عواصف «سوخوي» و«كاليبر» روسية تشنّ حرب الخير على الشرّ الحرب المقدّسة بدأت حقاً وعالم صديق يتكوّن
هاني الحلبي
عالم جديد يُطلق صرخته الأولى من السماء السورية بعاصفة سوخوي وميغ روسية سورية، يقف مجدداً على قدميه ويضع البشرية على مشارف عصر أفضل.
وحده الحبر الأعظم البابا فرنسيس أصاب بوصفه الحرب على سورية أنها حرب الشر على الخير. وأعراب نكرة وتبنُ بشرية من مئتي دولة لم يروا ما رآه سوى «أن ننتظر من يربح لنقدم الزيت والطاعة» للطغيان الأميركي الخليجي الإرهابي.
لكن مع صواريخ «كاليبر» الروسية المباركة انطلقت من قزوين لتدمّر أعداء سورية في مقارّهم. تسقط قضاءً وقدراً قومياً إنسانياً. تؤكد أننا لسنا من الأمم التي تتنازل عن حقها في الحياة والتقدم والقوة. وأنّ لنا حلفاء وجود يخوضون حربنا المقدّسة مع شرفائنا ضدّ نفاق حكومات الغرب الإرهابية المجرمة التي لم تبلغ حدّ الاعتراف بالجريمة التي تشنّها عبر التاريخ علينا من مؤامرات التقسيم والاحتلال وتأسيس كيان العدو اليهودي إلى تدمير العراق وسورية ولبنان واليمن.
من روما إلى واشنطن مسار قرون من العنف والسفك والدم والسحق لكلّ جميل فينا وبيننا. لكلّ خير عندنا ومنّا، طوراً باسم الله وطوراً باسم الدين. تارة باسم الحقوق وتارة باسم الأمن القومي. ولو تمّ هذا القَدَر الغربي فينا عن يد «بلاك ووتر» أو مسوخ «داعش» و«النصرة» وأذنابهم وأطيافهم في جيوش مجرمة. فالوسيلة ليست عبرة ما دام الهدف تدمير روحنا وحضارتنا التي يبدون أمامهما صغاراً!
عشر سنوات والمقاومة محاصَرة، في لبنان ودمشق. أربعة عقود ونيّف والثورة في طهران معاقَبة لأنها أسقطت شاههم حليف الاغتصاب والاستكبار. ليمنعوا أن يمتدّ طيفها ومنطقها البنّاء الرشيد إلى عالم عربي أصمّ بوهم الشعوبية العنصرية والدينية وتضخّم الذات وطيب العنصر والمحتَدّ ونقاء الدم. يخشَون الضوء! لأنهم عميان بصيرة. ويخشون الوقوف! لأنهم كسحاء روح. لكنكم «ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ». هكذا قال أنطون سعاده مؤسس الروح الجديدة التي تستلهمها النهضات في العالم. ولاحقاً تتجه نحوه أمتنا وعالمها. فتجد في سوراقياها سورية والعراق معاً وعروبتها الجديدة الحقيقية العزوة والمرتجى. فتعلم أنّ دمشق بغداد هي المسار الوحيد للخطة النظامية المعاكسة لمسار الإفناء اليهودي الصهيوني من فلسطين.
ومَن يذكر في أيّار الماضي لما تمّ اجتياح تدمر بمسوخ «داعش»، علّق الرئيس السوري بشار الأسد بأنّ الأسابيع المقبلة حاسمة والقيادة السورية تعدّ الهجوم الاستراتيجي. فليس الحسم الكبير يحدّده سقوط مدينة أو منطقة هنا او هناك. هذا إخفاق تكتيكي موقت ربما في تراكمه يؤثر على النصر. يُعيقه أو يؤخره. لكننا لو شئنا أن نفرّ من النصر لما وجدنا منه مفراً. فنحن منذورون له مهما كانت الأكلاف.
كيف؟
عامّة المحللين يتخذون من تخريفات المراكز البحثية الغربية منطلقات لمقالاتهم ودراساتهم. فما يصدر عن تلك المراكز، التي فيها نخب المفكرين الاستراتيجيين والعلماء والضباط المتقاعدين، يكون عندَهم قدراً وقضاءً لا محيدَ عنه. نافذاً كإرادة إلهية. بسبب أنه يصدر عن إرادة حكومة عالم خفية ليست كلّ حكومات الطغيان العالمي عندها إلا مجرد أقنعة مسرح أرضي تديره إرادة الاخطبوط اليهودي السائر في هذا العالم إلى «هرمجدون» مدمرة ليبقى منه بضعة أزواج نوعية تؤسس العالم اليهودي الجديد بالنسبة لهم. فتتطهّر الأرض من «الغوييم» النوافل. الذين وجودهم عبء على الموارد والثروات والمناخ والبيئة.
هؤلاء المحلّلون لم يفطنوا أنّ واحدية قيادة العالم أصبحت كذبة باهتة. وأنّ قوة الولايات المتحدة المدينة لقوة الصين الاقتصادية وتسليفاتها هي قوة افتراضية وغابرة. والرأسمال اليهودي الذي رفع العملة الخضراء بعد افتعال أزمة العام 1929 الاقتصادية لم يعُد وحده متحكماً في مؤشرات التقدّم للشعوب. يحكون عن تقسيم سورية كأنه حالُّ ومُطبِق. كأنّ سورية جسد شلوٌ على مشرح غرف عملياتهم بلا حول ولا قوة ولا شعب ولا قيادة ولا جيش جبار لا يهون!!
يحكون عن كذبة المقاومة والانتصار على العدو الإسرائيلي «إسرائيل انسحبت ولم تُهزم. انسحبت لتفجّر لبنان من الداخل وتحاصر المقاومة بخصومها وبمطلب تسليم سلاحها». وينسون انّ المقاومة نظام فكر ونهج حياة ومشروع ثورة إرادة وإطلاق عصر حرّ جديد في شرق جديد روحه مشرقية سورية.
إمبرطورية المال والصناعة والسلاح والاختراع والتكنولوجيا الفائقة تمنّ على باقي الأمم بالهواء الذي تتنفّسه. وتتجه بعالمنا إلى إبادة محققة عبر حروب اختبار السلاح والمكتشفات في مسرح كأنه شاشة لعب عملاقة. يُباد شعب وتدمَّر قارة كأنهما من أشكال كرتون افتراضي فلا يرتجف قلبُ اللاعب ولا تئنّ له روح بشرية.
مَن يستنكر الغدر؟ لا أحد سوى الضعفاء الغافلين عن حقيقة مسار العالم نحو أتمتة الجحيم! هكذا يظنّون.
مَن يرفض القهر؟ بضعةُ حالمين يظنون أنّ حراكهم كافٍ لقلب حكم الفساد وعصاباته في لبنان إلى نظام عدل. هكذا يحكمون علينا بأننا مساكين قدر الهلاك وما علينا سوى الانتظار!
لكن!
لم تتمكّن خطط إسرائيلية سعودية متلاحقة طيلة أربع سنوات من اختراق دمشق ولم تضعف لا همّة السوريين ولا همّة الجيش، بل كان يتمّ استيعاب كل هجوم يشترك فيه آلاف المسلحين المدمنين، فيشتت هجومهم ويكون معظمهم ضحايا ضلالهم من مقرن أم من غيره من أمراء الظلام.
لم تتمكّن عواصفُ خمسٌ من جنوب سوري، يشرف عليها كبار ضباط العدو وضباط عرب متعددو الجنسية وضباط أميركيون من إسقاط درعا، لأنّ الإرادة السورية رسمت خطاً أحمر حولها. ضمن خطة الإمساك بالمدن تمهيداً لتحرير الأرياف قريباً. ولم تسقط درعا رغم حجم الحشد الإرهابي والدعم الصهيوني اللوجستي والمباشر. بل لم تسقط حضر. القرية السورية المقاومة التي يرفض سكانها مغادرة بيوتهم فقادوا الدفاع عنها من نوافذها ومن متاريس موقتة على أطراف البلدة يدعمهم جيشهم السوري الوطني ورجال المقاومة الأوفياء. وحضر صمام أمان سورية ولبنان معاً. إنْ سقط انفتح سدّ المسوخ من الأردن المتواطئ إلى لبنان فرق العملة بقادته العابثين. حيث ينتظر فيه مَن يلاقي الزحف المريب المعادي برايات بيضاء وشيكات مكتوبة. ثلاثون من الفضة بها تباع المواقف وروح التاريخ. علّ دولة درزية تطلق صيحتها الأولى على يد نتنياهو قبل سقوطه المدوّي قريباً.
لم تسقط حلب. لم تسقط دير الزور ومطارها. بل يتمّ التوسّع منه نحو ريفها. رغم حصار رهيب. يتكاثر فيه منتهزو الوجع والجوع والألم ليبتزوا شعبهم وأهلهم ككلّ حيتان الحروب.
في المقابل ماذا أنجز الإرهابيون وأعوانهم؟
فجّروا نواويس تدمر، حتى توجّعت آلهتها. وما زالوا يفخّخون قناطر نصرها. لتفجيرها بالتقسيط. من أجل رفد الميديا النفسية بجرعات تذكير مستمرة.
بالأمس حكموا على محكومين عسفاً وظلماً بالرمي من طوابق مرتفعة في الموصل، تحقيقاً لعدالة جنون. وخلال رمضان الماضي أعدموا أطفالاً لأنهم فطروا أو لأنهم لم يصوموا لسبب ما. لم يكلفوا عناء إرشادهم بكلمة سواء تقرّبهم إلى الله. والله كريم رحيم. بل حسموا قدرَهم بالقتل صلباً في ساحات المدن. ما ألذّ الكفرَ بهم!
مَن يستنكر إبادة شعب اليمن ونسف حضارته العريقة. أقدم حضارة وبيئة تاريخية مجتمعية في الجزيرة العربية؟ قلّة من السياسيين ومن المسلمين مَن فيهم شرف استنكروا. من حراك مجتمعي مدني. من صنّاع رأي. لماذا؟ لأنّ أثرياء العرب وطواغيت النفط لا يريدون أن تُكشف عورات ظلمهم! لأنهم يظنّون اليمن نسياً منسياً. حديقة سعودية خلفية. وبهذا الاستكبار يقودون شعباً من الأمراء يفوق تعداده ما تبقى من قبائل العرب في الربع الخالي وأطرافه. لكن للحياة حكمة أنّى لهم أن يفقهوها. سرعان ما ينقلب العرش بين أمراء كواسر!
تميُّز الحق عن الباطل لا يتمّ في مناظرة ولا في وليمة ولا في لقاء متلفز. تميُّزه لا يكون إلا بالوجع والألم والعرق والجهاد والصبر والولادة المؤلمة. الصبر المقدس الذي لولاه لا فاضل ولا مفضول.
فلا شك في أنّ الحياة ستُنصف اليمن وسورية ولبنان المقاوم وشعب فلسطين. أما قادتها ومستعربوها، كقادة ومستعربي كلّ شعب سيق إلى مهانة الاستسلام من شعوبنا، فمصيرهم التهلكة والتبرّؤ من وجودهم ليكونوا عبرة الحياة الكريمة في الأجيال.
كيف يمكن أن يخون المرء بلاده؟ كيف لفلسطيني أن يستعرب خدمة لاستخبارات العدو. فيندسّ بين أهله ورفاق حيِّه وعائلته ليُخبر عنهم. بل ليكون سكيناً في خواصرهم وسيفاً في ظهورهم. كيف يمكن أن يكون؟
الحرب المقدّسة بدأت
حقاً بدأت. وكلّ منا يساءل نفسه. أين موقعي؟ أيكون موقعي مع مَن يحمل السكين لذبحي، لأنه يدفع لي راتباً وعمولة شرط أن أقبل التصوير المتلفز فأكون نجماً ذبيحاً!! تستضيفني شاشات العتم والدم والارتزاق! أيكون موقعي مع شعبي وأهلي وتاريخي وجيشي وبلدي وقائدي. ولو ظلمني حيناً. فإنه حقيقتي وتاريخي وقيمي ووجودي وإيماني واستمراري الكريم بالحق. لا شك في أنّ العاقل يعرف موقعه وهو محفوظ له، ككلّ حق أبناء الحياة في صنع الحياة.
في الميدان
أكدت روسيا أنها دولة عظمى عتيدة قادرة على استعادة مبادرة استراتيجية تنقل العالم إلى عصر جديد. فتختار اللحظة الصفر للبدء في التنفيذ بعد أن أشبعت الخطط درساً وتركت الوقائع تتلاحق وتدين المتواطئين.
أكدت هيبتها، وقدرتها على اتخاذ قرار منفرد بلا عودة إلى أي هيئة أممية ورقية بعد أن أعياها تلكؤ الدول الكبرى عن التنسيق في حلّ منصف وخطة لوقف الدم والنار في سورية، وبعد أن لمست وتحققت من خطة تطويقها من جورجيا إلى اوكرانيا ونقل صواريخ باليستية إلى تركيا ودول كانت لفترة قريبة بعض منظومتها الدولية في أوروبا الشرقية. وبعدما رأت ما تعدّ له أميركا في بحر الصين الجنوبي من استكبار دولي تحاول فرض وقائع وشروط على جارتها وحليفتها الصين في مداها الإقليمي البحري. فضلاً عن تغاضيها عن الجرائم اليهودية في فلسطين ونسف دورها الوسيط شكلاً بين المحتلّ والسلطة المتواطئة. وتعاونها مع تركيا على مدّ خطوط الإمداد والدعم والتسليح والتدريب للبنى الإرهابية في الميدان بينما في العلن تقود تحالفاً ستينياً يوجهه ويحدّد له خطوط انتشاره في العراق والشام.
بعد سنة من لعبة القط الأميركي والفأر الداعشية تؤكد الوقائع السقوط الأخلاقي والقيمي للسياسة الأميركية وحلفائها لتبدأ حربنا المقدّسة لتحرير أرضنا من عبث المتآمرين.
وصواريخ «كاليبر» الروسية من قزوين التي أطلقت من بوارج ومدمرات روسية من المياه الإقليمية الروسية أكدت أنها حرب مقدّسة روسية كما هي حرب مقدّسة سورية وعراقية. حرب إنسانية كاملة الأوصاف ضدّ أعداء الإنسانية ودينها وقيمها. أكدت سقوط الأعراف السابقة والحدود الدولية السابقة ورسمت رقعة المحور الحق ومداه الدولي وسماءه الاستراتيجية وطلبت إخلاءها كافة من أي وجود مشبوه غريب انعدم الصدق والجدية في خططه وأدائه.
روسيا تضع ثقلها وهيبتها وأمنها وسلامها وشعبها وتستنفر روحها التاريخية من أجل انتصار محقق. لتقول إنّ أمن دمشق وبغداد وبيروت، كما هو أمن طهران، هو هو موسكو.