حروب المياه وانتشار القاعدة
عامر نعيم الياس
أثارت الصحافة الأميركية الأسبوع الماضي في سياق تغطيتها للملف السوري مسألة المياه والجفاف في سورية، صحيفة كريستيان ساينس مونيتور قاربت الأمر من زاوية «إنشاء خدمة توصيل المياه في مدينة التلّ السورية وتوفير فرص عمل للعديد من الشباب السوريين، حيث تحوّل النقص في المياه إلى محنة بالنسبة لمعظم المدنيين»، أما صحيفة نيويورك تايمز فقد أشارت في أحد افتتاحياتها إلى «أنّ الحكومة السورية لم تستطع تدبّر مسألة الجفاف التي تعاني منها البلاد منذ أربع سنوات، وهو ما ساهم في تغذية الانتفاضة هناك» متسائلةً بخبث «تخيّل ما الذي سيحدث لو طال أمد الجفاف ودُمّر نصف سورية بسبب الحرب الدائرة هناك؟» بالتوازي مع ذلك نشرت مجلة جمعية الأرصاد الجوية الأميركية دراسة عن الجفاف الذي ضرب سورية بين أعوام 2006 و2011 «وذلك قبل وقت قصير من اندلاع الحرب الأهلية، وهو ما سبّب هجرة كارثية من الريف، وارتفاعاً في معدلات البطالة في المدن».
مما لا شك فيه أنّ ارتفاع معدلات الفقر والجفاف والكوارث الطبيعية والفشل في معالجة الأمور السابقة أمور تؤهّل أي دولة للاضطرابات ويجعلها تربة خصبةً للأفكار المتطرفة، وصولاً إلى الإرهاب، وربما من حيث الشكل، تندرج تساؤلات الصحف الأميركية حول الجفاف في سورية في الإطار الإنساني والعرض الصحافي للمشكلة، لكن المضمون والتوقيت والتطورات الأخيرة في المنطقة توجّه هذا الملف باتجاه مغاير تماماً نستطيع من خلاله الربط بين ما تشهده المنطقة من فوضى والسيطرة على مصادر المياه، بمعنى آخر ألا تشكل هذه الفوضى في أحد أوجهها حرباً على المياه بهدف إبقاء جمر التوترات الداخلية على حاله؟
نبدأ مما جرى في العراق كونه الحدث الأبرز دولياً، فقد سيطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على الموصل وتكريت ويتحرّك باتجاه مناطق أخرى في بيجي وصلاح الدين، ويحاول استكمال السيطرة على الأنبار.
إنّ نظرة إلى تمدّد داعش الأخير تشير إلى سيطرته على مدن تقع على نهر دجلة ومحاولة التوسّع لضمّ مدن أخرى على نهر الفرات، وهنا تبرز مسألة تحكّم داعش بالسدود الكهرومائية الكبرى المنتشرة على ضفاف دجلة وبالتالي امتلاكه لمخزونات استراتيجية من المياه وتحكمه فيها. عند هذه النقطة نعود إلى سورية والممارسات اللا أخلاقية التي تمارسها تنظيمات القاعدة سواء داعش أو النصرة أو الجبهة الإسلامية في مدينة حلب السورية الصامدة التي تعاني أزمة مياه وطاقة تشكل وصمة عار على جبين مجتمع حقوق الإنسان، حيث من الواضح أنّ السيطرة على منابع المياه والتحكّم بالسدود ومحطات توليد الطاقة الكهربائية يعتبر هدفاً استراتيجياً لداعش وأخواته وداعميه يتجاوز تدمير البنى التحتية إلى التحكّم بمصادر الطاقة ومصادر الحياة بهدف رفع منسوب التوتر في الدول التي يجتاحها الطاعون العربي بما يساعد في أمرين:
الأول، تعزيز مقوّمات الإرهاب داخل الدول العربية التي تعاني من صراعات داخلية، بهدف استمرار الصراع وبالتالي استمرار الاستنزاف، وهنا يحضر المثال اليمني الذي اختلط فيه الخلاف السياسي بالأزمة الاقتصادية والجفاف، فالشهر الماضي شهد تظاهرات لسكان العاصمة صنعاء احتجاجاً على انقطاع المياه، فصنعاء بحسب بيتر جليك رئيس معهد المحيط الهادئ في الولايات المتحدة «من أفقر عواصم العالم بالمياه، حيث تبلغ حصة الفرد أقل من 120 متراً مكعباً في العام، وهو ما نسبته أقل بعشرة أضعاف من المعدل السنوي العالمي. إن المياه الجوفية التي تعتمد عليها العاصمة اليمنية اليوم ستجف نهائياً بحلول عام 2025».
الثاني، السيطرة على مصادر المياه في المنطقة خصوصاً «دول الطوق» بما يضمن أمن الكيان الصهيوني والارتهان لخدمة مصالحه، وفي هذا السياق نشرت وكالة «معاً الإخبارية» تقريراً جاء فيه «قامت إسرائيل بوضع آبار ارتوازية على حدود عام 1967 قبل الاحتلال الكامل للضفة الغربية، وقامت بسرقة 500 مليون متر مكعب من المياه وهو ما شكل حوالى ثلث استخدام إسرائيل السنوي من المياه. وكشف تقرير للجامعة العربية عام 2010 عن استيلاء إسرائيل على نحو 85 في المئة من الموارد المائية الفلسطينية سواء من المخزون الجوفي للضفة الغربية أو ذلك الموجود على خط الهدنة وضخها لمستوطناتها داخل ما يسمى بالخط الأخضر»، من دون أن ننسى هنا مضخات المياه التي اكتشفت على نهر الليطاني في لبنان وسرقة إسرائيل للمياه اللبنانية.
لا يمكن إنكار دور حروب المياه في الصراعات بين الدول، لكن ما يخطط للمنطقة اليوم في ظل الفوضى والتركيز على الديمقراطية والحرية كمفهومين منفلتين من القانون وتصوير الدولة على أنها العدو لهذه القيم، يهدد بإعادة المنطقة إلى عصر البدو الرحل، عصر ما قبل المدنية حيث شكّلت السيطرة على مصادر المياه أحد أهم معايير القوة والتحكم والسيطرة على الآخر، فمن يصل إلى المصدر أولاً يملكه، هنا تكفينا نظرة إلى داعش والنصرة والجبهة الإسلامية وممارساتها في سورية لنرى كيف تدار الأمور في المنطقة، وخطورة ما يرسم لها على مستوى التأسيس لصراعات وحروب جديدة لا تنتهي.
كاتب سوري