مرفوعاً.
ولفتت فواخرجي إلى أنّ الفيلم صُوّر بين دمشق والقنيطرة وطرطوس. وجمال طبيعة سورية كان كافياً لتقديم أجمل لوحة، وكان لا بدّ من إلقاء الضوء عليها. فالجولان مشهور بخيراته وثرواته التي يطمع بها العدو.
وعن الموسيقى التي عُزفت على وتر الحزن والشجن، ورافقت أبطال الفيلم طوال عرضه، أشارت فواخرجي إلى أن الموسيقى من إنجاز الشاب السوري ـ الأرميني هايك كازجيان، الذي بذل جهداً كبيراً في هذه المهمة، مؤكدة أنه فنان شكل مكسباً للفيلم، وأنها ستتعاون معه في أعمالها المقبلة.
ولم تعتبر فواخرجي ما قدمته مخاطرة بقدر ماهو مغامرة وتجربة جديدة سجّلتها، فهي لا تقف مكانها لأنها تعشق الفنّ والتجارب، وهذا العشق بحاجة إلى المغامرة والمخاطرة أحياناً. كما أصرّت على أن الوطن ساكن فيها كلّ لحظة، وفي كلّ كلمة وتصرّف. وكل ما تقوم به، إنما من أجل أن يبقى الوطن في وقفة العزّ، ولنثبت للعالم أن السوري، وبعد خمس سنوات من الحرب الكونية عليه، ليس على قيد الحياة فقط، إنما هو حيّ ومبدع وخلّاق، لا يقبل أن يستكين على رغم الدماء وكل ما يشهده من حرب بشعة بحقّ البشرية.
الفيلم عبارة قصيدة سينمائية زاوجت بين التاريخ الوطني وتاريخ شخصيات الفيلم، مستلهمة يوم السابع عشر من نيسان من عام 1946 كمولد لبطل الفيلم علاء الذي جسّد شخصيته الفنان محمود نصر، وقصة حبّه للفتاة الجولانية سما التي جسّدت شخصيتها الفنانة دانة مارديني، لتشكل هذه البداية افتتاحية للغة سينمائية تجاوزت الصورة إلى رمزية تخطّت الأسلاك الشائكة بين أهلنا في الجولان السوري المحتل ووطنهم الأمّ، معيدة ذكرى النزوح عن الأرض عام 1967، من دون أن تهمل تسلسلها التاريخي.
الفيلم من بطولة فنانين سوريين ينتمون إلى أجيال فنية عدّة. كالقديرة أنطوانيت نجيب التي شاركت في مشهد واحد وهي ابنة الجولان، وجاءت مشاركتها لإيمانها بسلاف وبفنها، وعشقها لهذه الأرض الذي ظهر جليّاً في فيلمها. ولإصرار فواخرجي على وجودها كونها ترى بعيونها الكثير من التاريخ.
كما حضر في الفيلم كل من الفنان العالمي غسان مسعود والفنانان محمود نصر ودانة مارديني، ولا ننسى ناصر مرقبي وباسل حيدر. وسيناريو الفيلم مأخوذ عن قصة للكاتب نضال قوشحة، وهو من إنتاج شركة «شغف للانتاج الفني» برعاية شركة «سيريتل».