ردّاً على المؤامرة: مجلس التعاون المشرقي

نسيب أبو ضرغم

مع الأخذ في الاعتبار الأسباب كافة التي جعلت اجتياح المحافظات العراقية من قبل «داعش» أمراً سهلاً، ومن غير إهمال الأهداف التي تقف وراء هذه العملية، إضافة إلى المربع الشيطاني الذي هندس اندفاعة «داعش» وصمّمها، والمتمثل بالولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل» والسعودية وتركيا… مع أخذ ذلك كله في الاعتبار ، فإننا ملزمون بالبحث عن الرد المناسب على المؤامرة الصهيو ـ أميركية ـ عربية ـ تركية، وجعل هذا الرد هدفاً استراتيجياً تأخرنا كثيراً عن تحديده أولاً والعمل على تنفيذه ثانياً.

منذ أن وُضعت اتفاقية سايكس ـ بيكو، كانت شروط فناء الأمة السورية قد تحققت مبدئياً. ذلك أن المتآمرين من اليهود والإمبريالية الغربية وبقية حلفائهما في الداخل السوري والعربي، كانوا يدركون أن بقاء سورية الطبيعية موحدة يعني انهزام المشروع الصهيو ـ أميركي ـ الرجعي العربي. والعكس تماماً، فتقسيم سورية هو الشرط الأساس لإزالة قوميتها وتهديم وحدتها الاجتماعية مقدمة لزرع الخلية السرطانية اليهودية في صدرها.

هم يدركون جيداً مدى ترابط هذه الأمة في الاقتصاد والثقافة والتاريخ، وأنها مثل قميص يسوع على حد قول الأب لامنس اليسوعي، القائل في محاضرة له عام 1919 قبيل إعلان دولة لبنان الكبير وتقسيم سورية عملياً: «حذار من تقسيم سورية، فإنها مثل قميص المسيح، نسجت من خيط كتاني واحد، فإذا ما قطعت تلفت وضاعت»، وكان يلمح بذلك إلى الفرنسيين والإنكليز الذين كانوا شرعوا في اقتسام المشرق. ويعود ليقول في المحاضرة ذاتها: «أوتريدون سورية، حسناً فليأخذها أحدكم ولكن بكلّها وجميعها ولا تقسّموها».

كيف لهم أن يبقوا سورية واحدة موحّدة ومشروعهم المجرم يقضي بزرع «إسرائيل» في صدرها، لذلك مزّقوا قميص المسيح واليوم يعودون إلى تمزيق الممزق أصلاً.

إن مرحلة تمزيق الممزّق قد بدأت عام 2003 في العراق على يد الصهيونية المسيحية الممثلة بالمحافظين الجدد بقيادة جورج بوش الابن، ومن ورائهم اليهودية العالمية ومتفرعاتها كافة.

من المؤسف والمبكي والجارح أن عدوّنا الدهري الأبدي وملحقاته الغربية والعربية يدرك حقيقة هذه الأمة وسرّ وحدتها، ويعرف تماماً أن وحدة سورية الطبيعية تعني الموت الأبدي له، وتمزيقها يعني الحياة الأبدية له، والموت الأبدي لأبناء هذه الأمة المنكوبة، في وقت لم تقف الفاجعة عند جهل معظمنا هذه الحقيقة، بل تعدى ذلك إلى العمل على عكسها تماماً.

كان قيام «سوراقيا» أو سورية الطبيعية كوحدة استراتيجية في الأمن والسياسة والثقافة والتنمية والجيش، وحدة استراتيجية تحمي المصالح الاستراتيجية والوجود القومي أساساً، مهمّة ملقاة على عاتق حكام العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين. وإن كنا لسنا الآن في معرض تشريح تلك المرحلة، إلاّ أننا ملزمون بالتوقف لوضع استراتيجية يمكنها أن ترد هذه الغزوة الصهيو ـ أميركية ـ وهابية ـ طورانية، التي لن تتوقف حتى تزول «إسرائيل» نهائياً من الوجود.

المرحلة التي سبقت كانت في معظمها مرحلة الانفعال وليس الفعل، مرحلة الدفاع وليس الهجوم فيما خلا محطات معدودة ـ حرب تشرين وذلك كله عائد إلى أننا كنا نفتقر إلى رؤيا قومية سورية وعمل على قيام تنسيق كامل في مختلف الميادين بين كيانات الأمة، في حين كانت الصهيونية والإمبريالية الغربية تتعاملان معنا على أساس هذه الوحدة، أي على أساس أن جميع مكوناتنا وكياناتنا معطى معاد، يبني قدراته العسكرية والاقتصادية استراتيجيته كافة بحجم كياناتنا مجتمعة، بل بما يعوق ذلك بكثير.

أما الآن، وقد وصلت المؤامرة إلى ذروة التحقق، باحتلال الجزء الغربي من العراق والسيطرة على منابع النفط ومجرى الفرات، أما وقد حصل ذلك فيعني أن الموقف بات يتطلب رداً مختلفاً، فليس العراق منفرداً يستطيع رد هذا الجزء «الداعشي»، كما أن الشام وحيدة ليست قادرة على ذلك، نظراً إلى الدعم الإقليمي والدولي المتوافر لـ»داعش» ومثيلاتها، وحيث أن الانتصار على هذه الغزوة الصهيو ـ أميركية ـ عربية المغلفة بغلاف إرهابي هو شرط البقاء والحياة السيدة لأبناء هذه الأمة، فإن قيام مجلس التعاون المشرقي صار ضرورة حياتية لجميع أبناء سورية الطبيعية، ويمكنه تحشيد طاقات الأمة المبعثرة ووضعها في إطار ومضمون استراتيجيين يجعل منها قوة مقررة ليس لمستقبل الأمة السورية، بل العالم العربي، وأكثر من ذلك، المشاركة في بناء النظام الدولي الجديد المتعدد الطراف، الوشيك الولادة.

دعا الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى قيام مجلس تعاون مشرقي انطلاقاً من رؤيته العقائدية أصلاً، ومن تداعيات الواقع القائم، واليوم، أكثر من أي وقت مضى، يبدو طرح مشروع مجلس التعاون المشرقي ملحاً، لذلك نأمل من القيادتين في كل من الشام والعراق أن تقدما على وضع الأسس اللازمة لهذا المشروع، وتشرعا فوراً في تحشيد قواهما وتنسيقها وخوض الحرب ضد الإرهاب وأسياده برؤيا وآليات واحدة موحدة.

إن قيام مجلس التعاون المشرقي يلغي إمكان ظهور أي نزعات مذهبية أو طائفية أو مناطقية، وبالتالي يدفع في اتجاه التأسيس للوحدة الاجتماعية على مدى سورية الطبيعية، ويكون الإطار المثالي للتفعيل الطاقات من عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية، وسط هذا الهجوم البربري المغولي الجديد المدعوم بالمال السعودي والخليجي والسياسة التركية والتخطيط الصهيو ـ أميركي.

خطر جداً أن يقاتلك الآخر بمفهوم كلّي اعتبارك وحدة استراتيجية وتقاتله أنت بمفاهيم تجزيئية تفتيتية قائمة على احترام حدود سايكس ـ بيكو.

أما آن الأوان لأن نخرج من هذا التابوت الذي حشرونا فيه منذ عام 1916 والمدعو «اتفاقية سايكس ـ بيكو»؟!

أليس مذهلاً أن نبقى نرسم استراتيجياتنا على قاعدة «سايكس ـ بيكو»؟!

فلتَقُمْ سوراقيا، فليقم مجلس التعاون المشرقي، فليبدأ ردنا التاريخي ـ الحضاري على هذه الغزوة اليهودية.

فلتعدْ الدائرة إلى نقطة البيكار.

خطّ المقاومة الممتد من طهران إلى بيروت، لا يُنْقذْ إلاّ بقيام مجلس تعاون بين دول سورية الطبيعية، وها هي لحظة التاريخ قد حلّت، فأين القرار التاريخي؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى