النموذج الروسيّ
عامر نعيم الياس
عادت روسيا بقوّة إلى ساحة الفعل في شرق البحر المتوسط. أصبحت سيدة اللعبة في سورية وممرّاً إلزامياً للحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي والبحث في مستقبل سورية. ما سبق من تعابير واستنتاجات ليست شخصية مبنيّة على تفاؤل أو محاولةً للترويج للتدخل العسكري الروسي في سورية، بل هي مصطلحات جامعة استخدمتها الصحف الغربية قاطبةً في تعليقها على بدء الغارات الجوّية الروسية على مواقع الإرهابيين في سورية، والتي يحاول الغرب شنّ هجوم عليها. وصفها الرئيس بوتين بـ«الحرب الإعلامية المضللة»، وذلك لتحقيق أهداف عدة لعلّ أهمها التجييش المذهبي ضدّ التدخل الروسي في سورية في ضوء انكفاء الإدارة الأميركية عن التدخل المباشر.
فها هي صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية المحسوبة على الحزب الاشتراكي الحاكم في فرنسا، تتحدّث عن «الرعاية الروسية للمحور الشيعي». حتى الرئيس الأميركي باراك أوباما ركّز في انتقاداته على العامل الطائفي للتدخل الروسي، لكن ردود الفعل على الأرض من قبل بعض القوى الفاعلة تجعل من حملات التهويل الإعلامي غير ذات قيمة في ما يخصّ التأثير على النموذج الروسي في الحرب على الإرهاب، ولعلّ الدليل الأهم على ذلك يتجلى بردّ الفعل المصري، وهي الدولة المركزية ذات الثقل في الإقليم على الغارات الجوّية الروسية في سورية. فمن حيث الشكل، استخدم وزير الخارجية المصري سامح شكري المصطلحات ذاتها المستخدمة في الخطاب الرسمي الروسي والسوري لتوصيف شكل التدخل الروسي والأهداف منه، إذ قال في تصريح لقناة «العربية»: «إن المعلومات المتوفرة لدى مصر من خلال الاتصالات المباشرة مع الجانب الروسي تؤكد اهتمام روسيا بمقاومة الإرهاب ومحاصرة انتشاره في سورية، وأن هدفها من الانتشار توجيه ضربة قاصمة لداعش في سورية والعراق». كما أن التصريح لقناة «العربية» السعودية التي تعدّ من أهم منابر الحرب الإعلامية السعودية ـــــ الغربية على سورية، وتملك غرفة عمليات خاصة بها، يوجّه رسالة من القاهرة إلى من يهمّه الأمر في واشنطن والرياض حول فعالية النموذج الروسي مقارنةً بالحلف الأميركي الذي رفضت القيادة المصرية ممثلةً بالسيسي الانخراط في عملياته.
هنا، وإن لم تشارك القاهرة في عمليات تحالف بويتن، إلا أن دخول الدولة العربية الأهم تاريخياً وقومياً وسكانياً على خطّ دعم العمليات الروسية في سورية يقطع الطريق على أيّ محاولة لشيطنة تحالف بوتين تحت ستارة المظلومية السنّية في المنطقة، والتي شكّلت أساس الإرهاب المدمّر وجرفت المذهب السنّي مرغماً باتجاه الوهابية والفكر السلفي الجهادي في مواجهة افتراضية إعلامية فُرضت على المنطقة.
الموقف الآخر الذي لا يقلّ أهمية عن الموقف المصري أطلقه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وأنهى به أيّ محاولة للتشكيك في الموقف الحكومي العراقي من العودة الروسية الفاعلة إلى الشرق، فضلاً عن فتح الباب أمام إمكانية توسيع عمليات الطيران الروسي «الشرعية» في المنطقة، في إطار طلب الحكومات رسمياً من الدولة الروسية التدخل في الحرب على الإرهاب. إذ أكّد العبادي «أن العراق سيقبل أيّ دعم من أيّ طرف، لأنه الدولة الوحيدة التي تحارب داعش وعلى العالم مساعدتها». وأبدى استغرابه من تحفّظ بعض الأطراف العراقية على التعاون مع روسيا، واصفاً إياهم بأنهم «يتصرّفون وكأن الرئيس الأميركي باراك أوباما أحد أقاربهم».
هو النموذج الروسي في المنطقة، وبوتين يدرك جيداً أن التدخل القوي الحازم وفعاليته أمرٌ لا مفر منه، إن أراد حماية الأمن القومي لروسيا وتحقيق المصالح الاستراتيجية للقطب العالمي العائد إلى ساحة الفعل، لذلك، لا بدّ من تحقيق النجاح والكرة تبقى حالياً في ملعب الكرملين.
كاتب ومترجم سوري