لهذه الأسباب… أصبحت إيران قوة يُحسب لها الحساب
جمال رابعة
في إطار الجهود التي تبذلها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تعزيز الوحدة في العالمين العربي والإسلامي، وفي ظلّ التحدّي الذي يحيكه أعداء هذه الأمة وملاحقه الإعلامية والسياسية لتشويه الدور الإيراني الإيجابي في المنطقة، والحديث المستمرّ بلغة مذهبية وطائفية والعزف على وتر ما يسمّيه الغرب وأتباعه من مشيخات البترودولار مشروع تمدّد إيران في المنطقة والعمل على تغذية الشارع العربي والإسلامي بجملة من الأفكار والمصطلحات المضلّلة، تأتي الجهود الإيرانية في سياق تصدير المشهد الحقيقي في إيران وتكريس الصورة الواقعية للثقافة الإيرانية وسلوكها الاجتماعي والديني المناصر والمسوّق لكلّ أساليب الوحدة عبر تشكيل عدد من الوفود السورية الشعبية التي تعبّر عن النسيج الاجتماعي السوري، بأطيافه وانتماءاته كافة، للاطلاع، عن كثب، على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، والاحتكاك عن قرب بالشرائح الشعبية في إيران لملامسة الفكر المجتمعي فيها ونقل المشاهدات بأمانة إلى المجتمع السوري.
لهذه الأهداف وغيرها كانت زيارة وفدنا إلى الجمهورية الإسلامية.
الزائر إلى إيران ينبهر ويُفاجأ بكلّ شيء وحيث تقع عينيه منذ دخول مطار طهران مروراً بطرقاتها وجسورها وتميّزها الهندسي العمراني وحدائقها الغناء ونظافتها اللافتة، ولا أبالغ إذا قلت إنها تنافس وتتجاوز العديد من أعرق مدن وعواصم الغرب.
يرى زائر إيران حقيقة المجتمع الإيراني وطبيعة العلاقات الاجتماعية ودور المرأة الكبير في بناء المجتمع، فتجدها سائقة سيارة أجرة في شوارع طهران، كذلك في الإدارة العامة للشركات العامة والخاصة وفي كلّ المؤسسات العاملة في الدولة والمساهمة في تطوّر ونهضة إيران، حيث أنّ المرأة والرجل جنباً إلى جنب في كلّ مكان حتى في المقاهي والاستراحات والحدائق وبكلّ احترام وتقدير.
الزائر لإيران والمطلع والباحث في كيفية صنع القرار في هذه الدولة الكبيرة، وعلى غير ما يحاول الإعلام الغربي وأميركا و«إسرائيل» ومن لفّ لفّهم من دول الخليج لجهة حصرية القرار السياسي بيد مرشد الثورة.
إنها دولة مؤسسات كبيرة تحترم قراراتها وتعمل كلّ منها على حدة بمسؤولية كبيرة كمرشد الثورة، كلّ في موقعه يتخذ قراراً بمسؤولية مطلقة وأمانة كما عهدت إليه ويجب أن تكون.
وأودّ أن أشير إلى أنّ الغالبية العظمى من رجال الدين المعمّمين، إضافة إلى حصولهم على شهادات عليا في أصول الدين والفقه، لديهم شهادات أخرى تخصّصية من أرقى جامعات العالم في علوم التكنولوجيا والفيزياء والكيمياء والأحياء. إنها الحضارة التي تجمع العلم والإيمان لتحقيق التقدّم التقني والإنساني. سمة حضارية تميّز إيران وشعبها.
زائر إيران يشاهد مدى تقدّم صناعة السيارات وحافلات النقل العامة والخاصة، وهناك اكتفاء ذاتي من السيارات، وحيث تعتبر إيران الدولة رقم 12 في إنتاج السيارات، يحرص الإيرانيون على التخصّصات العلمية العالية من أعرق الجامعات الأميركية والبريطانية والهدف هو استقدام ونقل التخصّص العلمي إلى الجامعات الإيرانية ومهما كان المصدر.
استطاعت إيران، رغم الحصار الذي دام أكثر من 35 عاماً، أن تحقق إنجازات كبيرة في مجال الفضاء وأطلقت قمرين صناعيين إلى الفضاء بصناعة محلية، وفي الصناعة الحربية حدّث ولا حرج والشواهد كثيرة في صناعة الصواريخ والطائرات والسفن والطوربيدات البحرية. أما القطاع الزراعي فقد تطوّر وتنوّع حيث استطاعت خلال مدة الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من القمح، مع إمكانية استيراد كمية قليلة من بعض الدول المجاورة في حال كان هناك حاجة، أما الطاقة والنفط فتشكل عائداتهما عاملاً مهمّاً في تنفيذ الخطط الاقتصادية.
ويقول تقرير «توموسون رويترز» وهي مؤسسة أميركية كندية إنّ البحث العلمي في إيران ينمو بمعدل سنوي أعلى بـ11 ضعفاً مما هو في سائر دول العالم، كلّ ذلك حدث وإيران محاصرة ومطوّقة اقتصادياً وسياسياً، واستطاعت أن تحقق وتنتزع الإنجاز الأكبر وهي تحت مطرقة الحصار، ألا وهو الاتفاق النووي مع السداسية الدولية، وهنا أشير إلى أنه في أثناء زيارتنا لأحد المسؤولين من أصحاب القرار تحدّث إلينا عن زيارة قام بها إلى علماء الذرة في إيران وكانت أعمارهم بين 25 30 عاماً. إنها إيران دولة الشباب المتعلّم المبدع، أضف إلى ذلك التواضع منقطع النظير الذي يتميّز به مسؤولوها عموماً وهذا ما تلمّسه وفدنا الشعبي عندما التقى كبار الشخصيات السياسية والدينية.
أقول انتظروا إيران بعد سنوات من هذا الاتفاق. كلنا يدرك حقيقة الأمر. وإنّ لعدم الاعتراف بإيران كدولة نووية أسبابه، ولا ينحصر فقط في سعي إيران إلى الحصول على سلاح نووي، والغرب يعلم أنّ إيران لا تهدف إلى ذلك مع علمه بوجود فتوى تحرّم صناعة سلاح نووي، لكنّ وجود طاقة نووية سلمية في إيران يعني توفرها لكلّ المستضعفين والدول الفقيرة بأقلّ التكاليف، وبذلك تكون قد كسرت طوق احتكار الطاقة النووية من قبل الغرب الأطلسي وتشكل قلقاً لهذا الكيان الصهيوني من نوع آخر قوامه العلم والمعرفة لتحقيق التقدّم العلمي والحضاري والإنساني، ما يوفر قوة تفوق بنتائجها الـ200 رأس نووي في ذلك الكيان.
وقفت أسأل نفسي وأنا أسير في طرقات طهران: متى يستفيق العرب ويسخّروا إمكانياتهم المالية والبشرية لبناء المجتمع والدولة تحت شعار العلم والمعرفة لبناء الإنسان، بدل تسخيرها واستنزافها في حروب عربية داخلية عبثية شعارها المذهبية والطائفية بأهداف أميركية صهيونية.
عضو مجلس الشعب السوري