الروس مستمرّون: انهيارات للمسلّحين… والأسد واثق بالنصر وواشنطن مُحرَجة القدس تحت النار وفلسطين تنتفض… و«الجهاد» تلوّح بالعمليات الاستشهاديّة
كتب المحرر السياسي
مع دخول الغارات الروسية على مواقع تنظيم «القاعدة» بتشكيلاته الرسمية والمموّهة والمنشقة، في سورية، بدأت النتائج المُبهِرة التي ترافقت مع هجمات مدروسة للجيش السوري، لتقول إنّ الحرب الأميركية كانت مجرد مسرحية منسّقة، أو في أحسن الأحوال فشلاً ذريعاً، وكانت العلامات الظاهرة تبدأ من وصول قرابة ألف من مسلحي «جبهة النصرة» وقادتها إلى تركيا، هرباً من ريفي إدلب وحلب، بينما نزحت قيادات «داعش» من الرقة نحو العراق، وكان قرابة ألف مسلح آخر من «جبهة النصرة» و»أحرار الشام» يسلمون أنفسهم في مدينة درعا للجيش السوري، وواكب العمل العسكري الروسي كلام للرئيس السوري بشار الأسد في حديث أدلى به لقناة «الخبر» الإيرانية تحدّث خلاله عن حلف مقابل للتحالف الفاشل الذي تقوده واشنطن، مؤكداً ثقته بالنصر ومقدرة الحلف الجديد على تحقيقه، وفي المقابل كانت الأصوات الاحتجاجية التي عمّت الغرب ليومين ماضيين، متهمة الروس باستهداف من تسمّيهم الحكومات الغربية بـ»المعارضة المعتدلة»، تتراجع لحساب الارتباك أمام الطلب الروسي الرسمي الذي وصل عبر وزارة الخارجية الروسية إلى كلّ وزارات خارجية الدول التي أصدرت مواقف اعتراضية على الغارات الروسية، متضمّنة لائحة بأسماء الجماعات المسلحة في سورية وأسماء قادتها وأهدافها وعقيدتها المعلنة على مواقعها وصفحاتها الرسمية، طالبة من هذه العواصم تحديد الجماعات التي تسمّيها كلّ حكومة من هذه الحكومات بـ»المعارضة المعتدلة» وتطلب تحييدها من أهداف الغارات الروسية، لإدارة نقاش مهني محترف حول تصنيفها وفقاً للمعايير المتعارف عليها دولياً، وأكدت مصادر مطلعة على هذه المراسلات لـ«البناء» أنّ أيّ جواب لم يرد بعد إلى موسكو ممّن وصلتهم المراسلات.
في فلسطين، حيث لهيب المواجهات صار الحدث الأول، تحت ضغط الطريق المسدود لخيارات حكومة الاحتلال أمام تراجع مشاريع الاستنزاف في المنطقة والمسار الذي دخلته الحروب مع التموضع الروسي الجديد، ظهر التصعيد في وجه الفلسطينيين في السياسة والميدان خياراً «إسرائيلياً» جامعاً للحكومة والمستوطنين، لتتقاطع خطط الحصار والتجويع والتهويد، مع إقفال الأبواب أمام خطط التسويات، مع انفلات قطعان المستوطنين خصوصاً في القدس، وعلى بوابات وباحات المسجد الأقصى، لينفجر في المقابل الغضب الفلسطيني المقدّس الذي كانت ترجئ موجاته تدخلات القيادة السياسية بوهم مسارات التفاوض ومنحها المزيد من الفرص، وفي هذه الحرب التي تشهدها القدس منذ يوم الجمعة الماضي، أظهر الفلسطينيون، مقاومين ومواطنين، إبداعات الطعن من جهة وإرادة الانتفاضة التي عمّت الضفة الغربية من جهة مقابلة، بينما تصدّرت حركة الجهاد الإسلامي التي أعلنت مسؤوليتها عن عمليات الطعن، مواقف القوى المقاومة بالتهديد باستئناف العمليات الاستشهادية التي تستهدف العسكريين والمستوطنين الصهاينة، رداً على كلّ عمليات القتل اليومية والتهديد المتواصل للقدس والمقدّسات. وفي قلب هذا التصاعد بدأت تحليلات المعلقين «الإسرائيليين» في القنوات العبرية والصحافة السياسية تلتقي على التوقعات التي تقول إنّ الانتفاضة الثالثة قيد الاندلاع.
لبنان التائه في قراءة ما يجري حوله، وحيث كلّ فريق يقرأ في كتاب، جاءته التحوّلات الروسية المتسارعة لتفسّر كلام أمين عام حزب الله عن الحظوظ الأفضل للعماد ميشال عون رئاسياً إذا كان الحساب لما سيشهده الإقليم من تطورات، ولتزيد ثقة العماد عون بقوته مع الربط الذي أوحى به الرئيس سعد الحريري بين مستقبل الرئاستين في سورية ولبنان.
العماد عون سيعلن غداً موقفه من المشاركة في الحكومة والحوار، في ضوء مصير مساعي الحلحلة لبلورة مخرج يبقي العميد شامل روكز في الخدمة العسكرية وبالتالي مرشحاً لقيادة الجيش بعد نهاية ولاية العماد جان قهوجي الممدّدة، ويقول قريبون من عون إنه يُعدّ خطاباً يوصَف بالتاريخي الأحد المقبل موعد التظاهرة التي سيفتتح بها رئيس التيار الوزير جبران باسيل رئاسته العلنية الشعبية للتيار، ويلاقي فيها عون الاستحقاقات من المكان الذي أُخرج منه قبل أكثر من عقدين بما يسمّيه المقرّبون بنجاح السعودية وحلفائها داخل القيادة السورية وخارجها بافتعال أزمة بين عون من جهة وسورية وقوى خيار المقاومة من جهة أخرى، ويتطلع للعودة إليه مع نجاحه بترسيخ التفاهم بينه وبين سورية والمقاومة، والتصحيح للمسار الذي يراه بخروج القوات السورية من لبنان من جهة، وبوجود حليف مشترك يمثله السيد حسن نصرالله من جهة مقابلة.
على ضفة تيار المستقبل يبدو الارتباك مع التطورات الإقليمية المتسارعة عكس توقعاته وحساباته ورهاناته، فيما بدأت أزمة النفايات والحلول المطروحة لها من كنف تحالفاته والحكومة التي يتحكّم بأغلبيتها ورئاستها، تهدّد وضعه الشعبي شمالاً وبقاعاً، حيث تعالت صرخات مناصريه مندّدة بموقف تياره ووزرائه مطالبة بسماع موقف واضح منه، تحت شعار جئتنا من قبل تطلب لوائحك الانتخابية «زي ما هيّ» فهل ستسمعنا أن النفايات ستبقى «زي ما هيّ»؟
مصير الحوار يتوقّف على مشاركة عون
يتوقف مصير طاولة الحوار على الاتصالات المكثفة التي تحصل على أكثر من صعيد حول ملف الترقيات العسكرية، وعلى حضور رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي من المتوقع أن يحدّد اليوم مشاركته في جلسات الحوار من عدمها.
وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» أن تسوية ما يجري طبخها لملف الترقيات العسكرية، لكنها لم تنضج بعد، وتتمحور حول إيجاد مخرج قانوني لإرجاء تسريح قائد فوج المغاوير في الجيش العميد شامل روكز قبل حلول موعد تسريحه إلى التقاعد ما يبقيه ضمن لائحة المرشحين لقيادة الجيش.
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» أنّ اتصالات مكثفة يجريها رئيس الحكومة تمام سلام مع جميع الأطراف لتذليل بعض العقبات، وأوضح درباس أن سلام لن يدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع بسبب انعقاد جلسات طاولة الحوار الوطني على مدى ثلاثة أيام متتالية، مؤكداً أن هذه الجلسات ستنعكس إيجاباً على تفعيل عمل الحكومة.
عرقلة الخطة تُنذر بكارثة بيئية
على الصعيد المطلبي، نفذ «الحراك المدني» سلسلة من الاعتصامات والتحركات توزعت بين الروشة ووطى المصيطبة والجية وعكار رفضاً لخطة معالجة أزمة النفايات التي وضعتها لجنة وزير الزراعة أكرم شهيب، وللمطالبة باسترداد الأملاك البحرية، وبإصلاح وضع قطاع الكهرباء، كما رفض ما وصفه الناشطون بـ«الفساد في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي».
وفي موضوع النفايات، يبدو أن تطبيق خطة الوزير شهيب ستعترضها عقبات عديدة نتيجة الاعتراضات الواسعة التي شملت جميع المناطق المحدّدة في الخطة، ما يضع لبنان أمام كارثة بيئية وصحية خطيرة، خصوصاً على أبواب فصل الشتاء.
في غضون ذلك، نفذت حملة «بدنا نحاسب» وحشد من أبناء منطقة إقليم الخروب، اعتصاماً حاشداً عند مدخل معمل الجية الحراري، ندّدوا فيه بـ«سياسات وزارة الطاقة في حق الوطن والإقليم». كما أقيم تجمّع في ساحة حلبا رفضاً لنقل النفايات إلى عكار، بدعوة من حملة «عكار مَنّا مزبلة»، شارك فيه حشد من رؤساء البلديات وهيئات المجتمع المدني وأهالي البلدات المحيطة بمكبّ سرار. وفي دالية الروشة، نفذ ناشطون من حملات متعددة دعماً «للموقوفين المحرّرين، الذين كانوا قد اعتقلوا على خلفية مشاركتهم في التظاهرات التي شهدها وسط بيروت احتجاجاً على أزمة النفايات».
ونظمت حملة «بدنا وطن»، اعتصاماً أمام مبنى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في وطى المصيطبة – بيروت، ورفع المشاركون لافتات وأطلقوا هتافات تطالب بوضع حدّ للفساد فيه.
العودة إلى سوكلين
وأكد الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني د. خالد حدادة لـ«البناء» أنّ المسؤولية في تنفيذ خطة النفايات لا تقع على الحراك الشعبي بل على الحكومة، لأن مجموعات الحراك درست بشكلٍ موضوعي الخطة ووضعت ملاحظاتها عليها وطالبت بتعديلها قبل أن يتحوّل المؤقت إلى دائم ويكون الرابح الأكبر سوكلين وشركاؤها، لأنّ السلطة تريد تثبيت الشركة وليس وقف التعاقد معها، لذلك تريد إحراق ورقة البلديات من خلال الصعوبات التي وضعتها أمامها وذلك بهدف العودة إلى المناقصات وتلزيم سوكلين».
وأشار حدادة إلى «أنّ ابتزاز السلطة وتهديدها بقرب فصل الشتاء لا يعني أنّ الخطة ستنفذ لوجود ثغرات عديدة فيها تتنافى مع القواعد العملية، وحذر حدادة من تنفيذ الخطة بالقمع والقوة وحمّل السلطة مسؤولية نتائج اللجوء إلى خيار كهذا، لافتاً إلى أنّ قسماً كبيراً من البلديات ذات تركيبة سياسية والمهمّ ليس موافقة هذه البلديات بل موافقة أهالي المناطق وتأمين مصالح الناس».
من جهة مقابلة، أكدت مصادر وزارية لـ«البناء» أن خطة الوزير شهيب ستتجه إلى التنفيذ في وقت قريب وأنّ هناك إجماعاً على تنفيذها من جميع القوى السياسية ومن معظم بلديات المناطق، ووضعت المصادر اعتراضات البعض على هذه الخطة في إطار المزايدات السياسية والإعلامية.
أهالي العسكريين الى الشارع مجدّداً
عاد ملف العسكريين المخطوفين لدى تنظيمي «داعش» و»النصرة» الإرهابيين إلى الواجهة، وبالتالي عاد أهالي العسكريين إلى الشارع بعد غيابهم منذ شهر رمضان، فقد أقدموا أمس على قطع الطريق عند شارع المصارف وسط بيروت، وتحدّث حسين يوسف باسم الأهالي، كاشفاً عن أنّ المعلومات التي وصلتهم في الآونة الأخيرة، تشير إلى أن لا ملف يسمّى «ملف العسكريين»، وأنّ ملف النفايات وملفات أخرى طغت عليه، مشيراً إلى أنه عقدت 3 جلسات حوار «ونحن متأكدون أنه لم يتمّ التطرق إلى ملف أبنائنا».
ثم توجه الأهالي من رياض الصلح إلى طريق المطار القديمة وقطعوها بالإطارات المشتعلة، للمطالبة بحلّ ملف أبنائهم، وسط تعزيزات أمنية من الجيش اللبناني. وبعد حال من التذمّر لدى المارة، أعاد الأهالي فتح طريق ولفتوا إلى أنّ «الطريق سيُعاد إقفاله مرة أخرى، مشيرين إلى أنّ جزءاً كبيراً من أهالي هذه المنطقة ومن الشعب اللبناني سيساعد في قطع الطريق. وتوجّهوا إلى الخاطفين، مطالبين إياهم بتسجيلات صوتية لجميع العسكريين، للاطمئنان إليهم».
ونفى يوسف لـ«البناء» ما تمّ تداوله عن اتصال تلقاه الأهالي من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم طمأنهم من خلاله عن صحة أبنائهم مقابل فتح الطريق، وأشار يوسف إلى أنّ «فتح الطريق خطوة متفق عليها بين الأهالي إكراماً للمواطنين الذين يريدون السفر عبر المطار. وهي كانت رسالة بأن لا المطار ولا أيّ بقعة ستكون خطاً أحمر أمام أهالي العسكريين، وللتجديد بأنّ ملف العسكريين أولاً وأولاً وأنه لن يكون أيّ وزير أو مسؤول في الدولة بمنأى عن تحركنا حتى إيجاد حلّ للملف».
وأوضح أن «لم يتمّ أيّ اتصال معنا منذ ثلاثة اشهر من أي مسؤول في الدولة اللبنانية».
ولم تستبعد مصادر الأهالي أن تكون جبهة «النصرة» هي التي تعرقل إنجاز المقايضة مع الدولة اللبنانية، وأكدت المصادر أنه «لم تصلنا أي تطمينات عن صحة العسكريين المخطوفين منذ الزيارة الأخيرة لأهالي المخطوفين لدى النصرة في عيد الفطر، كما لم نتلقّ أي تطمينات منذ عشرة أشهر عن صحة العسكريين لدى داعش».