المتصهين كيري: الضغط على الفلسطينيّين

راسم عبيدات

لا أعرف ما الذي سيحمل قيادة السلطة الفلسطينية على استقبال المتصهين كيري، والذي جرّبته أكثر من مرة، فخدعها وضلّلها وكذب عليها، وهي من وثقت به ووقفت ضدّ خيارات شعبها وحتى قرارات مؤسساتها الشرعية، وأدخلها في أزمة ثقة مع شعبها، ووعدها بأنه «سيشيل الزير من البير»، لتكتشف هذه السلطة بأنه ليس أكثر من مخادع دجّال، متطرف أكثر من الأحزاب «الإسرائيلية» تجاه حقوق شعبنا الفلسطيني، واليوم في ظلّ تصاعد الهبّات الشعبية الجماهيرية الفلسطينية المتلاحقة، والتي طاولت كلّ جغرافيا فلسطين التاريخية طولاً وعرضاً، وأدخلت الحكومة «الإسرائيلية» ومستوطنيها في أزمة وحالة من «الهوس» والوسواس القسري، وأصبحوا يعيشون في كوابيس رعب من رؤية الطفل الفلسطيني مبتسماً أو مهرولاً غير مكترث بكل عقوباتهم الجماعية وإجراءاتهم وممارساتهم العنصرية والإذلالية، حالة عدم الاكتراث تلك دفعت بهم إلى قتل وتصفية أطفالنا بدم بارد تحت حجج وذرائع الشبهة أو التفكير بالطعن، وأبعد من ذلك دفعت بهم حالة الخوف والإرباك إلى طعن بعضهم وإطلاق النار لتخيّلهم رؤية أطفالنا وفتيتنا وشبابنا يحملون السكاكين.

هذه الحالة هي من تدفع بهذا المتصهين لكي يزور المنطقة، من أجل إنقاذ حكومة الاحتلال من أزمتها وورطتها، ومن أجل منع تدهور الأوضاع وانفلاتها على المستوى العربي، رغم كل ما تعيشه الحالة العربية من رداءة وانحطاط وتغليب لهمومها القِطرية على الهموم القومية والوطنية وانشغالها في حروب التدمير الذاتي.

السبب الوحيد الذي يحمل السلطة الفلسطينية على استقبال هذا المتصهين، هو استمرار سيطرة عقدة الارتعاش السياسي المستديمة في تفكيرها وخياراتها وعلاقاتها مع أميركا ودول الاستعمار الغربي، فهي جرّبت هذا المتصهين وخَِبرته جيداً عندما ضغط عليها من أجل العودة إلى المفاوضات رغماً عن إرادة مؤسسات المنظمة الشرعية، محاولاً إقناعها بأنه سيلزم «إسرائيل» بوقف الاستيطان، وبالوصول إلى حلّ تقام من خلاله دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ولتمضي مدة التسعة أشهر للمفاوضات، ولم توقف «إسرائيل» الاستيطان لا كلياً ولا جزئياً ولا سراً ولا علناً، بل في خطوات ما يُسمى ببناء الثقة والمتضمّنة إطلاق سراح أسرى ما قبل أوسلو على أربع دفعات تلاعبت في الأسماء ومع كلّ دفعة أطلقت سراحها، أعلنت طرح عطاءات ومناقصات ومصادقات لبناء وإقامة مئات الوحدات الاستيطانية الجديدة في القدس المحتلة، ولتبلغ الأمور ذروتها برفضها إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى من دون أن يمارس كيري أية ضغوط على حكومة الاحتلال من أجل الوفاء بالتزاماتها، وحتى لم يحمّلها المسؤولية عن فشل المفاوضات بعنجهيتها وغطرستها ورفضها لوقف أو حتى تجميد الاستيطان ولو بشكل موقت.

أليس كيري من مارس التهديد والوعيد بحق السلطة الفلسطينية عندما قدمت مشروعها في أواخر عام 2014 من أجل استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي للاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال، وتحديد سقف زمني لجلاء الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ومارس ضغوطاً على نيجيريا لكي لا تصوّت لمصلحة المشروع الفلسطيني، وبما يضمن عدم طرح المشروع على التصويت في مجلس الأمن الدولي لعدم توفر النصاب تسعة أصوات .

والآن في زيارته المرتقبة، ماذا سيحمل هذا المتصهين في جعبته سوى المزيد من الضغط على السلطة الفلسطينية؟

إنسان وقح كهذا يطالب السلطة بأن تدين نضال شعبها المشروع في الدفاع عن وجودها وبقائها وحقوقها وكرامتها أمام عدو «متغوّل» و«متوحش» مدجّج بكل أنواع الأسلحة الحديثة، يطلق العنان لسوائب مستوطنيه لكي تنفلت من زرائبها وتمارس كلّ أشكال العربدة والبلطجة والزعرنة والقتل بحق أبناء شعبنا الفلسطيني؟ وليس هذا فحسب بل يعتبر حق شعبنا في الدفاع عن نفسه ضد الحرب الشاملة التي يشنها الاحتلال عليه «إرهاباً».

ما يدفعه شعبنا من ثمن باهظ بسبب الانحياز الأميركي السافر لمصلة دولة الاحتلال وارتكابها جرائمها وممارساتها القمعية والإذلالية بحق شعبنا الفلسطيني، يحتم علينا أن لا نلتفت الى ما يقوله هذا المتصهين، فأميركا هي من تتبنى كامل الرواية «الإسرائيلية» من الأحداث والصراع، ولا تكترث لشعبنا وما يرتكب بحق أبنائه وبناته من عمليات إعدام بدم بارد، وأصغر طفل فلسطيني لا يفهم أو يعرف معنى كلمة سياسية وليس من «جهابذة» الحياة مفاوضات، قادر على أن يعرف ويدرك أن أميركا كل ما تريده الاستمرار في إدارة الصراع وليس حله، وكسب الوقت لكي تستكمل «إسرائيل» مشروعها في تهويد الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحيث تستولي على أغلب مساحة الضفة الغربية، وما يتبقى من أراض يتحول فيها الوجود العربي الفلسطيني إلى «غيتوات» مغلقة، مع ابتلاع كامل للقدس.

أميركا لا تريد أن يحصل الشعب الفلسطيني على دولة فلسطينية مستقلة لا بالمفاوضات ولا بالانتفاضة والمقاومة ولا عبر مؤسسات الشرعية الدولية، وهناك من العرب والفلسطينيين المنهارين من يطبّل ويزمّر عند أيّ تعارض تكتيكي أو حتى شكلي في الأولويات بين أميركا وحكومة الاحتلال، ويشبعنا «جهبذية» وتحليلات سخيفة عن أن العلاقة بين أميركا و«إسرائيل» دخلت في مرحلة من الخطر والتغير والاهتزاز الكبير.

المشروع الذي تتناوله وسائل الإعلام والذي يحمله كيري، يتوجب علينا رفضه بشكل مطلق، فنحن في مرحلة دفاع ونضال مشروع عن وجودنا وحقوقنا، وليس نضالنا عنفاً أو إرهاباً، ومن يمارس الإرهاب معروف وواضح، حكومة متصهينة تمارس إرهاب دولة بحق شعب أعزل، الضوء الأخضر والدعم الأميركي اللامحدود، هو من يشجعها على أن تبقى دولة فوق القانون، تمارس كل أشكال الإرهاب من دون حسيب أو رقيب، والستاتيكو في الأقصى يا متصهين معروف، هو المسؤولية الكاملة للأوقاف الإسلامية عن المسجد الأقصى، ذلك المكان المقدس للمسلمين دون غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، وليس الستاتيكو الذي يحاول فرضه علينا نتنياهو بالسماح للمستوطنين بالدخول الى المسجد الأقصى وممارسة طقوسهم التوراتية والتلمودية في ساحاته.

المتصهين كيري جعبته فاضية وزيارته تأتي من أجل إنقاذ حكومة الاحتلال من مأزقها وورطتها وأزمتها، وإعادة الأمن الى المستوطنين المصابين بحالة من الهوس والوسواس القسري، ومن أجل إجهاض الهبات الشعبية الجماهيرية الفلسطينية، ووقف تداعيات مفاعليها عربياً وإقليمياً ودولياً، وممارسة المزيد من الضغوط على السلطة الفلسطينية، ومن أجل قطع الطريق على أي مبادرات دولية أو من خلال الأمم المتحدة، وبما يشكل بديلاً من أميركا وضاغطاً عليها في طرح مبادرات دولية تلزمها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، ولذلك من الخطأ الفاضح أن تستقبل السلطة الفلسطينية هذا المتصهين المتطرف من أكثر متطرفي حكومة الاحتلال بشأن حقوق شعبنا وقضيتنا الفلسطينية.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى