خربشات
أخشى الجفاف حين تبحث مخيّلتي عن جداولكَ التي لم تأذن لها بالانبعاث. صار الحبر طقساً مشتعلاً، وتساقطت وريقات الزمن على إيقاع الأنين. هل يسعفني الوقت المترامي بين مسامات الفراغ كي استردّك؟
وأنا أحاول لفظك كالنَّفَس الأخير؟
يا أنتَ حرّرني من ذاتي الهائمة واترك مساحةً لسيل الكلام. كلام لم أدركه وصمت لم أتقنه وحبّ لم أنتزعه من شرايين الأيام. لم أُرِد انتزاعه كي لا ينطفئ عمري ويذوي حبري وتهجرني قوافل الطيور. لم أُرِد، كي لا يجتاحني اليباس وأنا في منتصف الحروف أبحث عن قافيتي. يا أنتَ ناولني دواتي كي أكمل قصيدتي، علّني أعتزلك قليلاً بعدما أحبّك كثيراً!
2
أنتظر معجزة لا تشبهك، وباقة غيم مشبعة بالجداول. قد يجتاحني البكاء حدّ الغرق، ويتملّكني الارتجاف المحموم. لكنني لن أدعك تمرّ بناظرَيّ كالوميض. غداً سأمسك البرق وأخترع فصلي الخاص. سأكسر دويّ الرعد وأغرف البحر بكفّي، لن يأسرني فاصل جليدي. أمتلك لحظتي الهاربة من الواقع، لو أني أمتثل للموت التقليدي لما أدركت أنوثتي يوماً. غداً سأرفع لك سمائي كي تجد درب عودتك الأخير!
3
حين أسرعَتْ خطاي بين نقاط المطر، كنت أبحث عن يدك وأولى الهمسات. لم يدرك الرصيف سيل روحي المغتربة عن تفاصيل المدينة. هذه المدينة التي تلبس ألوانها وتوغل في مزاجيتها.
زينة العيد وكل هذا الزحام لا يكفيان كي أخلع عنّي غربتي. لعلّي أضعت تفاصيل الأيام بين الأخضر والأحمر… وتوقف زمني عند إشارة الانتظار.
آتية من زمن آخر حيث تضمّ حقيبتي قلماً أسودَ، لأنّ اللغة تبدو أكثر رصانة بالأسود، وقصصات ورق وممحاة. ودفتر الملاحظات المثقل بالخطوط والأرقام، أسعى إلى محو تراكم السنين، ربما أتقن حينذاك صوغ الخاتمة كما تمنّيتها.
بين نقاط المطر أكتب قصة قاربت الخرافة، وأعود أدراجي إلى حيث تبعثرت أمنيتي، واحترقت ممحاتي، وبات حبري ماءً، وقصاصاتي جمراً يلتحف الرماد هرباً من همسك!
4
كلّما تقلّصت المسافة التي تفصل بين نبضينا، أجدك طيفاً يتلاشى مع تقاسيم البخار المرتحل من دمي المحترق. لا تطالك أناملي المرتجفة فيسقط الزمن حيث جمعتنا اللحظة عند ذاك الرصيف البحري. وتهرب دمعة تختصر ملح المتوسّط، فأشعر بعلقم رحيلك وكأنه أمس. وتبرد أطرافي فأُشعِل الحرف الأخير من عشقي، وأتأمل ظلّك المتمايل مع القطرة الأخيرة التي تذوي من تلك الشمعة التي تسامر ليلي.
تمدّ يدك لتعلّمني الرقص، ويبدأ عرضنا الإيمائيّ في تلك المساحة الصغيرة. في غرفتي صار الليل معلّقاً ببقايا شمعة. أغلقت ستائري كي لا يسرق بزوغ الفجر بحرنا ولحظتنا المستحيلة!
5
ينتابني الشوق على إيقاع الظلام الذي يؤلّف شرنقة. فهل تنزع عنّي خيوط هذا الليل كي أرسم لك حقلاً من الأقحوان، ودوائر بلون الربيع العاشق. أتقن فنّ التناثر بين موسيقى أناملك العابثة. سيكون ربيعنا حقيقياً، لن نستورده من الخارج. فحين تقيّدني نظراتك لا أرنو فعلَ التحرّر. أثور على ثورتي ضدّك وأصبح أنثى!
فعل الحبّ لا يحتمل التمرّد، إنما يستجدي الانصهار حتى النقطة الأخيرة في الارتجاف المسكون بالخوف والأمل. فعل الحبّ يلامس الانعتاق من موروثات خانقة ويسمو ليصبح صلاة. دعني أتوضّأ بعطرك ولا تقطع عليّ صلاتي!
عبير حمدان