القدس والأقصى بين الحقيقة التاريخية والأساطير اليهودية

يقدّم الكاتب وجدي المصري عرضاً تاريخياً للزعم اليهودي القائل بأحقية بني «إسرائيل» في أرض فلسطين، مشيراً إلى المفاوضات التاريخية سواء منها المتعلّق بالهيكل أو العائد إلى طبيعة العبرانيين وموسى بالتحديد، مستنداً بذلك إلى آراء وأبحاث اختصاصيين قدّموا شهادات وأبحاثاً علمية تنفي المزاعم اليهودية.

إن البحث الذي يقدمه الكاتب، يساهم في هذه الآونة في كشف حقيقة ما يجري في المسجد الأقصى، حقيقة التقصير العربي والإسلامي إزاء الخطر الذي يهدّد أحد أهم المقدّسات. و«البناء» التزاماً منها بمتابعة نهج الصراع وخصوصاً منه الفكري الثقافي تدعو الأقلام كافة إلى تزخيم الكتابة في هذا السياق، منعاً من تمرير الثقافة الصهيونية التي جنّدت فضائيات ووسائل إعلام خطيرة جداً.

وجدي المصري

تزداد في هذه الآونة هجمة «ال إسرائيليين»، سياسيين ومستوطنين، على المسجد الأقصى في القدس وبالتالي على الفلسطينيين، ما ينذر بانتفاضة جديدة بدأت بوادرها تظهر للعيان، ولن تنفع تصريحات محمود عبّاس المتخاذلة بتنفيس الاحتقان واحتواء الغضب. فلماذا هذا الإصرار على دخول الأقصى؟ ولماذا لا يحترم من يعتبرون أنفسهم متدينين ديانة الآخرين وأماكن عبادتهم؟ للجواب على هذين السؤالين يجب أن نعود إلى العهد القديم التوراة لكي نعرف ماذا تعني القدس لبني « إسرائيل» ولماذا يستكينون ثم يعاودون مهاجمتهم للأقصى.

معظم الدراسين الكتابيين الموضوعيين، ومنهم يهود، يقرأون اليوم العهد القديم بعقلٍ منفتح بعيداً من التفكير الديني النمطي المنغلق على الأفكار المتوارثة، والذي لا يسمح بمجرد التساؤل عن بعض ما لا يستسيغه العقل. فالمتديّنون نوعان: نوع متزمّت لا يقبل بتجاوز حرفية الكلام، ولا يجيز إمكان مناقشة الموروثات الكتابية لأنّه يعتبرها إلهية مقدسة غير قابلة للنقاش، ونوع منفتح بدأ حديثاً بالإضاءة على هذه الموروثات باعتبارها نتاج العقل البشري، وبالتالي يعطون هذا العقل إمكان مناقشتها في كل زمان ومكان. وللذين لم يقرأوا العهد القديم نقول بأنّ كتبة العهد القديم الذين بدأوا بتدوينه في القرن السادس قبل الميلاد إبّان وجودهم في بابل العراق بفعل السبي الذي وقع عليهم من نبوخذ نصّر، كانوا قد اطلعوا على تراث شعوب بلاد ما بين النهرين التي تركت عشرات آلاف الرقم الحجرية مخلدةً فيها تراثها الفكري. فما كان من هؤلاء الكتبة وعلى رأسهم عزرا أن اقتبسوا من أدبيات الشعوب التي سبقتهم فأدخلوا عليها القليل من التحوير ونسبوا ما جاء فيها من أفعال خارقة الى إله اعتبروه إلههم الخاص أسوة بشعوب تلك الأزمنة التي كانت لها آلهتها، وجعلوا على لسان هذا الإله أقوالاً رددت صدى أقوال آلهة أساطير الشعوب القديمة. وهي لو اكتفت بذلك لما كانت هناك مشكلة، لأنّ المشكلة بدأت عندما فرض أتباع هذه الكتابات، أي اليهود، على العالم أجمع قدسية هذه الكتابات وبالتالي عدم جواز مناقشتها. وعندما نتعمق بقراءة هذه الكتابات لا بد لنا من أن ندرك بأنّها، وكما يقول الفيلسوف اليهودي اسبينوزا، غير ملزمة لغير اليهود لأنّها لم تصدر عن إله الكون، بل عن إله خاص ببني إسرائيل الذين لا يزالون حتى يومنا هذا يعتبرون أنّ هذا الإله خاص بهم وأنهم شعبه الخاص بخلاف بقية الشعوب. قد يكون هذا الموقف مقبولاً من الناس السذج الذين كما قلنا يلتزمون الحرف ولا يجرؤون على تجاوزه. أما اليوم، وبعد أن بدأ الآثاريون يكتشفون ما يختزنه باطن الأرض من كنوز حضارات الأمم الغابرة، لم يعد جائزاً القبول بهذا المنطق، لأنه أصبحت بين أيدينا ترجمات لأساطير سبقت ما كتب في العهد القديم بآلاف السنين وهي قد تطرقت الى موضوعات وردت في العهد القديم. فقصة آدم وحواء ، وطوفان نوح، وقدرة يوسف على تفسير الأحلام، وقصة موسى وإلقائه في الماء ثم إنقاذه وصولاً الى أن يصبح رجلاً مهماً، كلّها لها ما يشابهها في أساطير السومريين والكلدانيين والبابليين والكنعانيين، لكن الفرق أنّ الأساطير الأساسية ظلّت في خانة النتاج الأدبي، أما الأساطير المتأثرة بها فقد أسبغت عليها هالة من القداسة والألوهية لغاية في نفس يعقوب إسرائيل تكشفت قديماً بمحاولة قبائل كانت تمارس القرصنة، وقطع الطرق، والمحاربة مع بعض الملوك لقاء المال، وتكشفت حديثاً باستغلال الصهيونية لما ورد في العهد القديم انطلاقاً من اعتبار ما جاء فيه كلاماً إلهياً مقدساً للسيطرة من جديد على الجزء الجنوبي من سورية أي فلسطين.

لقد ارتكزت الصهيونية في تحركها إلى ما جاء في العهد القديم من أنّ الله =إلههم قد أعطاهم أرض كنعان، وأنّهم بعد استبعاد دام أربعمئة سنة في مصر أخرجهم موسى وجاء بهم الى الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً، وقام يشوع بإدخالهم إليها بقوة السلاح مذّمراً، وقتل، ونهب، وخرّب، بأمر من إلههه، وسيطر على الأرض ووزّعها بين أسباط « إسرائيل» الى أن طالب الشعب النبي صموئيل أن يمسح ملكاً عليهم أسوة بشعوب المنطقة التي كانت تفوقهم حضارة ورقياً وعمراناً وقيماً أخلاقية واجتماعية ودينية. لكن هذه الأخبار الخيالية لم تعد قادرة على فرض نفسها على أنها حقائق تاريخية. يقول شلومو ساند في الصحفة 164 من كتابه اختراع الشعب اليهودي ما يلي: كذلك قام هؤلاء كتبة العهد القديم بالطريقة نفسها، مستعينين بخيالهم الخصب والمميز، بإعادة نسخ وتدبيج قصص وروايات معروفة عن خلق الكون والطوفان الفظيع، ترحال الآباء وصراع يعقوب مع الملاك، خروج مصر وانشقاق البحر الأحمر واحتلال أرض كنعان، والتوقف العجيب للشمس في جبعون، وفي هامش رقم 115 في الصفحة 176 يقول:

« بدأت تظهر في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي أصوات تشكك في رواية احبلال كنعان منها على سبيل المثال ألبرخت ألت، مارتين نوت، جورج مندهول، ونورمن غوتغالد والآخرين أضافا فرضيات سوسيوتاريخية جديدة حول كيفية ظهور العبريين في المنطقة». ومثل هذه الدراسات كانت وما زالت تواجه بتهمة اللاسامية التي سيكون لنا دراسة حولها لاحقاً.

وإذا ما تابعنا تاريخ بني « إسرائيل» كما هو وارد في العهد القديم والذي لم يشر إليه أي مصدر تاريخي آخر، لا حول وجودهم في مصر او خروجهم منها أو دخولهم أرض كنعان، نصل الى التطورات التي رافقت مسح داود ملكاً على إسرائيل» وحروبه مع أسباط « إسرائيل» الأخرى والتي تفوق حروبه مع الفلسطينيين، وفي هذا السياق لا بدّ من الإضاءة على بعض ما يعتبره البعض تاريخاً. داود لم يسيطر على كامل أرض كنعان حتى ولا على كامل فلسطين هموئيل القدس، والتي كانت تعرف أيضاً بيبّوس لأنّها كانت مدينة اليبّوسيين لم تكن في ذلك التاريخ مدينة مهمة، وداود أقام في حصن صهيون لا في القدس، جاء في الإصحاح الخامس من سفر هموئيل الثاني ما يلي: «جاء جميع شيوخ إسرائيل الى الملك الى حبرون فقطع الملك داود معهم عهداً في حبرون أمام الرب ومسحوا داود ملكاً على إسرائيل… وذهب الملك ورجاله الى أورشليم الى اليبوسيين سكان الأرض. وكلّموا دواد قائلين لا تدخل الى هنا ما لم تنزع العميان والعرج. أي لا يدخل داود الى هنا. وأخذ داود حصن صهيون. هي مدينة داود… وأقام داود في الحصن وسماه مدينة داود». وجاء في سفر الملوك الأول الإصحاح الثامن ما يلي: «حينئذ جمع سليمان شيوخ إسرائيل وكلّ رؤوس الأسباط رؤساء الآباء من بني إسرائيل الى الملك سليمان في أورشليم لإصعاد تابوت عهد الربّ من مدينة داود، هي صهيون «. الملك داود لم يبن بيتاً للربّ، أي هيكلاً، أي معبداً، بل كان معبدهم خيمة الاجتماع لأنّهم حتى ذلك الوقت لم يكونوا قد تأقلموا مع الحياة الحضارية للكنعانيين واستمروا بالإقامة في الخيم حتى أنهم لم يستطيعوا لفقرهم امتلاك الأحصنة للتنقل. الملك سليمان حسبما تفيدنا الأسطورة النرواتية طلب من احيرام ملك صور أن يمده بخشب الأرز والبنائين لكي يبني معبداً للرب، فكان له ما أراد مسخراً لذلك عشرات ألوف العمّال، ووضع تابوت العهد فيه، وبحسب الرواية الترواتية دمّر الهيكل للمرة الأولى على يد نبوخذ نصّر ثم أعيد بناؤه بعدما سمح قورش الفارسي لليهود بالعودة من بابل الى أورشليم ثم دمّر مرة ثانية وثالثة وكانت الأخيرة على يد الرومان .

وفكرة المعبد بمقاييسه التي ورد ذكرها في التوراة ليس اختراعاً يهودياً، لأنّ كلّ شعوب تلك الأزمنة عرفت المعابد، وكثر من الدراسيين شبّهوا هيكل سليمان ببعض هياكل الممالك الكنعانية يقول المؤرخ اليهودي أرنولد تويني في كتابه تاريخ البشرية صفحة 2/3 ما يلي: فوصف الهيكل في القدس على النحو ما أعدّه سليمان وكما وجده حزّقياً وحوزيّاً، قد ينطبق في الغالب على بيت أيل في المملكة الشمالية وعلى هياكل ملكوم في عمون وشموش في موآب وريمون في دمشق…» أما بخصوص تابوت العهد فيقول الكاتب ناجح المعموري في كتابه الأصول المصربة لتابوت العهد بأنّ التابوت في الديانة المصريّة كان يشير إلى الحياة ما بعد الموت. وإذا صحت مقولة وجود العبريين في مصر فهذا يعني أنّهم تأثروا بعادات الفراعنة وتقاليدهم خاصة أنّهم كانوا أصحاب حضارة عريقة، ووصل الحد بفرويد إلى القول بأنّ موسى، إن وجد فهو مصريّ وليس عبريًّا، وهو أخذ التوحيد عن أخناتون. ويقول المعموري في الصفحة 59 من كتابه ما يلي: «وصار تابوت العهد علامة من العلامات المقدّسة في الديانة الجديدة، وهي علامة مرتحلة إليهم، منقولة من الديانة الفرعونية…».

لقد استعمل الصهانية العهد القديم جواز عبور للسيطرة على فلسطين وللحصول على سمة الدخول الإلهية مرّة جديدة، ولم يكن ليتوفر لهم ذلك لو لم يتلاعبوا بالعواطف الدينية، بخاصة لدى المسيحيين، فاستحصلوا بذلك على دعم معظم دول العالم. يقول بن غوريون: «ثمة رباط غير منقطع بين شعبنا والأرض مستمر طيلة هذه القرون بكامل قوته…»، ويقول الكاتب أنتون لاغاردياك: «إن قيام إسرائيل، بالنسبة لليهود، معجزة معاصرة، وتحقيق لوعد الله، الذي طالما انتظروه، وهو الآن هنا، ويبقى العهد مع ابراهيم قائمًا إلى الأبد». ويذكر كولن تشابمن في كتابه «أرض الميعاد لمن؟» بأن الكثير من المسيحيين يدعمون الادعاءات اليهودية ويورد قولاً لقسيس بل كلينتون الشخصي وهو: «إذا أهملت إسرائيل لن يغفر لك الله أبدًا … فإن الله يشاء أن تبقى إسرائيل، الوطن الكتابي لشعب الله إلى أبد الأبد». فهل تساءل هذا القس وأمثاله بعد قوله هذا عن موقع يسوع وإيمانه المسيحي بالله الكوني الذي لا يمكن أن يميّز بين خلقه فيصطفي بعضهم ويرذل الآخرين؟

