مُعارضة… لكنَّها إرهابيّة وأميركيّة

وائل بنجدو

لم تَكُن غالبيَّة الأصوات التي ترتفع اليوم رافضةً التَّدخّل العسكري الرّوسي في سورية عاليةً بنفس الدَّرجة، أو ربّما كانت غائبةً، إزاء جلّ التّدخّلات الأجنبيّة العُدوانيّة في سورية وضدّها منذ أربع سنوات ونَيّف. ومن أبرز هذه التّدخّلات عربدة طائرات العدو الصّهيوني في الأجواء السُّوريّة وقصفها مواقع للجيش السُّوري في مناسبات عدّة، والتي كان أهمّها اعتداء القُنيطرة الذي ردّ عليه حزب الله. أمَّا المحطّة الأخرى في مسار الحرب في سورية، التي أسقطت القناع عن هؤلاء، فكانت عام 2013، حين اقتربت البوارج الأميركيَّة من السواحل السوريّة، وهدّدت الولايات المتّحدة الأميركيّة بعمليَّة عسكريّة واسعة لإسقاط النّظام بعد اتهامه باستعمال الأسلحة الكيمياويّة في حلب. حينها أكل القطّ ألسنة كلّ هؤلاء ولم ينبسُوا ببنت شفة، وكانت قلوبهم تخفق بسرعة فرحاً بـ»المُخلّض الأميركي». ولم يكتفُوا بغضّ الطرف والتزام الصّمت، بل إنَّ بينهم من كان يلعَقُ الأحذية لدكّ دمشق مثل الائتلاف اللاّوطني السّوري وحركة الإخوان المسلمين التي دعت بكلّ صفاقة إلى «الجهاد ضدّ الرّوس الكفَّار».

حين قرّر التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة، البدء بتوجيه ضربات جويّة ضدّ «داعش» كان ذلك سبباً رئيساً لاحتواء تمدّد التّنظيم الذي يُهدّد مصالحها، خصوصاً في إقليم كردستان العراق، ولم يكن الهدف القضاء على هذا التّنظيم. ثمّ تحوّل «القصف» الأميركي في مرّات عديدة إلى عاملٍ مساعد من خلال تزويد المسلّحين بالذخيرة والعتاد.

التدخّل الرّوسي يختلف جذريّاً عن تدخّل التحالف الدولي، أوّلاً لأنّ الضَّربات الجوية الرّوسية دقيقة للغاية، وتتجلّى فعاليّتها في التقدّم الميداني الذي يُحرزه الجيش السوري. وثانياً لأنّها لا تميّز بين التّنظيمات الإرهابيّة على عكس ضربات التحالف، التي كانت أقرب إلى الاستعراض منها إلى الحرب على الإرهاب، واستَثنت تنظيمات إرهابيّة عدّة من قائمة بنك أهدافها. لهذه الأسباب تثُور ثائرة المعارضات اللاّوطنية المُرتبطة بالإمبريالية الأميركية. ذلك أنّ كلّ قصف يطَال أحد مواقع الإرهابيين هو في الحقيقة قصفٌ يطَال أيضاً القوى السياسية التي تتّخِذ من التّنظيمات الإرهابيّة وسيلتها الميدانيّة لفرض صيغة لوقف الحرب، تتماشى تصوّراتها وتصوّرات الرّعاة الغربيين لها. إنّ هذا النّوع من المعارضة، الذي يراهن على الوصول إلى الحكم على ظهر الدبّابة الأميركيّة، هو جزء من الأزمة في سورية، والتصدّي لهذا النوع لا يقلّ أهمّية عن التصدّي للإرهاب. بل يمكن القول إنّ الحرب التي بدأت تأخذ نسقاً هجوميّاً من جانب الجيش السوري على الأرض بعد التّدخّل الرّوسي هي في الحقيقة حربٌ ضدّ الإرهابيين وحربٌ ضدّ السياسيين الذين يُندّدون بالإرهاب علناً وينسّقون معه سرّاً، حيث أنّ هذه التَّنظيمات الإرهابيّة هي الأدوات الميدانيّة وورقة الضّغط الوحيدة بيدها، نظراً إلى كونها لا تملك امتداداً شعبياً في الوقت الحالي.

الولايات المتحدة الأميركية ستعمل جاهدةً ليكون لهذه المعارضة العميلة دور مهم في التسوية السياسية المُرتقَبة لما بعد الحرب، وستفاوض روسيا على هذا الأساس. لأنّ مهمَّة اختراق النّظام السّوري موكَلةٌ بشكل رئيس إلى هذه المعارضة العميلة وإلى جماعات الإسلام السّياسي، وليس عبر منصب رئاسة الجمهوريّة لسببين رئيسيّين: أوَّلاً لأنّه لا يوجد إجماعٌ داخل فصائل هذه المعارضة على شخصيّة يُمكن الرّهان عليها، وثانياً لأنّ روسيا لن تسمح بهذا الاختراق الذي يعني فقدان حليف استراتيجي في المنطقة.

إنَّ مواجهة الإرهابيّين في ساحة القتال تتطلّب حسماً بنفس الدّرجة في التّعامل مع المُعارضة التي توظِّف الإرهاب في ميدان السّياسة والتّفاوض. وإنَّ كلّ القوى السّياسيّة، التي لا تعتبر وقف الحرب في سورية عبر القضاء على الإرهاب هو الأولويَّة المُطلقة في هذه المرحلة، هي جزء لا يتَجزّأ من تدمير البلد والمنطقة سواءً عن حسن نيّة أو سوء نيَّة، ولا يُمكن أن تكون قوّة للبناء في سورية مُستقبلاً.

إنَّها مرحلة الحسم العسكري فلتتوضّح منها كلّ المواقف: إمّا مع إنهاء الحرب والمأساة السُّورية أو مع إدَامَتها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى