السعودية… علّتها «داعشيّةُ» آل سعود في الداخل والخارج
ركّزت تقارير عدّة في الصحافة العالمية على الأوضاع المتردّية في المملكة العربية السعودية، وقالت إنها تتخبّط في الداخل والخارج سياسياً واقتصادياً وأمنياً. إذ تعتبر السعودية الدولة الأولى عالمياً على صعيد إنتاج النفط، وفي الوقت عينه تعاني من عجز قدره 20 في المئة في الموازنة من جرّاء الحروب التي تخوضها في اليمن، وعبر تمويل الإرهابيين في سورية، والانخفاض في أسعار النفط. ويعيش 25 في المئة من السعوديين تحت خط الفقر، أي نحو 5 ملايين مواطن.
وتأتي المملكة في المرتبة الثمانين من حيث الفساد عالمياً والأولى خليجياً. وتصنّف بين الدول الثلاث الأولى من حيث نسبة الإعدامات التي تنفّذ بحدّ السيف وقتلاً بالرصاص على أن تعلّق الجثث والرؤوس المقطوعة أمام الشعب لأخذ العِبر! إذ يُعدَم شخص واحد كلّ يومين، وذلك بحدّ السيف في معظم الحالات، كما يُنفّذ حكم الإعدام بحق أحداث وأشخاص يعانون من إعاقات عقلية.
ففي الأشهر الخمسة الأولى من السنة الحالية، نُفّذ ما لا يقلّ عن مئة حكم إعدام مقارنة بتنفيذ 90 إعداماً السنة الماضية بكاملها.
وتتابع التقارير الصحافية أنه لا يخفى على أحد أنّ الأسرة الحاكمة تعاني من خلافات واسعة على خلفية الاستئثار بمقاليد حكم المملكة. وما يؤكد ذلك، وجود 11000 سعودي يشتبه بتورّطهم بالخروج عن الحكم و30 ألف معتقل سياسي من أصل 18 مليون مواطن يقبعون في سجون مملكة آل سعود. كما لا يخفى على أحد من حلفاء السعودية الخليجيين والأوروبيين والأميركيين، قبل خصومها، أنها تقمع الحريات الشخصية، فهي تمنع المرأة من الخروج من منزلها من دون ارتداء النقاب، كذلك تمنعها من قيادة السيارة، وتقمع الحرّيات الإعلامية. فهي تأتي في المرتبة 164 من أصل 180 على جدول تصنيف حرّية الصحافة السنة الحالية، وكذلك تقمع الحرّيات الدينية.
وتضيف التقارير أن لا شيء يعلو داخل المملكة على صوت الوهابية الذي حدّث وعلى حرج عن فكره المتطرّف، والذي لا يرحم أحداً يخالفه الرأي. هذا الفكر الذي يزداد تعصّباً وتطرّفاً يوماً بعد يوم. فهناك فقط على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» 866 تكفيرياً يعملون داخل السعودية ويؤجّجون الفتنة الطائفية والمذهبية، وبات الأمر يقلق الدول الغربية الى حدّ كبير. وتشير التقارير إلى أنّ السعودية، مملكة تمثّل فيها عائلة آل سعود السلطة السياسية والثقافية والدينية المطلقة بلا منازع. الطبيعة الاستبدادية للسعودية تضمن كبت حرّية التعبير وتكفل قمع كافة صور المعارضة السياسية وإخراسها على نحو عنيف. ومن ضمن وسائل القمع الأساسية المستخدمة من قبل الحكومة، أسلوب السجن التعسّفي من دون توجيه اتهامات ولا محاكمة، إضافة إلى أسلوب إجراء المحاكمات الصورية التي تفتقر إلى أدنى مظاهر الحيادية والعدل، وهما أسلوبان قد أصبحا من أهمّ الصفات المميّزة للقضاء و«العدل» السعوديين. ومع تولّي الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز منصبه وتعيينه «الجزار» محمد بن نايف وليّاً للعهد ـ على حدّ وصف سعد الحريري ـ تزداد يومياً حصيلة مسلسل تنفيذ أحكام الإعدام في السعودية بوتيرة غير مسبوقة عقب محاكمات تنتهك المعايير الدولية بشكل صارخ، وترتفع معها وتيرة الانتقادات من المنظمات الحقوقية الدولية والنشطاء الحقوقيين. فيما تحاول السلطات السياسية والدينية تلميع صورتها في المجتمع الدولي القلق من تزايد هذه الانتهاكات باستخدام الخطاب الديني. الفكر الوهابي يتغلغل في أروقة الجسم القضائي السعودي ويتحرّك بحزم ضدّ كلّ من لا يستكين للحركة الوهابية. أرقام تشبه أرقام الحروب، ومشاهد القتل لا تقلّ ترويعاً عن تلك التي يشاهدها الناس من حسابات «داعش» في مواقع التواصل الاجتماعي وتيرة انتقادات منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والنشطاء الحقوقيين ترتفع مع ارتفاع وتيرة تنفيذ الأحكام التي تفوق معدّلات جريمة القتل بكثير.
منظمة «العفو الدولية» في تقريرها الأخير في نيسان 2015 أشارت إلى أنّ عدد ضحايا الإعدام في السعودية من أعلى الأرقام التي سُجّلت خلال الفترة الزمنية نفسها على مدى يزيد على 30 سنة. وجاءت السعودية بين الدول الثلاث الأولى في العالم من حيث عدد الإعدامات. وأشارت بدورها منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى أنّ ما يقارب نصف المنفّذ بحقّهم عقوبة الإعدام، صدرت الأحكام بحقهم بعد إدانتهم في «جرائم خالية من العنف»، وهو ما يعدّه نشطاء حقوقيون انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي في ظلّ غياب أسس قانونية في معظم هذه المحاكمات التي تجري خلف الأبواب الموصدة. وبغياب هذه الأسس القانونية، يتسنّى للقضاء السعودي تجريم طيف واسع من المخالفات كجرائم جنائية، يمكن من خلالها الحكم بالإعدام على النشطاء السياسيين، بموجب اتهامات فضفاضة، كتهمة التحريض على التظاهرات، أو «الدعوة إلى العنف»، كالتي وُجّهت إلى الشيخ نمر باقر النمر في 15 تشرين الأول الماضي. وتستمرّ السلطات في قمع الأشخاص الذين يطالبون بالإصلاح السياسي وغيره من الإصلاحات، إضافة إلى النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان. وقد احتُجز بعضهم من دون تهمة أو محاكمة، بينما واجه آخرون، لا سيما في القطيف، محاكمات بتهم غامضة من قبيل «الخروج على وليّ الأمر». وفي ظلّ نظام لا يفسح المجال للأحزاب السياسية أو العملية السياسية الديمقراطية، ليس هناك بالتالي معنى واضحاً للجريمة السياسية أو السجناء السياسيين. كما توثّق المنظمات الدولية انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان ترتكبها السعودية بالجملة مثل «التمييز الممنهج ضدّ النساء على صعيد القانون والممارسة»، و«خرق حقوق العمال المهاجرين». علماً أنّ النساء في السعودية لا يُسمح لهنّ بقيادة السيارات ويحتجن إلى إذن من أولياء أمورهن من أجل السفر. وتتفشى أمراض أخرى بين حنايا المملكة الوهابية بمختلف اتجاهاتها العقلية منها والاجتماعية، إضافة إلى السياسية المشبعة بالأمراض الخطيرة لتعكس حقيقة الداخل السعودي المليء بالعلل ابتداءً من تربية الشباب السعودي على أفكار التطرّف، وليس انتهاء بالأسرة الحاكمة وتشعّباتها وما ينتج عنها من حروب ونزاعات للوصول إلى سدة الحكم بمختلف الوسائل الدنيئة. تلك الحالات المرضية تنعكس أيضاً بين الشباب السعودي الذي يعيش في مجتمع مغلق محكوم عليه بحدّ السيف، والتعليم على نظريات التطرّف، والذي يظهر في الكمّ الهائل من المنتسبين والمتابعين بشغف للتنظيمات الإرهابية وأفكارها الشيطانية وعملياتها الإجرامية التي تقتل وتدمّر وتخرّب وعلى رأسها تنظيم «داعش» الإرهابي. ويحيط آل سعود أنفسهم بقدسية دينية تبيح لهم فعل الكثير من الجرائم والمنكرات بحق الإنسانية، سواء على المستوى الحقوقي أو السياسي أو الإنساني، ما يجعل كسر هذه القدسية أمراً أخلاقياً إلى أبعد حدّ ممكن. وقد قامت دولة آل سعود منذ اللحظة الأولى على أساس ديني متمثل في الحركة الوهابية وكانت تحاول باستمرار بسط سيطرتها على الأماكن المقدسة في الحجاز من أجل تقديم نفسها على أنها حامية المقدسات والكيان الديني الحامي للمسلمين كافة. ومن يظن أنّ العلاقات الخليجية تقوم على مبدأ الوحدة الخليجية والتكافؤ فهو واهم، فما زال آل سعود يتحكّمون في قرارات الدول الخليجية الأخرى وسياساتها بالقوة، وإنْ تغيّرت لغة السيف إلى لغة الضغوط السياسية وبأساليب تلائم العصر الحالي.
وعلى مرّ التاريخ اعتبر ملوك آل سعود أنّ الخطر الحقيقي عليهم لن يأتي من الدول الغربية طالما استمرّوا في حماية مصالحهم في المنطقة، ولكن الخطر الأكبر يأتي من الدول العربية والإسلامية الكبرى التي تحيط بهم مثل اليمن ومصر والعراق والشام وإيران، لذلك تحاول السعودية جاهدة السيطرة على هذه الدول بشتى السبل الممكنة، وتتخوّف من أن تفوقها تلك الدول قوة، وتجلت آخر محاولاتها هذه من خلال العدوان الذي تشنّه منذ أشهر على الشعب اليمني الطيب والأعزل والذي راح ضحيته حتى الساعة آلاف الشهداء والجرحى فضلاً عن تدمير الآثار والبنى التحتية وجميع مقومات الحياة في هذا البلد الفقير. وما يرتكبه هذا النظام السعودي الوهابي التكفيري المتطرف في اليمن لم يشف غليله للدم، إذ أنه وراء غالبية العمليات الإرهابية والإجرامية التي حدثت في العالم، وكذلك يعتبر المصدّر الرئيس لـ«القاعدة» والإرهاب إلى المنطقة، لا سيما إلى سورية والعراق، وهناك ملفات وأسماء وصور وأرقام وتواريخ وحوادث موثقة لجميع الجرائم الإرهابية التي كان سببها هذا الفكر الوهابي السعودي الفاشي، والتي أدّت إلى مقتل آلاف الأبرياء من الشيعة والسنّة والمسلمين والمسيحيين والأيزيديين والصابئة وباقي مكوّنات شعوب المنطقة على يد القَتَلة والمجرمين حاملي فكر آل سعود «الداعشي» الذي لا يعترف بالآخر بأيّ شكل من الأشكال. ولا يمكن حصر التحدّيات السعودية في وجهة واحدة، فبعدما كانت تحدّياتها في السابق، إبان عهد الملك عبد الله خارجية بامتياز، وتقتصر خسائرها على الفشل في سورية، وبعبارة آخرى فشل الرياض في إيجاد موطئ نفوذ جديد، غدت اليوم تواجه أزمة مصير بسبب عدوانها على اليمن، وتحدّيات أمنية صعبة على الصعيد الداخلي، إضافةً إلى ابتعادها عن مصر في الآونة الإخيرة التي بدورها انسحبت تدريجياً باتجاه دمشق، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية الخانقة بسبب انخفاض أسعار النفط، وناهيك عن «النزاعات الداخلية ضمن العائلة المالكة التي قد تضع البلاد على حافة الهاوية».
هذه المؤشرات تظهر جميعها بأنّ مملكة آل سعود تسير في الاتجاه الخاطئ.