السيّد نصرالله: طفَحَ الكيل سعودياً!
هتاف دهام
لا شك في أنّ لموقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من المملكة السعودية له بحدّ ذاته بعدُه ورمزيته ومدلولاته، لما للرجل من مصداقية وشعبية في العالم العربي في مواجهة الكفة الإعلامية المضللة التي يمتلكها الطرف الآخر. ويأتي كلام السيد نصرالله في اليومين الماضيين في سياق مرحلة المكاشفة التي كان السيّد قد بدأها منذ الأزمة السورية تحديداً ولا يمكن فصلها عن مشهد التصعيد الذي تشهده المنطقة، وهو أشبه بخضّة جديدة للحكم السعودي ليعي حجم المشكلة التي أدخل نفسه فيها، وإيذاناً بأنّ فترة السماح الإيرانية له قد شارفت على الانقضاء.
إنّ ارتفاع لهجة سيد المقاومة وتصاعدها يواكب أيضاً الدخول الروسي القوي على خط الأزمة السورية والتقدّم الميداني للجيش السوري ومحور المقاومة، ويستبق حدثاً ما قد تشهده اليمن خلال الأسابيع المقبلة عبّر عنه السيد نصرالله بقوله إننا سنشهد هزيمة سعودية نكراء.
شنّ الأمين العام لحزب الله هجوماً في المقابلة الإيرانية على السعودية، معتبراً أنّ مشروعها في البحرين أشبه بالمشروع الصهيوني في فلسطين، وأنّ هزيمة كبرى ستلحق بها في اليمن. وقبل ذلك خلال لقائه السنوي مع المبلّغين وقارئي العزاء، عشية بدء شهر محرم، مؤكداً أن السعودية هي المسؤولة عن القتل في منطقتنا، وهي التي قتلتنا في حرب تموز 2006، وكان قد سبقت ذلك سلسلة مواقف مركزة بدأت مع الحرب الكونية على سورية مروراً باليمن والبحرين وبلغت ذروتها مع مجزرة الحجاج في منى.
تقتل السعودية حزب الله منذ العام 2006 وحتى اليوم، وهي التي وصفت مجاهدي المقاومة بالمغامرين بعد عملية خطف الجنديين «الإسرائيليين» في خلّة وردة في عيتا الشعب أوائل تموز 2006. كان يمكن للسيد نصرالله في ذلك الحين أن يكتم المشاعر ويسكت عن حجم الحقائق الكثيرة التي يمتلكها وتعبّر عن إرادة آل سعود وبأشكال خطيرة لتورّطهم في النيل من المقاومة، والدور الذي أداه فريق 14 آذار، لا سيما وزير الاتصالات آنذاك مروان حمادة، والرئيس فؤاد السنيورة الذي كان في حركة تفاوضية مع كلّ غارة، يتناغم مع حركة الطيران «الإسرائيلي»، وما قام به في قمة الخرطوم في إطار السياسة السعودية الموجّهة، هذا من دون نسيان حكاية وزير الداخلية بالوكالة آنذاك أحمد فتفت في ثكنة مرجعيون!
تكشَّف حجم التورّط السعودي مع بداية الأزمة السورية في آذار 2011 وسفك دماء السوريين، والسيارات المفخخة التي استهدفت الضاحية الجنوبية والسفارة الإيرانية في بئر حسن والبقاع الشمالي، وقد ثبت بالمعلومات والأدلة تورّط الاستخبارات السعودية في تفجيرات الرويس والسفارة الإيرانية، ومن ثم الحرب الإرهابية التي شنتها منظمات إرهابية على بيئة الحزب الخاصة، وسفك دماء جمهور المقاومة، لكن تبعاً للأولويات كان حزب الله يضحّي ويتجاهل، بقيت لغة هجومه على السعودية بالاسم مكتومة إلى لحظة معيّنة طفح فيها الكيل، ودقت في العام 2013، سمّى فيها الأمين العام لحزب الله المملكة بالاسم، ما شكل إعلان نهاية سياسة التغاضي في التعاطي، فهو سَمّى الأشياء بأسمائها، ثم بدأ يحاكم السياسة السعودية تاريخياً وبمفعول رجعي منذ لحظة المؤسس عبد العزيز وصولاً إلى انخراطها بحسب معلومات حزب الله مع الإسرائيليين بتآمر مشترك ضدّ لبنان وسورية والمقاومة.
بلغ الملف اليمني ذروة جديدة في سياسة إشهار الحقائق بين الحزب والسعودية، حيث شكل السيد نصرالله أعلى منصات فضح السياسات التآمرية للمملكة، وهذا ما أخرج السعوديين عن طورهم. وأصاب الدور الذي أدّاه سيد المقاومة إعلامياً، المملكة بالهستيريا، فنظمت حملات إعلامية مدفوعة الثمن سلفاً شارك فيها سياسيون وكتّاب وأقلام عرب ومحليون، إضافة إلى محطات لبنانية وخليجية، وكان الهدف إحداث توازن مع ما مثله الحضور المؤثر للسيد في الحرب التي تشنّها على اليمن.
وإزاء حقيقة الدور الوهابي السعودي كانت هناك وقفة لأمين عام حزب الله في أحد خطاباته دعا فيه الرياض علناً إلى جرأة محاكمة دور وممارسة الوهابية بالمسّ بالإسلام وأخذه إلى المنحى التكفيري الذي يرتكب المجازر ويقطع الرؤوس، ودعاها إلى إعادة مراجعة لمسؤولياتها المباشرة عن زرع الفتنة داخل الدين الإسلامي عبر الوهابية.
يملك السيد نصرالله الكثير من الأدلة الدامغة عن الدور الذي تقوم به مملكة آل سعود في مفخخات العراق منذ العام 2013 وتدمير سورية واحتلال البحرين الذي يشهد تظاهرات مدنية لا تبغي تغيير النظام، والحرب اليمنية، ليأتي موقفه أول من أمس ضمن هذا السياق الطويل والمتراكم من الحلقات السوداء للسعودية، ولتزيد الشكوك التي أحاطت بقضية الحجاج، عاملاً إضافياً من الموبقات التي ترتكبها المملكة بحق تسامح الإسلام وبحق الإنسانية، وما المنظر المهين لجثامين الحجاج المتراكمة كرجم الحجارة وتتمّ تعبئتها بالجرافات إلا خير دليل على مستوى «إنسانية» المملكة.
وفي المقلب اللبناني لن يقطع السيد نصرالله مع تيار المستقبل شعرة الحوار الثنائي الذي يحظى بدعم إيراني وبموافقة سعودية بناء على ضغط أميركي. وكذلك طاولة الحوار المستديرة التي لن يفجّرها أيّ احتكاك إقليمي – سعودي، فهي التأمت بعد جولة استشارات مع سفراء الدول المؤثرة الغربية والإقليمية، بغضّ النظر عن أنّ الرياض قرّرت تجميد أيّ تفاهم داخلي لبناني، وأبلغت تيار المستقبل والقوات اللبنانية أنّ لليمن وسورية الأولوية المطلقة عندها.