احتلت إسرائيل القدس عام 1967 وسعت مباشرة إلى استدعاء أفضل علماء الآثار لكي يبحثوا عن هيكل سليمان في محاولة لتثبيت وجودهم الديني والسياسي في هذه المدينة والذي يعود إلى مملكة إسرائيل في القرن العاشر قبل الميلاد، وكانت النتيجة محبطة لمساعيهم على مدى عقود. فالعالمة كاتلين كينيتون تقول بعد عمل مضنٍ وحفر ودراسة موضوعية وتنقيب محدد عن هيكل سليمان في أكثر من مكان من دون أن تجد أي أثر له: «حتى إذا سمحت الظروف بالتنقيب تحت الحرم الشريف وقبة الصخرة، والذي سيكون من نتيجة تخريب مكان على غاية من الجمال والقداسة، فإنّ من المؤكد أنّ المنقبين لن يعثروا على شيء يذكر، لأن أرضيات الحرم الشريف تقوم فوق القاعدة الصخرية للتل مباشرة». فما كان من «إسرائيل» بعد هذا التصريح إلا أن منعت هذه العالمة من الدخول إلى الأرض المحتلة. إنّ محاولة التنقيب تحت المسجد الأقصى تهدف فقط إلى تدميره كخطوة ثابتة على طريق تهويد القدس والذي لا يتم بوجود معلم يدل على ديانة أخرى وهكذا سيفعلون بكنيسة القيامة. كما كتب االمؤرخ وعالم الآثار توماس ل. تومسون في كتابه الصادر عام 1999 تحت عنوان «the bible in history» ما يلي: «لقد تم تقديم القرن العاشر إلينا ق.م. ، تقليديًا، باعتباره العصر الذهبي لـ «إسرائيل» القديمة وعاصمتها أورشاليم، كما جرى التحدث عن مملكة موحدة تحت قيادة شاوول فداود سليمان، بسطت سلطتها على مساحة جغرافية واسعة امتدت من النيل إلى الفرات. وكل من هذه التصورات لا مكان لها في الواقع، عندما نأتي لدراسة ووصف حقيقة ما جرى في الماضي، لأنّها غير موجودة خارج السياق القصصي التوراتي. وما نعرفه عن القصص التوراتي لا يشجعنا البتة على التعامل معها باعتبارها تاريخًا.

إننا لا نملك بيّنة على قيام مملكة موحدة، ولا على عاصمة في أورشليم».

هذا ما توصّل إليه الأركيلوجيون الذين لم تسيطر عليهم النزعة الدينية ووحدهم تمكنوا من تقويم عقلاني لكلّ ما كتب في العهد القديم. الحركة الصهيونية انطلقت من كلام افتراضي لإلههم منحهم بموجبه أرض كنعان ومن ضمنها طبعًا فلسطين، وأتت أساطيرهم لتظهر أنّهم تمكنوا بالفعل وبمساعدة إلههم من إقامة دولتهم وكانت عاصمتها القدس، وأنّهم أقاموا في القدس في أيام سليمان هيكلاً للرب وضعوا فيه تابوت العهد. من هنا يطالبون العالم اليوم، ليس فقط بالاعتراف بيهودية دولة «إسرائيل»، بل بالقدس عاصمة لها. وما تحركهم المتكرّر بالتعدي على الأقصى وصولاً إلى تدميره إلا من قبيل فرض واقع جديد يكون مدخلاً لتهويد المدينة بعد تدمير المقدسات المسيحيّة والإسلاميّة من دون الحاجة لإيجاد حجر واحد من هيكل سليمان. جاء في سفر الملوك الأول الإصحاح الخامس ما يلي: «وأمر الملك سليمان أن يقلعوا حجارة كبيرة حجارة كريمة لتأسيس البيت حجارة مربعة فنحتها بناؤو حيرام والجبليون وهيأوا الأخشاب والحجارة لبناء البيت»، وعلى هذا الكلام لنا ملاحظتان: الأولى أن بني إسرائيل حتى أيّام سليمان كانوا لا يزالون يسكنون الخيم ولا معرفة لديهم ببناء المساكن لذلك استنجد سليمان بحيرام وبنّائيه. والثانية هي تساؤل مشروع عن اختفاء هذه الأحجار الكريمة الكبيرة في الوقت الذي لا تزال آثار حضارات أقدم من «الإسرائيليين» ماثلة للعيان في مصر وبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين. فلماذا وحدها أحجار الهيكل اختفت؟ هذا يؤكد ما توصل إليه علماء الآثار من أنه لا وجود لهذا الهيكل بل هو مفهوم لاهوتي مثله مثل تابوت العهد الذي لم يكن له وجود أصلاً إذ كيف ضاع أيضًا ولم يعد له من أثر وهو من أقدس مقدسات اليهود؟ لقد سيطر الفلسطينيون بحسب الرواية التوراتية على تابوت العهد: «وكان تابوت الله في بلاد الفلسطينيين سبعة أشهر». حموئيل الأول، الإصحاح السادس، وبعد ذلك استعادة الإسرائيليين وهذا يعني أنّ أعداءهم الفلسطينيين حافظوا لهم على هذا التابوت، فكيف يعقل أن لا يحافظوا هم عليه؟ ولماذا لم يقضي إله بني إسرائيل على كل الفلسطينيين عندما كان هذا التابوت في حوزتهم كما ورد في توراتهم بأنّ كلّ من ينظر إلى هذا التابوت يموت؟ فكيف يمكن أن يختفي هذا التابوت الذي يمتلك مثل هذه القوة الخارقة؟

ما يجري اليوم في القدس من تعدٍّ على المسجد الأقصى هو حلقة من حلقات المؤامرة اليهودية على بلادنا، وليس العجب أن يستند اليهود إلى أساطير التوراة للاستمرار باحتلالهم وتعدياتهم، بل العجب كلّه أولاً من حكام العالم العربي الذين يدفعون مليارات الدولارات لتنفيذه الإرهاب، وتدمير حضارة سورية ولا يصدر عنهم أي موقف تنديد بما تقوم به «إسرائيل». وثانيًا موقف العالم المتفرج على استمرار أبشع مؤامرة عرفتها الإنسانية حتى اليوم وكل ذلك باسم الإله واسم الدين.

القدس مدينة كنعانية جذورها ضاربة في التاريخ قبل بني إسرائيل بآلاف السنين، جاءت شعوب البحر ومنهم الفلسطينيون وعاشوا فيها وفي محيطها من أرض كنعان، وأخذت الأرض اسمها منهم فأصبحت تلك المنطقة من أرض كنعان تعرف بفلسطين، وكذلك في القرن الثالث عشر قبل المسيح، واستمر اسمها فلسطين حتى اليوم بالرغم من كل محاولات اليهود لمحو هذا الاسم عن الخريطة الجيوسياسية والحضارية. وإذا افترضنا أن الأساطير التي حفل بها العهد القديم تستند إلى حقائق تاريخيّة، فهذا يعني أنّ مملكة إسرائيل القديمة لم تعمّر أكثر من مئتي سنة وهي مملكة أقيمت بحد السيف أي بالاحتلال، فأيّ عقل يقبل أن يعاد إحياء هذه المملكة التي تمثّل الاحتلال بعد ما يقارب ألفيات ثلاث؟ وكيف يمكن لجمعية الأمم المتحدة أن توافق على احتلال اليهود لها مجددًا وتأخذ قرارًا آحاديًا بتقسيمها عام 1948؟ وكيف يسمح الأمين العام لنفسه بإدانة الفلسطينيين الذين يهاجمون المستوطنين؟ يا خجل التاريخ من كلّ جبان يذلّ نفسه أمام جبروت إسرائيل، وطوبى لكلّ المقاومين بالحجارة وبالزنود السمر وأهداب العيون والحناجر من الفلسطينيين الذين يثبتون مرة بعد أخرى أنّ القدس لها من يدافع عنها، وأنّ للأقصى رجالاً يحمونه بدمهم ولو باعه كلّ العرب. لقد زوروا التاريخ لكنّهم لن يستطيعوا الاستمرار بذلك، لأنّ حركتهم حركة عنصريّة نشأت وفي رحمها بذور الموت، وحضارتنا تجسّد الحياة الإنسانية بكلّ ما فيها من معاني الحق والخير والجمال.

لن يستطيع اليهود وإلى الأبد السيطرة على عقول المؤمنين البسطاء، ولا بد من أن يأتي اليوم الذي تظهر فيه الحقائق التاريخيّة لتفضح بطلان الأساطير التوراتية وتنزع عنها صبغة الألوهة والقدسية. على الفلسطينيين أن يثقوا بأنفسهم، وأن يدركوا أنّ القوة المؤيّدة بصحة العقيدة وحدها بإمكانها استرجاع أرضهم وحقهم وتراثهم ودحر المؤامرة اليهودية العالمية على بلادنا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى