«المستقبل» يهدّد بما لا حول له فيه ولا قوة

روزانا رمّال

لم يغب يوماً عن لبنان مرحلة ما بعد اتفاق الطائف وتقسيم النفوذ فيه بحسب التقسيمات والترتيبات المرفقة بكل مرحلة، أن يلتحق بحقبة سياسية خارجية معينة طاغية ومهيمنة، تارة تكون اميركية او سورية أو سعودية أو مختلطة بمقادير متفق عليها، وعلى هذا الاساس لا يتغاضى الفرقاء في لبنان عن الأخذ بعين الاعتبار هواجس هذه الدول الراعية، التي تعتبر رعايتها نابعة من منطق الرصيد المتوفر لها في لبنان، الذي يمكنها من الاعتماد على توظيفه في المكان والزمان المناسبين، وقد يكون هذا الرصيد شعبياً او حتى عقائدياً.

تلعب المملكة العربية السعودية بهذا الإطار دوراً بارزاً تكشّف بدخول الرئيس الراحل رفيق الحريري الى الحلبة السياسية اللبنانية، بحيث حجزت مكانة لا يُستهان بها عند جزء أساسي من اللبنانيين الذين تعرّفوا إليها كراع وحاضن وفاعل خير لهذا الوطن الذي لا ينفك يتحمّل مشاكل ترسّبات ماض وأعباء لا تنتهي أخذت السعودية على عاتقها المبادرة الى حلها.

تلعب السعودية الدور الأساسي في اختيار رئيس الحكومة في لبنان، فهو المقعد السني الأساسي في البلاد والذي لا يمكن لمن يتسلّمه أن لا يكون قد جاء بمباركة منها او بالاتفاق معها، وذلك حتى في مرحلة الوجود السوري في لبنان وأوج نفوذه، فقد حكمت معادلة «السين – سين» السعودية السورية مجمل الأوضاع في البلاد.

اليوم أصبح القرار السعودي في لبنان أقوى وأكثر نفوذاً قبل ان يتراجع تدريجياً بسبب متغيّرات إقليمية عصفت بالمشهد السوري أولاً وبمتغيّرات داخلية سعودية ثانياً والحرب التي تخوضها مع اليمن ثالثاً، ولكن رغم كلّ هذا فإنّ القرار في اختيار رئيس حكومة ورعاية حكومة لبنانية والتئامها لا يمكن ان يكون من دون موافقتها، وهنا تعتبر كرسي رئاسة مجلس الوزراء مسؤولية الذي يتسلّمها من ألفها الى يائها، وعليه فإنّ قرار التحكم بمصيرها من فشل او استمرار لا يكون من دون مشاورة الرياض اولاً وأخيراً، لأنّ القضية هنا ليست ترتيب أوراق داخلية وهو ما تضعه الأخيرة ضمن سياستها الخارجية واستراتيجياتها في المنطقة.

حكومة الرئيس الحالي تمام سلام تواجه عوائق عديدة تمنع التئامها كما يجب أن تكون، لكنها لا تزال الوحيدة القادرة على إنقاذ البلاد من الفراغ التامّ الذي يكاد يقع في مخيّلة بعض الذين يحاولون إيهام اللبنانيين بقدرتهم على فرض المعادلات، وهنا المقصود التصريحات الصادرة عن تيار المستقبل والتهديدات بالانسحاب من الحكومة ومن الحوار، محاولين في هذا الإطار التخفي وراء التوتر الإقليمي الحاصل بين السعودية وايران لعدة خلفيات، متناسين أنّ الموقف السعودي من حكومة سلام جاء أكثر من مرة على لسان سفيرها في لبنان على عواض العسيري الذي دعا الى دعم الحكومة لأنها آخر المؤسسات الدستورية المتبقية في ظلّ الفراغ الرئاسي الحاصل، كما أنه أقدم على دعم الحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو أيضاً ما هدّدت بالانسحاب منه بعض أصوات من «المستقبل».

المملكة العربية السعودية لا تدعم فقط بقاء حكومة سلام كأحد أهم نفوذ لها في البلاد، ولا تدعم الحوار الجاري اليوم فقط، إنما تدعم أيضا منذ أكثر من سنة جلسات الحوار الدورية التي تعقد بين حزب الله وتيار المستقبل، والتي صمدت رغم أقسى الظروف التي مرّ بها لبنان وأقسى التهم المتبادلة بين الفريقين، وهنا يبرز السؤال عما يصرّح به «المستقبل» وبين الرغبة السعودية.

لا يمكن لحزب الله لعب دور التمسك بالحكومة أكثر من فريق المستقبل، وقد جاء هذا الدعم على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله الذي دعا إلى دعم سلام وعدم الابتزاز لجهة البقاء في الحكومة، وهو في هذا الإطار يرسل رسالة إلى حليفه التيار الوطني الحر بأن لا تنسحبوا كوزراء للتيار من الحكومة التي يهمّنا بقاءها، وبالتالي فإنّ الاقتناع بأنّ تيار المستقبل ينفذ أجندة إقليمية في هذا الإطار ليس موفقاً.

نجحت السعودية وإيران رغم الخلاف الذي تفاقم مع نجاح إيران بإنجاز التفاهم على ملفها النووي عدا الحرب اليمنية والأزمة السورية في أصعب الظروف بتحييد لبنان عن الدوامة بالتوصل الى حماية الحكومة فيه وإبعاد مخاطر تمدّد الإرهاب إليه، لأنّ لبنان بحسب السعوديين محطة انتظار كلّ المشهد في المنطقة، وهو مركز التجاذبات والرسائل وصندوق بريد المنطقة وخطوطها الأمنية والإعلامية والديبلوماسية، وهناك حاجة لإبعاد مخاطر التطرف عنه في الوقت الراهن، وأي خلاف من هذا النوع، اي خلاف بين حزب الله وتيار المستقبل سيرفع من نسبة نمو الإرهاب وتماديه بالفوضى، لهذا السبب حضنت السعودية حوار حزب الله و«المستقبل»، وأبقت عليه شعرة يمكن من خلالها التواصل إقليمياً مع من يهمّهم الأمر وبالأخص إيران.

يعرف حزب الله انه لا يمكن لتيار المستقبل اللعب بورقة السعوديين في لبنان جزافاً، ويعرف انّ التهديد والتناقض بالتصريحات داخل الكتلة ليس إلا محاولة للفت الانظار نحو لبنان، وربما نحو اهتمام سعودي بأوضاع الحريري الأشدّ صعوبة مع الفشل في نسج علاقات متينة مع القيادة الجديدة، وبالتالي يردّ حزب الله بالطريقة الحازمة المباشرة من دون أن يقلق من ارتجال مستقبلي لا حول له فيه ولا قوة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى