اللبنانيون والاستثمار في إيران: سوق واعدة وطموح لامحدود
إنعام خرّوبي
لطالما تميّز رجل الأعمال اللبناني، أينما حلّ، شرقاً أو غرباً، بإبداعه وابتكاره وسرعة التأقلم مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة به، كيف لا وهو الذي نشأ في بيئة تعجّ بالمتناقضات السياسية والأمنية والاقتصادية في بلد شهد حروباً كبيرة على أرضه الصغيرة، فكان سبّاقاً إلى اقتناص الفرص، وخلْقها أحياناً، لتطوير نشاطه الاقتصادي وإثبات جدارته.
بعد أفريقيا وأميركا اللاتينية وغيرهما، ها هي السوق الإيرانية تتصدّر اهتمام المستثمرين اللبنانيين بعد توقيع طهران اتفاق فيينا النووي الذي أنهى عقوداً من العقوبات، لم تمنع إيران من بناء كيانها فعملت تحت طبقة الضجيج الدولي، بصمت وعزم، على تنمية قدراتها وتحقيق اكتفائها الذاتي في المجالات كافة، لتصبح قوة دولية مؤثرة لا يمكن تجاهلها.
وفي هذا السياق، يقول رئيس تجمُّع رجال الأعمال اللبنانيين الدكتور فؤاد زمكحل لـ»البناء»: «نحن نتجه اليوم نحو إيران التي يبلغ تعدادها السكاني 80 مليون نسمة، وهي من أكبر الأسواق في المنطقة ولديها نسبة نمو كبيرة بلغت العام 2014 نحو 3.5 في المئة، رغم العقوبات التي كانت مفروضة عليها. ويُتوقع أن تتراوح نسبة النمو، بعد رفع العقوبات، ما بين 5 و6 في المئة. هناك قوة شرائية مهمّة في السوق الإيرانية، ومن المتوقع أن يكون هناك ضخّ سيولة بقيمة 100 مليار دولار، كجزء من الأموال الإيرانية المجمّدة في المصارف الدولية، بسبب العقوبات، وهذا الضخّ سيخلق قوة شرائية كبيرة جداً».
ويضيف: «إنّ عودة إيران إلى سوق النفط، وإنْ كان بسعر منخفض، فستضخّ، بدورها، سيولة كبيرة إلى الخزينة الإيرانية. وإذا أُعيد ضخّ هذه الأموال في الاقتصاد المحلي فإنّ ذلك سيخلق قدرة شرائية ونمواً كبيرين. السوق الإيرانية سوق واعدة وفي حاجة إلى استثمارات وهي تزخر بالفرص الهائلة، في هذا الإطار».
وإذ يتطرق إلى طريقة تعاطي دول الغرب، ولا سيما الدول الموقعة على الاتفاق النووي، من خلال مواكبة الزيارات الاقتصادية للزيارات الرسمية السياسية، مع مراعاة وجود هامش معيّن بين الاقتصاد والسياسة، يؤكد زمكحل أنّ «اتجاهنا، كتجمُّع رجال أعمال لبنانيين، اقتصادي استثماري بحت وليس سياسياً. وإذا تابعنا ما جرى بعد توقيع الاتفاق نلاحظ أنّ الوفود السياسية الأوروبية التي زارت إيران بعد توقيع الاتفاق كانت مستقلة عن الوفود الاقتصادية، رغم أننا ندرك أننا لا نستطيع الفصل تماماً بين الاقتصاد والسياسة في كثير من الأحيان. نحن سنكون في إيران قريباً، كوفد اقتصادي بامتياز، وسنعقد محادثات ولقاءات مع نظرائنا من رجال الأعمال الإيرانيين الذي يعملون في مختلف القطاعات».
ويشير زمكحل إلى مزايا «مُهمّة جداً يتمتع بها رجل الأعمال الإيراني الذي برهن للعالم أنه يستطيع أن ينمو ويساهم في تطور اقتصاد بلاده رغم شدّة العقوبات وأمدها الطويل، في القطاعات المختلفة الصناعية والتجارية والطاقوية والخدماتية»، ويقول: «يهمّني أن أشير هنا إلى أننا لسنا في صدد منافسة إخوتنا الإيرانيين، من خلال استثماراتنا، بل إنّ هدفنا الأساسي هو أن نبني شراكات أخوية وعلاقات تآزر معهم، ليس فقط من خلال الشركات بل يمكن أن يكون ذلك من خلال البورصة الإيرانية التي تتضمّن نحو 400 شركة مُدرجة».
ويوضح زمكحل أنّ القطاعات الاقتصادية اللبنانية، على اختلافها، «مُهتمة بالاستثمار في إيران: البناء، الصناعة، السياحة، الزراعة، التكنولوجيا، المعرفة، الاتصالات، إدارة الأبنية، الشحن البري والجوي، التأمين وإعادة التأمين، الاستشفاء، صناعة الأدوية، وفي هذا السياق، أريد أن ألفت الانتباه إلى أنّ 85 في المئة من الأدوية هي صناعة محلية، لكنّ الإيرانيين مهتمّون بالقطاعات المتعلقة بمستحضرات ومواد التجميل ويولونها أهمية خاصة ويتطلعون إلى التعاون مع رجال الأعمال اللبنانيين في هذا المجال. أما بالنسبة إلى المصارف فإنّ استثماراتها قد تأخذ وقتاً أطول، في انتظار دخول إيران في الحلقة المالية العالمية ومواكبتها المعايير المصرفية الدولية».
وردّاً على سؤال عن طبيعة الزيارة التي من المرتقب أن يقوم بها وفد من تجمُّع رجال الأعمال اللبنانيين برئاسته إلى إيران، يجيب: «هي زيارة استطلاعية لاستكشاف مجالات وآفاق الاستثمار فعلياً على أرض الواقع، فنحن نرغب أن نكون من أوائل المستثمرين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد رفع العقوبات عنها، وكما ذكرت سابقاً فإنّ برنامج عمل الزيارة سيتضمّن، على الأرجح، لقاءات مع رجال الأعمال ولا أعتقد أننا سنلتقي في زيارتنا الأولى هذه مسؤولين سياسيين. وهنا أودّ أن ألفت الانتباه إلى أنّ هذه الزيارة ستتبعها زيارات أخرى».
ويأمل زمكحل أن يتمّ «توفير تحفيزات استثمارية لرجل الأعمال اللبناني، وخصوصاً من حيث التوظيف والضرائب، وغيرها من العوامل الأخرى المُشجعة».
أما بالنسبة إلى التحضيرات، المتعلقة بالزيارة، مع الجانب الإيراني، فيؤكد زمكحل «أنّ هناك اجتماعات دورية مع المعنيين والمختصّين بهذا الشأن في السفارة الإيرانية التي تبذل أقصى الجهود. وأودّ أن أتوجه، بالمناسبة، بالتحية والتقدير إلى سعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان محمد فتحعلي على مواكبتنا وتوفير كلّ المعلومات اللازمة لنا كرجال أعمال راغبين بالاستثمار في هذا البلد الواعد. هذا على مستوى التحضيرات مع الجانب الإيراني، أما على الصعيد الذاتي، فعلى كلّ رجل أعمال أو مجموعة رجال أعمال ترغب في الاستثمار في إيران، تحضير الأرضية ودراسة الفرص الموجودة والإمكانات المتوفرة لتحقيق الهدف الذي يسعون إليه. بالإضافة إلى كلّ ذلك، ووسط هذا الانفتاح الكبير والتنافس العالمي، يجب أن نتجه نحو العمل كمجموعات لنحقق ما نبتغيه بطريقة أسرع وأفضل، فرجل الأعمال اللبناني مشهود له بالكفاءة وإنْ كان قد نجح مُنفرداً في مختلف دول العالم وفي قطاعات متنوّعة، فإنّ الأفضل في ظلّ ما نواجهه من منافسة وتحدّيات أن نهتمّ أكثر بالعمل الجماعي، وخصوصاً أننا ندخل اليوم سوقاً صعبة كالسوق الإيرانية».
ويختم زمكحل: «تماماً كما تعلّمنا من الظروف القاسية التي مررنا بها كلبنانيين، علينا أن نتعلّم من النموذج الإيراني الذي تمكّن من بناء دولة قوية وقطاع خاص متكامل وصلب ومتماسك وإنشاء بنية تحتية مقبولة، بالنسبة إلى بلد يخضع لعقوبات، وهذا مؤشر إلى أنّ رجل الأعمال الإيراني الذي ينتظرنا قويّ ومحنّك وأنّ إثبات أنفسنا وحجز مكان لنا لن يكون بالأمر اليسير والسهل، وهذا يتطلّب منا المزيد من العمل، ودخول هذه السوق بما يميّزنا، وكما كان اللبناني ولا يزال موجوداً وناجحاً في كلّ دول العالم فيجب أن يكون موجوداً في إيران وينجح لأنّ نجاحه سينعكس حتماً على اقتصاد وطنه لبنان، الذي سيكون له دور كبير في تنميته».