أبرز الغارقين سورياً.. السعودية وتركيا
سعدالله الخليل
حالة من القلق لا يمكن إخفاؤها تجتاح قادة الحرب على سورية وتبدو واضحة المعالم في زحمة التطورات الميدانية المتسارعة التي أحدثتها صدمة الغارات الروسية على مواقع التنظيمات الإرهابية في سورية، وما رافقها من عمليات برية تأتي أُكلُها على الأرض. قلق يتحوّل إلى هستيريا غير قابلة للسيطرة عليها، تنتاب وزير خارجية مملكة آل سعود وشريكه ثعلب «الإخوان المسلمين» بنسخته «الحضارية» داوود أوغلو العدالة والتنمية التركية.
ففي ذروة المواجهة السعودية المفتوحة ضدّ سورية وموسكو لا تتردّد المملكة عن الاستمرار في تقديم الدعم لمجموعاتها وفصائلها المقاتلة على الأرض، ولم تجد حرجاً في الإعلان عن سعيها لجلب التأييد للمعارضة السورية، ولو دارت العالم كله بحثاً عن تزويدها بالسلاح والعتاد لمواجهة ما تصفه بالغزو الروسي الصليبي، والذي يتطلب جهاداً مقدّساً، استنفرت علماءها لدعوة المسلمين إليه نصرةً لأهل الشام أو بالحقيقة نصرة لتنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة».
وبغضّ النظر عن التنظيمات المطلوب نصرتها، معتدلة أم غارقة في التطرف، فإنّ الدعوات وصيحات التكبير تشحذ همم أتباعها وتدعم قنواتها الفضائية ببعض الفيديوات على أبعد تقدير، لكنها لا تواجه طائرات تدك معاقلها وتخلخل بنيانها بالتزامن مع حملات عسكرية برية للجيش في أرياف دمشق وحمص وحماه.
وحدها صواريخ الأرض جو قادرة على مواجهة الطائرات ومضايقتها والحدّ من نشاطها على الأرض، وهو ما منعت واشنطن الرياض من تسليمه إلى مسلحيها، حيث امتثل آل سعود للتعليمات الأميركية بوقف إمداد الفصائل بصواريخَ «ستينغر» خشية صدام مع القوات الروسية، تدفع موسكو لتوسيع رقعة المواجهة وللردّ في الدول الداعمة ما يوقع واشنطن في مواجهة مع روسيا هي في غنى عنها، بما يعقد أجواء التفاهمات التي ترسمها واشنطن والتي تؤمّن في الحدّ الأدنى سلامة طيّاريها في الأجواء السورية ويمنع التصادم مع الطائرات الروسية، ما يعني إبقاء المغامرات السعودية ضمن حدود أرض الميدان ورفع الراية الأميركية أمام أي شطحات سعودية غير محسوبة النتائج، وهو ما يفسّر امتناع واشنطن عن نشر قوات برية رغم نشر القيادة المركزية الأميركية الاعترافات بفشل مشروع تدريب المقاتلين السوريين.
وبحسب صحيفة «واشنطن بوست» فإنّ الفشل يعكس خلل استراتيجية واشنطن المعروفة ببرامج الدعم الأمني، وأمام هذا الفشل والرغبة بعدم التصادم واستثمار المال السعودي دفعت واشنطن إلى تجميع فصيل أسمته «قوات سورية الديمقراطية» التي تضمّ وحدات الحماية الكردية ومجموعة من مكوّنات عربية وعشائرية في مسعى لإظهار جدية واشنطن في مواجهة التنظيمات الإرهابية على الأرض. فمن وجهة النظر الأميركية لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام الدور الروسي في المواجهة، فيما الخيارات المطروحة أمامها إما دعم «داعش» و«النصرة» وهو ما يضعها في مواجهة موسكو، أو دعم تنظيمات مكشوفة الولاء لتنظيم «القاعدة» وهي لا تتناسب والقاموس الروسي للتنظيمات المعتدلة، ليغدو الفصيل الجديد الخيار الأميركي الوحيد لضرب عصافير عدة بحجر واحد، بخاصة أنّ وجود وحدات الحماية الكردية ضامن لعدم أسلمتها ولا تثير شكوك موسكو والقيادة السورية التي أعلنت في أكثر من مناسبة عن دعم تلك الوحدات بالسلاح والمعلومات.
الحجر الأميركي أصاب أهداف واشنطن وسقط على رأس أنقرة فعلا صراخ أحمد داوود أوغلو مستدعياً السفيرين الأميركي والروسي للاحتجاج، معتبراً أنّ الخطوة تهدّد الأمن القومي التركي للترابط الوثيق بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني. صراخ أوغلو تجاهلته واشنطن قبل موسكو لإدراك الأولى بأنّ الورقة التركية باتت محروقة، موقفٌ عبّر عنه ديفيد غولدمان في دورية «آسيا تايمز» الأميركية بوصف تركيا بالدولة الفاشلة القادمة في الشرق الأوسط نظراً لوضع أردوغان المحرج بعد صعود الأحزاب الكردية داخل البلاد ووصولها البرلمان، وتخلي كلّ من روسيا والولايات المتحدة عنه وإذلالهما له علناً. فواشنطن غيّرت استراتيجيتها في سورية بضغط روسي، وروسيا اخترقت أجواء تركيا من دون رادع بما يمهّد لانهيار «العثمانية الأردوغانية الجديدة» و«العلمانية القومية القديمة» ويُنهي دور تركيا الدولة التي نشأت بعد نهاية الحرب العالمية الأولى ويجعلها «كبش فداء» ضرورياً في ما يجري بالشرق الأوسط، وربما لهذه الأسباب سحب حلف شمال الأطلسي صواريخ الباتريوت من أراضيها.
تفاهمت واشنطن وموسكو على حدود دنيا تمنع الذهاب للمواجهة والصدام الذي يتمناه مراهقو السياسة والسائرون بدولهم إلى الهاوية، فدفعت الرياض ثمن رهاناتها، وتلقت أنقرة الضربة دون أن تنبسا ببنت شفة.
«توب نيوز»