الاحتلال وحده يتحمّل المسؤولية

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

أعلنت «إسرائيل» في أعقاب اختطاف مستوطنيها الثلاثة حرباً شاملة على الشعب الفلسطيني، واستدعت قوات احتياطها، وأدخلت الى مدينة الخليل ألوف الجنود إذ تنكّل تلك القوات بسكان محافظة الخليل من خلال عمليات المداهمة والتفتيش التي تطول البشر والحجر والشجر والحيوانات، والحد من حرية الحركة والتنقل لسكان المدينة وقراها، ومنع الدخول الى داخل الخط الأخضر ومدينة القدس. كما شهدت الضفة الغربية عمليات اعتقال غير مسبوقة طالت العشرات من أنصار وأعضاء حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهذه العملية مستمرة ومتواصلة ومرشحة للتوسع، ناهيك عن عمليات القصف المتواصلة لقطاع غزة، ومعظم اهتمام الاحتلال يتركز على المستوطنين المختطفين، ولا يرى في إجراءاته وممارساته التي بلغت حداً لا يطاق سبباً لما حصل وسيحصل، ويحمّل السلطة الفلسطينية المجرّدة من السلطة والصلاحيات المسؤولية عن عملية الخطف، رغم أن العملية وقعت في منطقة «سي» الخاضعة للسيطرة «الإسرائيلية» الكاملة، وفي الوضع الراهن اليوم لا فرق بين مناطق «الف» و»بي» و»سي». كما طالب الرئيس طالب الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالتعاون الكامل مع أجهزة الأمن «الإسرائيلي» لضمان سلامة المخطوفين وعودتهم، وحديثه عن قدسية التنسيق الأمني يندرج في هذا السياق.

لا ترى «إسرائيل» في ما تقوم به من أعمال عربدة وبلطجة وإذلال وتنكيل في حق الشعب الفلسطيني، والتنغيص عليه في تفاصيل حياته اليومية كافة سبباً لما يحصل، فهي تريد من الشعب الفلسطيني أن يستقبل القرارات «الإسرائيلية» ببناء ألوف الوحدات الاستيطانية بالورود والرياحين، وأن يستقبل سنّ تشريعات تمنع تقديم موعد إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من أصحاب الأحكام المؤبدة بالزغاريد والأهازيج، ومحاولة السيطرة على المسجد الأقصى وتقسيمه زمانياً ومكانياً بقرع الطبول وضرب الدفوف، وإغلاق أي نافذة للحل السياسي وترسيخ الاحتلال وتشريعه فيه «مصلحة» و»خير» و»منفعة» للشعب الفلسطيني.

الاحتلال «يتغوّل» في كل شيء، وينكر حقوق شعبنا ويدمّر إنسانيتنا وآدميتنا، ويحرمنا من أبسط مقوّمات الحياة البشرية، ويريدنا أن نفتخر بذلك، وأن نقدم إليه وإلى مستوطنيه الشكر والطاعة، فهو موافق على بقائنا على قيد الحياة، فهل هناك أوقح من هذا الاحتلال؟ في المفاوضات، يرفض تقديم أي تنازل جدي لإيجاد مخرج وحل للصراع، فهو يريد تلك المفاوضات لخلق حقائق ووقائع جديدة على الأرض واستكمال مشاريعه في الاستيطان والتطهير العرقي، وعندما تتجه السلطة الفلسطينية نحو تشكيل حكومة «توافق» وطني، يخرج عليك قادة «إسرائيل»، قائلين إن عباس اختار «الإرهاب» على السلام من خلال التحالف مع حماس، كأن «إسرائيل» قدمت في المفاوضات إلى عباس دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران؟ وهي طول فترة المفاوضات. وتقول إن عباس ضعيف ولا يسيطر على قطاع غزة، وعندما يشكل حكومة «توافق» وطني، يتحالف مع «الإرهاب» ضد السلام، ومحظور عليه التوجه إلى المؤسسات الدولية، كي ينضمّ الى مؤسساتها الدولية، في إطار الحق المكفول والمشروع له كدولة مراقب في الأمم المتحدة؟ وبعد رفض «إسرائيل» الالتزام والوفاء بتعهداتها عبر إطلاق سراح أسرى ما قبل أوسلو عددهم مئة واربعة مقابل عدم التوجه والانضمام الى المنظمات والهيئات والمؤسسات والوكالات الدولية، توجهت السلطة وقدمت طلبات انضمام الى خمس عشرة وكالة ومنظمة دولية، ونتيجة ذلك أقامت «إسرائيل» الدنيا وأقعدتها وهددت السلطة بسلسلة من العقوبات إن استمرت في هذا النهج أو خطت خطوة أخرى على طريق استكمال عضويتها في المؤسسات والمنظمات والهيئات الدولية الأخرى، وتحديداً اتفاق روما ومحكمة الجنايات الدولية.

إن ما حصل في الخليل، يتحمل الاحتلال مسؤولياته مباشرة، فهو يمعن في قهر شعبنا وإذلاله، ودفعه نحو اليأس والإحباط وفقدان الأمل، فما دامت العقلية «الإسرائيلية» قائمة على القمع والتنكيل ورفض الاعتراف بحقوق شعبنا الفلسطيني، وسنّ تشريعات وإصدار قوانين من شأنها أن تعيد أسرانا في أكياس بلاستيكية سوداء، فإني أعتقد أن لا أهالي الأسرى ولا الفصائل ولا حتى السلطة تقبل بذلك، فعندما تغلق كل الطرق والسبل أمام الأسرى للتحرر من الأسر، ماذا يتوقع الاحتلال؟

كيري الذي يحضّ الرئيس أبو مازن للتدخل لتأمين إطلاق سراح «الإسرائيليين» الثلاثة المخطوفين، لم ينبس بكلمة واحدة وكان مصاباً بالخرس، حين تعلق الأمر بأكثر من 5200 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، تمارس في حقهم أبشع انواع القمع والتنكيل والتعذيب، وكذلك عندما تخرق «إسرائيل» القانون الدولي وتحتجز أكثر من 180 أسيراً فلسطينياً، وفق ما يسمى بـ»الاعتقال الإداري»، من دون تهم واضحة ومحددة ومحاكمات، ويخوضون إضراباً مفتوحاً عن الطعام دخل يومه الثالث والخمسين، على نحو يهدد حياتهم للخطر والموت، لم يحتج كيري ولم يدعُ «إسرائيل» إلى إطلاق سراح هؤلاء الأسرى، ووقف سياسة الاعتقال الإداري المتعارضة مع جميع الاتفاقيات والقوانين والمواثيق الدولية.

بات على السلطة الفلسطينية، وعلى الاحتلال، التفكير مليون مرة في ما يحصل على الأرض، فالسلطة تتحدث عن الحل السياسي والمفاوضات والتنسيق الأمني وقدسيته، فيما يواصل الاحتلال إجراءاته وممارساته القمعية كافة على الأرض تعاند السلطة الواقع والوقائع وتريد حلب الثور، فالحكومة «الإسرائيلية» تعلن جهاراً أنها ماضية في مشاريعها الاستيطانية في كل منطقة القدس والضفة الغربية وعلى كل مساحة فلسطين التاريخية، وتشرّع وتصدر المزيد من القوانين لجهة التهويد و»الأسرلة»، وتحكم على أسرانا بالإعدام بطريقة الموت البطيء، فعن أي حلّ سياسي تتحدث السلطة؟ الشعب الفلسطيني لم يعد يثق بالسلطة ولا بمشروعها السياسي، وهيبتها تزداد تآكلاً في أذهان الجماهير، التي باتت على اقتناع بأن السلطة حتى في ما يُسمّى بـ»حكومة التوافق» تضع المصالح الخاصة والفئوية فوق مصالح الشعب الفلسطيني. فالخليل هي الرسالة المزدوجة للمحتلين. أوقفوا قمعكم وإذلالكم لشعبنا الفلسطيني، وانهوا احتلالكم وارحلوا عنا. وللسلطة نقول يكفي السير واللهاث خلف السراب، فمشروعكم السياسي لن يؤدي الى إحقاق حقوقنا، ولا يوفر دولة فلسطينية مستقلة ولا قدساً ولا عودة لللاجئين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى